محيرٌ هو الخبر عن تمويل إضافي بقيمة 300 مليون دولار لاستكمال دعم الأسر الأكثر فقراً. هل نفرح باستمرار بؤسنا وتجذره بعد أربع سنوات من الانهيار، أم نرتعد من المساعدات التي بدأت طارئة وتحولت إلى دائمة؟! في الحالتين تستوجب المساعدات الإنسانية التي تأتي على شكل قروض "ممتازة"، السؤال أيضاً عن قدرة لبنان على الإيفاء بالتزاماته التي فاقت السبعمئة مليون دولار لصالح البنك الدولي وحده، خلال بضع سنوات، ومصير ملايين الأشخاص في حال توقّف المساعدات.  

بعد قرض بقيمة 246 مليون دولار خُصّص في مطلع العام 2021 لدعم 150 ألف أسرة بمبالغ نقدية شهرية، وافق مجلس المدراء التنفيذيين لمجموعة البنك الدولي على تمويل إضافي بقيمة 300 مليون دولار لاستكمال المشروع الطارئ لدعم مشروع شبكة الأمان الاجتماعي ESSN، أو ما يعرف بـ "أمان".

حجم الاستفادة

استفادت لغاية اليوم من الدعم المباشر 92 ألف أسرة من أصل 150 ألفاً، مستهدفة في البرنامج السابق الذي بدأ تنفيذه في آذار 2022، كما أفادت مصادر وزارة الشؤون الاجتماعية. في حين أنّ بيان البنك الدولي يتحدث عن 82 ألف أسرة، تشكل 51 في المئة فقط من الأسر التي يستهدفها برنامج التمويل. وقد وُزعت المساعدات على الشكل التالي: مبلغ مقطوع بقيمة 25 دولاراً للأسرة، و20 دولاراً للفرد، وبحدّ أقصى يبلغ ستة أشخاص، بقيمة 145 دولاراً شهرياً. وبحسب بيان البنك الدولي فإنّ التّمويل الإضافي بقيمة 300 مليون دولار سيُخصّص لرفع عدد الأسر إلى 160 ألف أسرة لمدة 24 شهراً، بالإضافة إلى الأسر المستفيدة حالياً من المشروع، وسيعطي 92 ألف طالب من الأسر المستفيدة، مبلغاً يتراوح بين 285 إلى 425 دولاراً أميركياً في السنة الدراسية.  كما سيدعم القرض 400 مركز للخدمات الانمائية. وستتابع وزارة الشؤون الاجتماعية وبرنامج الغذاء العالمي زياراتها المنزلية لتقييم أوضاع الاسر المستحقّة للمساعدة للوصول إلى العدد النهائي المحدد بـ 160 الفاً.

الهدر في التمويل


فرح الشامي


يتطلب القرض الجديد بادئ ذي بدء إقراره في مجلس النواب. وإذا كان من المستبعد رفض اتفاقية القرض الجديدة من قبل مختلف القوى والأحزاب السياسية إلّا أنّ الرهان يبقى على عنصر الوقت. فالقرض الاول بقيمة 246 مليون دولار أخذ وقتاً، من تاريخ الاتفاق عليه بعد انفجار المرفأ في آب 2020، إلى تاريخ إقراره في البرلمان في آذار 2021، نحو نصف سنة. فيما تطلب وضعه موضع التنفيذ عاماً بالتمام والكمال. وتعتبر وتيرة التطبيق بطيئة بالمقارنة مع ارتفاع الحاجات. حيث بلغت نسبة العائلات المستفيدة منذ الإعلان عن بدء توزيع المساعدات نحو 51 في المئة فقط. "وتأتي المبالغ على شكل مساعدات مؤقّتة غير مستدامة وأعجز عن انتشال العائلات من الفقر المدقع أو الحالة السيئة الواقعة فيها"، تقول الزميلة الرئيسية ومديرة برنامج الحماية الاجتماعية في مبادرة الإصلاح العربي فرح الشامي. "وما زلنا في جميع الحالات نهدر قروضا تنموية على مساعدات إنسانية. مع التأكيد أنّ المساعدة الاجتماعية لا تعني أماناً أو ضماناً اجتماعياً".

وقد رأينا في تجربة ESSN 1 أنّ المساعدات لم تكن شاملة أو فعالة، والكثير من العائلات الأكثر حاجة لم تستطع الوصول إلى البرنامج بسبب إقصاء برامج الاستهداف عن قصد أو غير قصد من خلال المنهجيات. ومع الأسف فإنّ الموضوع سيتكرّر مع استكمال برنامج الدعم".  

الاخطار المستقبلية للقروض

المساعدات المالية التي تستفيد منها العائلات على أهميتها تبقى قرضاً بفائدة تتراوح بين 1 و1.5 في المئة، يتوجب على الدولة تسديدها في غضون 18 إلى 20 سنة. وتعتبر قروض البنك الدولي قروضاً ممتازة، بمعنى عدم إمكانية الدولة التخلّف عن سدادها. وقد دفعت الحكومة قبل مدة بعضاً من هذه المستحقّات من حقوق السحب الخاصة. إلّا أنّه مع مشارفة هذه الحقوق على النفاد، وعدم كفاية مصادر الإيرادات لتمويل مثل هذا الحجم من القروض، فإنّ الطريقة الوحيدة ستكون عبر مصرف لبنان الذي سيكون أمام حلّ من اثنين: إمّا تحويل الإيرادات بالليرة إلى دولار على سعر صرف بعيد عن سعر السوق. وإمّا استخدام ما تبقّى من احتياطي. وفي الحالتين سيزيد الضغط على سعر الصرف مما يرفع الأسعار ويزيد من نسب التضخّم، ويقلّل بالتالي من فائدة القروض بالنسبة للأفراد المستفيدين بشكل عام، ولغير المستفيدين من الدعم بشكل خاص. "والمضحك المبكي في نماذج الإقراض العالمية هو إدراج القروض تحت خانة الانسانية، فالقروض في المبدأ تستخدم للتنمية وليس للشؤون الانسانية"، من وجهة نظر الشامي.

فضح المستور

لعل أهمّ ما في هذه القروض هو الإحصاءات التي تقوم بها الجهات الدولية من أجل معرفة حقيقة الوضع. وبرقم لافت بيّن مسح تم إجراؤه لمتابعة الأسر المستفيدة من البرنامج أنّه بعد تلقّي التحويلات، كانت النسبة الأكبر من إنفاق الأسر المستفيدة، على الغذاء. إذ بلغت 43 في المئة، فيما وصل الانفاق على الرعاية الصحية من المساعدات المالية إلى 12 في المئة. هذه الأرقام تعتبر دليلاً قاطعاً على أنّ نسب التضخم في لبنان أكبر بكثير من تلك التي يصدرها الإحصاء المركزي"، يقول مصدر متخصص في العمل الاحصائي. "فمؤشر أسعار المستهلك الذي يصدره الإحصاء المركزي ما زال حتى الأمس القريب يعتمد تثقيلاً بنسبة 20 في المئة على الغذاء، و7.7 في المئة على الصحة. بمعنى أوضح، يعتبر الإحصاء المركزي في حساباته أنّ الأسر تنفق 20 في المئة من دخلها على الغذاء و7.7 في المئة على الصحّة. وفي حال اعتماد التثقيلات المحدّثة التي أشار إليها البنك الدولي، فإنّ نسبة الارتفاع في مؤشر أسعار الغذاء والصحّة ستكون أعلى.

السجل القومي

يعول البنك الدولي من خلال هذه القروض على تطوير نظام شبكة أمان اجتماعي رقمي ومستهدِف، عبر منصّة "دعم"، التي تُسجّل عليها كل الداتا الخاصة بالأسر. وأيضا على ربط برنامج شبكة الأمان الاجتماعي ESSN، مع البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً في لبنان (NPTP). ولعلّ هذا الجانب المشرق من الموضوع، بحسب الشامي التي تؤكّد أنّ "البنك الدولي كان قد اشترط على مراكمة الداتا من المستفيدين من البرامج لبدء تشكيل ما يعرف بـ "السجّل القومي الاجتماعي الموحّد"، لإعطاء لبنان تمويل إضافي لبرنامج "أمان".

قروض الحماية الاجتماعية التي وصلت إلى أكثر من 700 مليون دولار منذ بدء الازمة "تتطلّب التصرّف بها بأقصى درجات المسؤولية"، تؤكد الشامي. خصوصاً أنّ لبنان يحتاج في المرحلة القادمة من وجهة نظر البنك الدولي إلى تأمين الحيّز المالي اللازم لتمويل احتياجات قطاع الحماية الاجتماعية، بما في ذلك شبكات الأمان الاجتماعي، على المدى الطويل.