استعارت "الهيئة المجتمعية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني" العزيمة من المثل القائل: "مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"، وأطلقت مبادرتها الاستثمارية التنموية. فولد من رحم الحاجة المزدوجة لاستقطاب الاستثمارات وتمويل المؤسسات، "صندوق استثماري". الهدف منه مساعدة اللبنانيين على الصمود في وجه الكوارث الاقتصادية، ومؤازرتهم من أجل الخروج من المحنة المعيشية التي أنهكت قواهم.

إزاء التدهور الاقتصادي والمالي الذي لم يسبق له مثيل، تداعت "الهيئة المجتمعية" للبحث بأفضل السّبل لمساعدة الاقتصاد اللبناني. وقد تبيّن أنّ هناك حاجة ماسّة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تعتبر عصب الاقتصاد. فالمؤسسات القائمة أو تلك قيد التأسيس، افتقدت منذ العام 2020 الوصول إلى مصادر التمويل في ظل الانهيار المصرفي وضعف السّوق المالية. فتراجعت القدرة الانتاجية، وتراجع معها النموّ وإمكانية خلق فرص عمل جديدة. وقد رأت الهيئة المجتمعية أنّ مساعدة المؤسسات من خلال الاستثمار في المشروعات ذات الجدوى، ليس مستحيلاً لا بل سهلاً، ويمكن تأمينه "بمائة دولار أميركي فقط". كيف ذلك؟

فكرة المشروع

ينصّ المقترح على تأسيس شركة مساهمة تحت عنوان "شركة التنمية والاستثمار اللبنانية". تُصدر الشركة أسهماً بقيمة 100 دولار للسهم الواحد وبحد أقصى 250 سهماً للفرد، بقيمة 25 ألف دولار. على أن تبدأ فترة الاكتتاب من 16 أيار، وتنتهي في 31 أيلول 2023. وعلى ضوء حجم قيم التعهّد بالاكتتاب يتم تسجيل الشركة. عندها يطلب من المكتتبين تسديد قيم اكتتاباتهم بإيداعها لدى المصارف الآمنة، سواء في لبنان أو الخارج. ينطلق عمل الشركة وتبدأ بدراسة المشاريع التي يمكن المساهمة بها أو دعمها، وفقاً لدراسة الجدوى الاقتصادية الخاصّة بكلّ مشروع. أما في حال اعترضت الشركة أي عقبات تمنعها من تحقيق غاياتها، أو عدم كفاية الاكتتاب خلافاً لما جاء في طلبات الاكتتاب... يتم إعادة المبالغ التي تمّ الاكتتاب بها من دون أي نقصان في خلال شهرين من تاريخ إقفال فترة الاكتتاب.

عوائد المساهمين

هذا النّوع من الشركات يعتبر وجهين لعملة النمو الواحدة. فمن جهة يتم تمويل المشاريع ومن الجهة الثانية يحقق المساهمون أرباحاً من التوظيفات، تعوّض عن تراجع معدلات الفوائد وفقدان الثقة في إيداع الأموال في المصارف. ومن الممكن البدء بتوزيع الأرباح أو جزءاً منها وفقا لقرارات الجمعية بعد ثلاث سنوات.


النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان وائل أبو شقرا

إنّها معادلة "رابح رابح"، أو كما يقال باللغة الانجليزية win win solution ، "سنواكبها بخطوات سريعة وبنّاءة مع الأخذ بعين الاعتبار الصعوبات والعقبات التي تعيق مبادرتنا"، يقول النقيب السابق لخبراء المحاسبة المجازين في لبنان وائل أبو شقرا. "وقد اعتمدنا على خطط مبنيّة على جدوى اقتصادية ذات إيجابيات سريعة، انطلاقاً من حاجة القطاعات ذات الأولويات. ومنها على سبيل المثال قطاعي الزراعة والصناعة". وعلى الرغم من تأكيد أبو شقرا فقدان الأمل بمبادرات داعمة من السلطة للأفكار والمشاريع الخلّاقة، لفت إلى "ضرورة اتخاذ الدولة خطوات عملية تتمثّل بالاستفادة من أملاكها وموجوداتها الثابتة، والاعتماد عليها كركيزة اقتصادية داعمة، بدلاً من الدَّين وسياسته الهدامة. خاصةً، ونحن بحاجة إلى تشريعات بنّاءة غير مبتورة. لأنّ بناء الدول والمجتمعات هو بناء كامل وشامل. مع الأخذ بعين الاعتبار حاجات التّشريع الهادف إلى العيش الكريم لأبناء المجتمع".

الانطلاق بخطتين متوازيتين

يشكّل تأسيس شركة مساهمة تعمل تحت اسم "شركة التنمية والاستثمار اللبنانية"، المدماك الأول من الخطة قصيرة المدى التي يجب اعتمادها"، من وجهة نظر أبو شقرا. و"التي يجب أن تستلحق حكماً بخطّة مستقبلية تنموية إنتاجية. يشارك فيها اللبنانيون أينما وُجدوا. فغاية هذه الشركة التنمية الاقتصادية والمالية أولاً، والاستثمار في المشروعات ذات الجدوى الاقتصادية والمالية ثانياً، لتجاوز التدهور الذي وصلنا إليه. والأخذ بعين الاعتبار أولوية مشاريع القطاعات الزراعية بما فيها مصانع الإنتاج الزراعي، والقطاع الصناعي على أشكاله... وسواها بالتدرّج". وستُسجّل هذه الشركة برأس مال غير محدود يُزاد تلقائياً من زيادة الاكتتابات وإيرادات الاستثمارات موضوع هذه الشركة. مع الإشارة إلى أنّ أيّة مساهمة تُطلب لأكثر من 25 ألف دولار أمريكي تحتاج لقرار مجلس المديرين".

كلّ هذه الخطوات على أهميتها تبقى ناقصة ما لم تترافق مع وضع خطة مستقبلية استراتيجية بعيدة المدى، تعتمد بحسب أبو شقرا على "التنموية والإنتاجية. وتعنى بالمشاريع التجارية والصناعية والسياحية والاقتصادية والمالية والتقنيات الحديثة والصناعات الثقيلة وسواها التي تقوم بها الدولة والقطاع الخاص على أن تأخذ العناوين التالية بعين الاعتبار:

-           تقييم موجودات الدولة، والمباشرة بالخطط العملية للإسراع في الاستفادة منها ومن أهداف الشركة المُشار إليها.

-           إحصاء مراكز الإنتاج الجارية على ملكيتها من أراض ومؤسسات وخلافه.

-           مواكبة واعتماد التقنيات الحديثة التي أصبحت علومها تحتلّ الاولويات لدى أبناء هذا الوطن.

-           توفير فرص إعادة تنشيط المؤسسات الصناعية الحالية، وإعادة احياء المتعثّر من بينها. واعتماد سياسة الدمج بين المؤسسات المتشابهة في أهدافها ونشاطاتها، وصولًا إلى إطلاق مؤسسات ناشطة وداعمة للقطاعات الاقتصادية والمالية والتجارية والصناعية والسياحية وخلافها. وقيام صناعات جديدة مواكبة للتطور والحاجة. وما هو مطلوب للاكتفاء الذاتي، وبشكل خاص على الصعيد الغذائي والصحّي والتربوي.

الأفكار الخلّاقة التي لا يملّ القطاع من ابتداعها لإيمانه بلبنان وحبّه الكبير له لا يعوّقها إلا نهج الفساد المستحكم بمختلف المفاصل. وهو النهج "الأخطبوطي" الذي لا يهدف فقط إلى استمرار الاستفادة من السمسرة على المشاريع العامة وتوظيفها في خدمة القيمين على مفاصل البلد الحيوية فحسب، إنّما لإعدام الأمل بأيّ محاسبة مستقبلية قد تقصيهم عن مراكز القرار، وتحاسبهم عن كل الجرائم المالية التي ارتكبت بحق المواطن والاقتصاد.