يصرّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب على استكمال جولته على مسؤولي الكتل النيابية، ورؤساء الأحزاب لفتح كوّة في جدار الملفّ الرئاسي المقفل. هدفه حثّ كل الأطراف على الحوار ولو بالواسطة ودرس إمكانية البناء على القواسم المشتركة في ما بينها، لعلّ ذلك يؤمّن خروجاً من مربّع الخلافات العقيمة التي يدور البلد في فلكها. لم يحمل مبادرة أو يسعى لترويجها ولم يطرح أسماء مرشّحين جدد، بل هي مجرّد أفكار وقواسم مشتركة يطوف فيها إن وجدت أو تحرّك في الوقت الضائع.

يسعى للإستفادة من موقعه كنائب رئيس لمجلس النواب، وعضو في تكتل لبنان القوي وعلى تقاطع علاقات أميركية ومع دول الخليج. منذ ترشح لموقعه لم يزل بوصعب يعمل لإثبات حيثيته الشخصية بعيداً عن فلك التكتّل النيابي الذي ينتمي إليه ورئيسه جبران باسيل، والتحرّك كمستقلّ في خطواته السياسية وفي مواقفه. في مسعاه الحالي قال إنّه يسعى بمعزل عن إنتمائه لتكتّل التيّار الوطني الحرّ النّيابي أو أن يكون تحرّك بقوّة دفع من رئيس التيار جبران باسيل أو رسولاً من قبله.

ومن دون أن يعلن إلّا أنّ تحركه فهم في بعض الأوساط النيابية على أنّه موفد بشكل غير مباشر من رئيس مجلس النواب نبيه بري. لكنّ السؤال إلى أي مدى يتناسب مع بري تحرّك هدفه طرح خيار رئاسي ثالث، خارج مرشّح الثنائي سليمان فرنجية الذي يتمسّك برّي بترشيحه وغير مستعدّ للبحث في أيّ خطّة بديلة. وعلى العكس لن يرضى التيّار الوطني البحث في إمكانية القبول بترشيح فرنجية.

لكن درجت العادة منذ زمن ما بعد الطّائف أن يرتدي موقع نائب رئيس مجلس النواب أهمّيته بالنظر إلى قوّة شخصية شاغله. لكن أيّ كان دوره يبقى ضمن أفق غياب الصلاحيات الواسعة دستورياً. فنائب الرئيس ينوب عن الرئيس في غيابه، لكنّ مثل هذا الغياب كان يقتصر دائما على فترات راحة متقطّعة يخرج خلالها رئيس المجلس من القاعة فيتولّى عنه نائبه إدارة الجلسة وضبط الإيقاع. بمعنى آخر هو دور لا يزيد عن طرقة مطرقة.

ليس انتقاصاً من خطة بوصعب غير أنّ الخلاف اللبناني الدّاخلي تجاوز المحاولات الداخلية، لأنّه ليس خلاف شخصي بين القيادات، بل هو خلاف على خيارات ومشاريع في السياسة بين من يطالب باللامركزية من دون تقسيم، أي التيار الوطني الحر، وآخر يحتذي بالنموذج البلجيكي للتقسيم. كما أنّه خلاف على المواقع بحيث يشعر أي فريق بالإنكسار إن تراجع على اعتبار أنّه قدّم هديّة مجانيّة لخصمه. عدا عن ذلك والأهم أنّ أي طرف لم يعد يكتفي بقواعد اللعبة الداخلية، بل تعداها ليرتبط بمعادلات الخارج وخياراته وينتظر جني المكاسب من الخارج وليس التسليف بالمجان.

يستمدّ بوصعب زخمه من كونه جزء من رئاسة المجلس كنائب للرئيس، ومكلّف من صاحب الشأن أي الرئيس بدور ما يلعبه، ولكنّ مشكلته أنه نائب في فريق ويلعب دور فريق آخر، بما يصعب مهتمه. لا يعقل أن يكون مكلّفاً من برّي ويطرح سحب فرنجية ولا التسويق لفرنجية وهو مرشح مرفوض من التكتل الذي ينتمي اليه، وبمعنى آخر هل يمثّل موقعه الدستوري كنائب للرئيس أم موقعه السياسي كنائب في تكتل سياسي؟

يجزم نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب أنّه لا يحمل في زيارته على المسؤولين أية مبادرة أو إسم مرشح للجمهورية. هي مجرد محاولة جس نبض للحوار مجدّداً بين الجميع والإتفاق على كيفية الخروج من الفراغ الرئاسي. المطّلعون على نتائج تحرّكه لغاية اليوم يلمسون عودته خائباً. في معراب اكتفى رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بموقع المستمع، فأصغى إلى شروحات نائب رئيس مجلس النواب مطوّلاً، لكنه لم يخفِ رفضه لأي فكرة تقارب مع التيار الوطني الحر إلّا بشروطه، مع الإصرار على رفض ترشيح فرنجية، وأيّ خطوة معاكسة ستعدّ هزيمة تلحق به. لم يرق له مناخ التسويات الذي تشهده المنطقة وهو اعترف أنّ الثورة في سوريا فشلت، ولكنّه يصرّ على عدم الراجع تحت تأثير مناخات العرب الجديدة والإتفاق الإيراني السعودي، وهو نال جرعة دعم مؤخراً من السفير السعودي وليد البخاري، الذي قال أنّ المملكة ليست بوارد الضغط على حلفائها فتركت للبنانيين حرية الإتفاق على مرشحهم. من حزب الله ورئيس كتلته النيابية الحاج محمد رعد فهم بوصعب أنّ الأخير ليس بوارد التّراجع عن ترشيح فرنجية وأنّ مثل هذه الخطوة لا ترتبط بمعادلات محلية داخلية، ورفض حزب الله سحب فرنجية من التداول لصالح مرشح توافقي.

بينما خابت جهود الفرنسيين وفشل الوفد القطري الموجود في بيروت من الخروج بصيغة حل يحملها للإجتماع الخماسي المقرر عقده، والتزم السعودي قراره عدم التدخل بدعم مرشح رئاسي معين، تنشط المبادرات الفردية ويتّكل أصحابها على رصيد علاقاتهم بالكتل النيابية وحياديتهم إلى حدّ ما، لكن إلى أيّ مدى يمكن أن تنجح مبادرة رئاسية صنعت في لبنان عجزت عن صنعها الدول الكبرى؟

منذ شرع في مسعاه لم يرفع بوصعب سقف توقعاته. قد لا يصيب في تحقيق النتائج المرجوّة لكن أقلّه يكون قد حقق هدفه هو بالسعي، وثبّت وضعيّته كفريق سياسي يمكنه الإنفتاح على الجميع على عكس غيره. وهنا قد يكون لبّ الرسالة وفحواها بحسب بعض المراقبين.

الجولة لم تنته بعد، وثمة من يتحدث عن فصل ثانٍ قريباً والأمور مرهونة بخواتيمها.