الصفا

خلال زيارته إلى موسكو أعطى الرئيس السّوري بشار الأسد إشارات إيجابية بشأن العلاقة مع السعودية، وقال إنّ "السياسة السعودية اتّخذت منحى مختلفاً تجاه دمشق منذ سنوات، ولم تتدخل في شؤون سوريا الداخلية كما أنها لم تدعم أياً من الفصائل". لكنه تريّث في الإجابة على سؤال يتعلق بترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، وتفادى إعلان موقف واضح من الموضوع، مكتفياً بالحديث عن انعكاس الإتفاق الإيراني السعودي والذي "من الطبيعي أن يؤثر ولو بأشكال مختلفة، ولكن كيف سينعكس وفي أي نقطة؟ فمن غير الممكن أن نحدد اليوم".

ومن الكلام الإيجابي عن السعودية، و تريّثه حيال ملف الرئاسة في لبنان يمكن الإنطلاق نحو طرح احتمال أن يكون الحلّ في لبنان بات رهن ترتيب العلاقة السعودية السورية، والتي انطلقت أولى إشاراتها من مفاوضات وفد المخابرات العسكري الذي زار السعودية مؤخراً، إلى تصريحات وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان من أن"عزل النظام السوري لا يجدي وأن الحوار مع دمشق ضروري، (...) وقد يؤدي ذلك في النهاية إلى عودة النظام إلى جامعة الدول العربية وما إلى ذلك"، وصولاً إلى مواقف الأسد الأخيرة،  للقول إن السعودية عادت على الخط اللبناني بعد قطيعة إمتدت لسنوات إكتفت خلالها بدور المراقب عن بعد، لتلعب دوراً أساسياً وفاعلاً في إجتماع باريس، وهي تدوزن عودة علاقاتها مع سوريا، ما يجعل الآمال تعقد على لقاء منتظر سعودي سوري لم يعد بعيداً.

وفي حال سارت العلاقة وفق المرسوم لها فليس بعيداً أن نكون أمام شكل جديد من سين -سين في إعادة تكوين معادلات السّلطة في لبنان، أي المعادلات الإقليمية الحاضنة لسلطة جديدة. قد لا يتحقق ذلك بين ليلة وضحاها ولكن الأرضية صارت جاهزة. التفاهم السعودي - الإيراني تمّ، والتفاهم السوري - السعودي على الطريق، فهل يجب إكتمال أوراق هذا التفاهم لتنعكس على لبنان كبيئة حاضنة للحلّ في ملف الرئاسة وما يستتبعه؟

بالوقائع وليس بالتحليل فحسب، فإن أي حلّ في لبنان لن يكون بمعزل عن دور سعودي - سوري. فعودة العلاقة بين البلدين سيكون بالتفاهم على جملة ملفات بينها لبنان حكماً. مصادر متابعة لتطوّر علاقة البلدين عن قرب تقول من السابق لأوانه الحديث عن عودة العلاقات السورية السعودية، لكن تطورها بالإيجاب سيكون في مصلحة لبنان حكماً. سوريا المنشغلة حالياً بإعادة ترتيب علاقاتها مع السعودية، لم تنغمس بعد وفق المقرّبين بالملف اللبناني بالشكل الذي كان عليه الوضع سابقاً.

يتّكل الرئيس السوري على حلفائه بإدارة ملف لبنان، ولا يحبّذ الحديث بالشأن الرئاسي أمام ضيوفه. تتحفّظ سوريا على الأسماء، حتّى أن شخصية يتردد إسمها ضمن الأسماء المرشحة للرئاسة، فَشَلت في نسج علاقة سياسية تتعدّى التنسيق الأمني القائم بين البلدين.

وضمن هذا السياق يندرج تجنّب الأسد التعليق على ترشيح فرنجية لأن "لا مصلحة للأسد التّفوه بأيّ كلمة عن ملف الرئاسة في لبنان. فأي موقف يعلنه لن يصب في مصلحة فرنجية حكماً، ولو أن المسلّم به، فإن الأخير هو حليف سوريا الأقرب الذي لا تتخلى عنه، ولكنّها تضع الملف رهن متابعة حلفائها في لبنان". يقول المطلعون على الموقف السوري.

تعوّل سوريا على تحسّن علاقاتها مع السعودية، أصداء حديث ولي العهد محمد بن سلمان بالإنفتاح عليها تلقفتها برحابة صدر. التطوّر المهم المتفق عليه أن سوريا لم تعد ساحة صراع إيراني – سعودي، ولن يكون لبنان كذلك.

بفعل المفاوضات مع الجانب الإيراني كوّنت السعودية قناعة أن الوضع في اليمن يفرض الحوار مع الحوثيين، وليس الاكتفاء بالاتفاق مع الإيراني فحسب. وفي لبنان قد تخوض النقاش ذاته بإتجاه العلاقة مع حزب الله، إذ ثمة قناعة سعودية بضرورة الحوار المباشر مع حزب الله، ولذا لا تستبعد المصادر المطّلعة قيام حوار سعودي مع حزب الله بوساطة سورية هذه المرة كمدخل حلّ للرئاسة.

مصادر ديبلوماسية غير عربية لخّصت الواقع بالقول "ليس من الواضح بعد كيف سينعكس الإتفاق على دول المنطقة، لكن تبريد الجبهات بحد ذاته سيكون عاملاً مساعداً حتى في الملف الرئاسي اللبناني". وتعيد المصادر تأكيدها أن انتخاب الرئيس في لبنان تمليه ظروف محلية مدعومة من الخارج.

وفي السياق عينه تكشف مصادر سياسية عليمة النقاب عن حركة مشاورات واسعة يجريها رئيس مجلس النواب نبيه بري تقوم على طرح حظي بموافقة الفرنسيين عنوانه رئيس الجمهورية مقابل رئيس الحكومة. ويفترض أن يعمل الجانب الفرنسي على تسويق هذا الطرح لدى السعوديين. وتمضي المصادر قائلة إن ذلك يندرج في إطار صفقة أو حل كامل متكامل يمكن أن يشكل مخرجاً من المراوحة إن نجح، أو ستبقى الأوضاع على ما هي عليه.

يشكّل الملفّ اليمني البوصلة التي يمكن البناء عليها إيجاباً بالنسبة لإتفاق بكين، ونجاحه هناك، سيحرّك ملف العلاقات السورية السعودية ويدفع بها إلى الأمام، خاصّة وأن المأخذ السعودي على سوريا كان مرتبطاً بعلاقتها مع إيران، وهناك شروط سعودية وعلى سوريا الإلتزام بها، وتفاهمات مشتركة يجب أن تحصل. أما إمكانية ربط الملف الرئاسي ب: سين - سين جديدة، تقول المصادر إن ما سيتم العمل عليه في المرحلة المقبلة وما يجري الحديث بشأنه أن تدخل سوريا كطرف ضامن لأداء الرئيس المقبل، يشكّل ذلك عاملاً مساعداً على إنتخابه بضمانات سورية، وقد توافق السعودية على فرنجية فيكون إنتخابه بذلك نتاج جهود السين -سين.

الأمور لا تزال في بداياتها، والملف الرئاسي اللبناني لن يقتصر على دور السين - سين وحده في ظل الدّور الأميركي الذي لا يزال ممسكاً بالورقة اللبنانية، وليس معروفاً بعد كيف سيستثمر فيها ومن خلال من؟ يسلّف الإيراني فيرضى السعودي، وعلى هذا الأساس يبني الثنائي رهانه ويتمسك بمرشحه الذي يمكن أن يأتي إنتخابه في لحظة تقاطع محلّي إقليمي دولي يباركه الأميركي أو يقلب الطاولة بوجه الجميع.