بخطوات متسارعة وضعت حكومة تصريف الأعمال ملفّ عودة النازحين السوريين إلى بلدهم. فجأة عادت هذه القضيّة إلى حيّز المتابعة المحلّيّة والدّوليّة وتفاوتت بشأنها الآراء والمواقف، في وقت خرج فيه النازحون إلى الشارع في تحرّك يمكن التّشكيك بمدى عفويّته، في ظلّ حديث عن وجود جهات تدفع بالنازحين إلى التورّط بتحرّكات تثير بلبلة أمنية.

في كلّ مرّة يطرح فيها ملفّ النازحين على طاولة البحث، تخصل الخطوات ذاتها، مواقف مندّدة وأخرى مؤيّدة، إجتماعات وزارية وتوصيات وورقة عمل وتشكيل لجان، ثم تجمّد الخطوات ويبقى عبء النازحين إلى تزايد. لكنّ التحرّكات هذه المرّة بدت مختلفة. فجأة أثير الملفّ إعلامياً وعبر مواقع التواصل الإجتماعي وضخّمت أعداد النازحين، بينما الواقع يقول أنّ المسؤولية في مكان ما تقع على عاتق الحكومة اللبنانية لتقاعسها عن البتّ بمصير النازحين خشية غضب المجتمع الدولي وجمعيات NG0S .

كان واضحاً سعي المجتمع الدولي إلى تعزيز بقاء النازحين وتثبيت وجودهم في لبنان، إن عبر التقديمات المباشرة أو من خلال الخطط التنموية على مدى بعيد وليس متوسطاً. حتى أنّ بعض جمعيات المجتمع الدولي تلك كانت تبثّ الخوف في نفوس النازحين الرّاغبين بالعودة، من أنّ حياتهم ستكون عرضة للخطر نتيجة الإجراءات التي سيتخذها النظام السوري بحقّهم.

ومؤخّراً لم يتردّد السفير الألماني في إبلاغ رسالة من المجتمع الدولي تنصح الحكومة باستيعاب النازحين تمهيداً لتوطينهم. تقول الرواية أنّ الضجّة التي أثيرت مؤخرًا إنّما أتت في أعقاب ما تبلّغته الحكومة اللبنانية من وجود مسعى دولي لإبقاء النازحين على الأراضي اللبنانية، فسارعت إلى التحرّك لكن هل للحكومة أن تتحرك في مواجهة المجتمع الدولي وقراراته؟ وهل يوافق رئيس حكومة تصريف الأعمال على لعب مثل هذا الدور؟

لا تعرف الأجهزة الأمنية كيف تطوّر ملفّ النازحين وبلغ هذا الحدّ من التوتّر والحساسية بينهم وبين اللبنانيين، ومن أعطى الإشارة لفتح الهجوم عليهم بهذا الشكل. لكأنّ المقصود التّحريض عليهم والدّفع باتجاه أن يكونوا سبباً في توتير الوضع الأمني في لبنان. ربما بدأت الأزمة من الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي وانعكست على الشارع، أو أنّ الجمعيات الدولية التي تدعم وجودهم دفعتهم إلى التحرّك دفاعاً عن أنفسهم، وهي التي ترفض عودتهم وتتصدى لهذه العودة بكل السبل، وتوظّف كلّ إمكاناتها في سبيل دعم استمرار وجودهم في لبنان.

تعدّدت القراءات وتضاربت المعلومات حول ما شهدته الأيام الأخيرة، فكانت النتيجة أن عادت اللجنة الوزارية لمتابعة عودة النازحين السوريين إلى التحرك والاجتماع مجدداً، ودعت مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة إلى تزويد وزارة الداخلية بـ"داتا" النازحين، على أن تُسقط صفة النازح عن كل شخص يُغادر الأراضي اللبنانية.

في أولى القراءات أنّ الهدف من إثارة ملفّ النّازحين والدّفع بإتجاه تحرّكهم وإثارة الحساسيات بينهم وبين مواطني البلد المضيف هو تشتيت الإنتباه عن قضية عودة سوريا إلى الحضن العربي. يقول أصحاب هذا الرأي "لا يمكن مقاربة ملفّ النازحين السوريين بعيداً عن أبعاده السياسية وربطه بمجريات ما تشهده المنطقة".

رأي آخر يقول أنّ توتير الأجواء الأمنية بسبب النازحين، والدّفع بإتجاه ترحيلهم بالشّكل الذي حصل إنّما الهدف منه التسويق لترشيح قائد الجيش العماد جوزف عون، الذي تراجعت أسهمه الرئاسية في الآونة الأخيرة، وهو ما لمّح إليه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في تغريدة قال فيها "النزوح السوري العشوائي كان مؤامرة واجهناها وحدنا وإخراجهم بالعنف مؤامرة سنواجهها. (...) الفرصة الاقليمية سانحة لعودة لائقة، ولن نسمح للمتآمرين والمستفيقين بتضييعها بالتحريض واللاانسانية".

في إجراءاته التزم الجيش تعليمات اللجنة الوزارية، وامتثل للقانون الذي يمنع بقاء أيّ نازح لا يحمل بطاقة نازح ودخل إلى لبنان بطريقة مخالفة، ولو أنّها مهمّة الأمن العام في الأساس.

لكن الوقائع التي توافرت في الساعات الأخيرة لا تتلاقى مع القراءتين، ففي معلومات مصادر سياسية متابعة للملفّ عن قرب، أنّ حكومة تصريف الأعمال لم تتحرّك إلّا بموجب قوة دفع خارجية. لا يمكن لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي التغريد خارج سرب المجتمع الدولي أو يتحدّاه إلّا بتوافر ضمانات. وتمضي قائلة إنّ ضوءاً أخضر سطع في الأجواء ودفع بالحكومة إلى إتخاذ خطواتها، والأمر يتعلّق بالإتفاق الإيراني السعودي والإتفاق السعودي مع السوريين. فمن الخطوات الجاري التنسيق بشأنها ملفّ عودة النازحين التي تصبّ في صالح الدول المعنيّة بالإتفاق لسببين: الحدّ من التغير الديمغرافي في سوريا نتيجة حركة النزوح الهائلة ما أحدث خللاً في توزيع السكان لغير صالح السنة، وعدم وجود يد عاملة في وقت تتحضر فيه سوريا لإطلاق ورشة إعادة الإعمار.

وإذا كان في الأسباب التي تجعل المجتمع الدولي رفض عودة النازحين إلى سوريا محاولة رفع الغطاء عن النظام، والتشكيك بشرعيته لوجود نصف شعبه خارج البلاد، فإنّ التحرّك العربي بإتجاه سوريا يعاكس التوجه الغربي أي الأميركي الأوروبي، ويسعى إلى عودة سوريا إلى جيرانها العرب، وإعادة دعم المؤسسات لتنهض من جديد. وهذا ما أكّد عليه وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان مؤخراً.

وتمضي المصادر قائلة إنّ الحكومة اللبنانية بصدد القيام بخطوات عديدة للحدّ من حركة النزوح، وتأمين عودة كل نازح مخالف للقانون مقيم على الأراضي اللبنانية، ومنع عودة كل نازح يغادر لبنان عائدا إلى بلاده لتمضية أيام فيها. هذا في الخطوات العملية، أما في الخطوات السياسية فإنّ وفداً حكومياً سيزور سوريا خلال الأيام المقبلة، لبحث إعادة إحياء اللجنة اللبنانية السورية لإعادة النازحين، لتتولّى تنسيق خطوات عودة النازحين الطوعية.