باسم زين

أحد أكبر مخاوف الناس بشأن ChatGPT وغيرها من روبوتات دردشة الذكاء الاصطناعي هو كيفية تأثيرها على نظام التعليم. هل ستغيّر الكفاءة التقنية لروبوتات المحادثة كيفية التعليم وتلغي المهارات الإنسانية المطلوبة في هذه العملية؟ تفادياً لهذه المعضلة، قامت بعض المدارس بحظر استخدام أنظمة المحادثات الذكية أمام طلابها ومعلميها على شبكاتها داخلياً بالكامل، وهذا كلّه ليس لم يأت من فراغ.

منذ إطلاق ChatGPT في تشرين الثاني الماضي، عبّر المعلمون عن مخاوف عدة من أنه يمكن أن يسهّل عملية الغش خلال الدراسة، إذ يمكن لأداة الذكاء الاصطناعي تأليف الشعر وكتابة رموز الكمبيوتر وحتى اجتياز امتحان ماجستير إدارة الأعمال.

الأنصار

على ما يبدو، هذه المخاوف لا يتشاركها جميع المعلّمين. فعلى سبيل المثال، احتضن إيثان موليك، أستاذ في كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، ChatGPT واستخدامه الذكاء الاصطناعي في جميع فصوله الدراسية لكنّه وضع سياسة له تحدد شروط استخدامه على الطلاب، إذ يجب أن يستخدموا الذكاء الاصطناعي فقط للتأكد من صحة المعلومات وأن يتعلّموا كيفية استخدامه بشكل جيد.

موليك ذهب أبعد من ذلك إذ اعتمد رسمياً سياسة الذكاء الاصطناعي في منهجه الدراسي لأول مرة، وكانت نتائج استخدام ChatGPT في منهجه الدراسي "رائعة"، حسب رأيه.

وتشجيعاً لطلابه على استخدامهم الذكاء الاصطناعي، قدّم موليك لهم دليلاً لاستخدام الذكاء الاصطناعي. ثم قام بإعطائهم اختباراً تطلّب من الطلاب استخدام خمس طرق مختلفة على الأقل مع ChatGPT لإنتاج مقال من خمس فقرات. كان جميع الطلب يستخدمون ChatGPT وكانوا يعتمدون على الذكاء الاصطناعي لتنفيذ مشاريعهم الجامعية، ويستجوبون الروبوت بمزيد من المطالبات، الذي كان يطرح أمامهم أفكاراً جديدة وإبداعية اعتبرها موليك رائعة جداً.

موليك يقول بأنه لن يتمكّن من إيقاف طلّابه، حتى لو طلب منهم عدم استخدام الذكاء الاصطناعي. لكنه يعترف بحقيقة تضارب مشاعره بين الحماس والقلق حول كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يغير التقييمات في الفصل الدراسي، لكنه يعتقد أيضاَ أن على المعلّمين أن يطوروا أنفسهم وأساليبهم مع الزمن.

تنص سياسة موليك الجديدة على أن استخدام الذكاء الاصطناعي كمهارة ناشئة ولكن أساسية، لكن يمكن أن يكون مخطئاً ويجب على الطلاب التحقّق من نتائجه من خلال مصادر أخرى، وأنهم سيكونون مسؤولين عن أي أخطاء أو سهو توفره هذه التقنية الجديدة، ويحتاج الطلاب إلى الفصل بين "متى" و"كيف" يمكن استخدامها، وبالتالي الإشارة إلى ذلك في نصوصهم ومشاريعهم الجامعية، وعدم القيام بذلك يعتبر انتهاكاً لسياسات الصدق الأكاديمي.

الملفت هو رسالة يوجهها موليك للبشر والآلات: "ألا يمكننا جميعا أن نتعايش؟" بعد كل شيء، نحن الآن رسمياً في عالم الذكاء الاصطناعي وسيتعين علينا مشاركته".

موليك ليس أول من حاول وضع شروط لاستخدام ChatGPT. في وقت سابق، أنشأ إدوارد تيان وهو طالب في جامعة برينستون والبالغ من العمر 22 عاماً، تطبيقا لاكتشاف ما إذا كان هناك شيء ما قد كتبته آلة، وهو تطبيق يسمى GPTZero، وكان شائعاً جدا لدرجة أنه عندما أطلقه، تعطل التطبيق من فرط استخدامه.

يقول تيان: "يستحق البشر أن يعرفوا متى يكتب شيء ما من قبل إنسان أو آلة".

قام أستاذ جامعة وارتون مؤخرا بتغذية chatbot بأسئلة الامتحان النهائي لدورة ماجستير إدارة الأعمال الأساسية، ووجد أنه على الرغم من بعض الأخطاء الحسابية، إلا أنه كان سيعطيها درجة B أو B ناقص في الفصل الدراسي.

ومع ذلك، إذا قام الطلاب باستخدام مطالبات مختلفة وتعليمات أفضل، قد يتمكن الطلاب من ضبط النتائج. فالطلاب الذين أضافوا معرفتهم وشاركوا في إعادة تحرير النصوص مع ChatGPT كانت نتائجهم أفضل.

النتائج المتواضعة التي يراها المعلّمون عادة عندما يقوم الطلاب بالنسخ واللصق من ChatGPT هي نتيجة لعدم بذل الطلاب أي جهد حقيقي في العمل مع chatbot لإنتاج محتوى عالي الجودة، كما يشير موليك، إذ إن إنتاج مواد جيدة مكتوبة بالذكاء الاصطناعي ليس بالأمر الهين في الواقع، فإنتاج محتوى جيد من خلال الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى مهارة وخبرة في إدارة الموضوع.

المعارضون

دارين هيك، أستاذ فلسفة، قبض على طالب يستخدم الذكاء الاصطناعي لإنتاج مقال كامل، حيث كان متشككاً عندما قام الطالب بتسليم مقال حول موضوع تضمن بعض المعلومات الخاطئة ولكن المكتوبة بشكل جيد جداً. قام بتشغيل كاشف ChatGPT الذي أظهر نسبة تطابق 99٪ مع أمكانية أن يكون الذكاء الاصطناعي هو الذي كتب المقال.

من جانبه، أنتوني أومان، المتخصص بالدراسات الدينية والفلسفة، أمسك بطالبين يقدمان مقالات كتبها ChatGPT، بعد أن أطلق أسلوب الكتابة جرس الإنذار، فقام أومان بالتحقق من chatbot ليسأل عن مدى احتمال أن تكون هذه النصوص مكتوبة بواسطة البرنامج فجاءت النتيجة تأكيداً بنسبة 99٪. أومان أرسل نتيجة بحثه لطلابه.

قام كل من هيك وأومان بمواجهة طلابهما الذين اعترفوا بدورهم بالمخالفة وكانت النتيجة رسوب طالب هيك في الفصل، ودعا أومان طلابه إلى إعادة كتابة المقالات من الصفر.

كانت هناك بعض علامات الإنذار في المقالات التي نبّهت الأساتذة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي. قال هيك إن المقال الذي وجده أشار إلى عدة حقائق لم يتم ذكرها في الفصل، وقدّم معلومات أخرى لا معنى لها.

وقال: "مقالة مكتوبة بشكل جيد جداً"، ولكن عند الفحص الدقيق، تبيّن أن الصياغة كانت جيدة إلى حد كبير لدرجة لم يكن من السهل اكتشاف الأخطاء في المعلومات، أو المعلومات التي لا تمت بصلة للموضوع، إضافة إلى أن الموضوع كان متقناً يفوق قدرة مقدمه.

بالنسبة إلى أومان، كتب chatbot الموضوع بشكل مثالي للغاية. "أعتقد أن الذكاء الاصطناعي يكتب أفضل من 95٪ من طلابي. فجأة لديك شخص لا يظهر القدرة على التفكير أو الكتابة ويعطيك بحثاً على هذا المستوى والدرجة من الاحترافية ويكتب شيئاً يتبع جميع المتطلبات تماماً مع قواعد نحوية متطورة وأفكار معقدة ترتبط ارتباطاً مباشراً بموجه المقال.

كريستوفر بارتل، وهو أستاذ الفلسفة، قال إنه في حين أن القواعد النحوية في المقالات التي تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي تكاد تكون مثالية، فإن المادة تميل إلى الافتقار إلى التفاصيل. قال: "المقالات ركيكة، لا تتبع سياق محدد ولا يوجد فيها عمق أو بصيرة".

الغش الذي يصعب إثباته

إن لم يعترف الطلاب باستخدام الذكاء الاصطناعي مباشرة في أبحاثهم، فهذا يترك الأكاديميين في موقف صعب إذ يقول بارتل "إن قواعد بعض المؤسسات لم تتطور لمكافحة هذا النوع من الغش. إذا قرر الطالب الاستمرار بالإصرار على عدم استخدامه للذكاء الاصطناعي، فقد يكون من الصعب إثبات ذلك لأن أجهزة الكشف الذكاء الاصطناعي قد تكون جيدة ولكنها ليست مثالية".

فخلال تقديم تحليل إحصائيا لمدى احتمال أن الذكاء الاصطناعي الأداة لإنشاء محتوى، وإذا تجاوزت النسبة احتمال 95٪، فلا يزال هناك احتمال بنسبة 5٪ أنه لم يكن كذلك وهذا يضع أكبر نسبة للشك ويخلق معضلة أخلاقية كبيرة.

في حالة "هيك"، على الرغم من أن موقع الكشف قال إنه "متأكد بنسبة 99٪" من أن المقال قد تم إنشاءه بواسطة الذكاء الاصطناعي إلا أنه قال إنه لم يكن كافيا بالنسبة له دون اعتراف من الطالب. بدوره قال أومان إنه على الرغم من أنه يعتقد أن التحليل الذي أجراه روبوت الدردشة سيكون دليلا جيدا بما يكفي لاتخاذ إجراءات تأديبية، إلا استخدام الذكاء الاصطناعي لا يزال يمثل تحديا جديدا للكليات والجامعات. ولكن ماذا لو استخدم تلامذة المدارس هذا الذكاء؟ فما هي المهارات والخبرات التي ستنتجها البيئة التعليمية بعد ذلك؟