أحد أكبر التغييرات في الحروب الحديثة هو الاتجاه المتزايد في استخدام الروبوتات في ساحة المعركة، حيث يتوقع من الروبوتات أداء المهام بسهولة وأمان، ما من شأنه أن يخفف من تعرض حياة الجنود للخطر والقيام بذلك بشكل أسرع وأكثر كفاءة مما هو ممكن مع الطرق التقليدية. أثبتت الروبوتات فعاليتها للمهام التي تتسم بكونها (مملة، قذرة وخطيرة).

يتوقع المصنعون أن تفهم الروبوتات سياقها وتتعامل مع الظروف بكل جدية في عالم مفتوح، وهذا بالنسبة للمصنعين حلّ قابل للتطبيق.

ففي أي حرب كبيرة قادمة، سيكون الذكاء الاصطناعي مَلك الساحة! الروبوتات الأسرع والأقوى والأكثر دقّة ستحسم اتجاه الحرب وتصنع النصر.

لماذا الروبوتات القتالية؟

[caption id="attachment_6960" align="aligncenter" width="2560"] متعقب الألغام الألماني جالوت[/caption]

استخدام الروبوتات في الحرب موجود منذ زمن، كطائرات "أفروديت" الأمريكية بدون طيار والدبابات السوفيتية عن بعد أو متعقب الألغام الألماني جالوت، وكانت جميعها مفيدة فقط لعمليات محددة. الاستخدام الفعلي للروبوتات في العمليات العسكرية انطلق بعد أكثر من 75 عاما من الحرب العالمية الثانية، عندما تم استخدام الطائرة بدون طيار MQB-1 Predator من قبل وكالة الاستخبارات المركزية (CIA). وبدلا من التحكم الصعب في الطائرات بدون طيار من إشارات الراديو القريبة، يمكن التحكم في الطائرات بدون طيار عن طريق الأقمار الصناعية من أي مركز قيادة استخباراتي لسد الثغرات في عمليات التحكم اليدوية عن قرب.

وبرغم إحراز تقدم كبير في تطوير ذكاء الروبوتات، إلّا أنّ الروبوتات المستقلة لا تزال "تفتقر إلى المرونة للردّ بشكل مناسب في المواقف غير المتوقعة"، لذا من المتوقع أن يستمر الجنود بتأدية المهام العسكرية العادية، مع استخدام الروبوتات وفقاً لمتطلبات الساحة القتالية. تقوم الجيوش في جميع أنحاء العالم بتكليف مهامها الخطرة والمرهقة للروبوتات، خصوصاً وأن البشر يفقدون فعاليتهم بعد عشر أو اثنتي عشرة ساعة بينما لا تنام الروبوتات. فالفرق الحاسم بين روبوتات ساحة المعركة والبشر هو أن الروبوتات ليس لها احتياجات بيولوجية، ولا تواجه معضلات عاطفية ولا يمكن التلاعب بمشاعرها وهي لا تخاف. تحتاج الروبوتات إلى أخذ فترات راحة فقط لإعادة الشحن أو التزود بالوقود، ولا تؤثر الأنشطة الخطرة على كفاءتها أو فعاليتها.

ويمكن أن تعمل الأنظمة الروبوتية أيضا في بيئات ملوثة بالأسلحة البيولوجية أو الكيميائية أو الإشعاعية.

[caption id="attachment_6962" align="aligncenter" width="2560"] الطائرة بدون طيار MQB-1 Predator[/caption]

وتعد PackBots و Predators و Ravens اليوم آلات بدائية نسبيا. سيكون الجيل القادم من "روبوتات الحرب" أكثر تعقيداً وتطوراً، ويثير تطورها هذا أسئلة جديدة مقلقة حول كيف ومتى تشن الحروب. إن الاستخدام المتزايد بشكل كبير للروبوتات في ساحة المعركة الحديثة يتحدى فَهْمنا الحالي للتكنولوجيا والحرب. فعلى سبيل المثال، طاردت طائرة بدون طيار من طراز Kargu 2 في العام 2020 هدفاً بشرياً في ليبيا وقتلته، وهذه ربما كانت المرة الأولى التي يهاجم فيها روبوت قاتل مستقّل مسلح بأسلحة فتّاكة، أو أقله المرة الأولى التي يتم الإعلان بها عن هذا النوع من العمليات.

تطبيقات الروبوتات في الحرب

تقوم الجيوش بنشر الروبوتات في جميع ساحات القتال، الجوية والبرية والبحرية. تُوفّر الروبوتات قدرات متنوعة عبر مجموعة من العمليات العسكرية: الاستشعار البيئي والوعي بساحة المعركة، الكشف الكيميائي والبيولوجي والإشعاعي والنووي (CBRN)، قدرات مكافحة الأجهزة المتفجرة المرتجلة، أمن الموانئ، وبالتالي الاستهداف الدقيق وتوجيه الضربات المركزة.

أنظمة الطائرات بدون طيار: شهدت أنظمة الطائرات بدون طيار (UAS)، أو المركبات الجوية بدون طيار (UAVs) نمواً في التاريخ الحديث، وأثبتت أنها قوة لا تقدر بثمن. يمكن أن توفر الطائرات بدون طيار منصة استخبارات ومراقبة واستطلاع (ISR) مستمرة وذات قدرة عالية. مهامها الجديدة باتت تتركز حول إمكانية تنفيذها ضربات مهمة من ارتفاعات عالية بصمت، وهذا سبب تسميتها بالقاتل الجوي الصامت Silent Areal Killers، وأحد أشهر الأنواع من هذه الطائرات بدون طيار المألوفة، هي بريداتور التي يبلغ طولها 27 قدما ويمكنها قضاء ما يصل إلى 24 ساعة في الهواء على ارتفاعات تصل إلى 26,000 قدم (حوالي 8 كلم).

المركبات البرية غير المأهولة: أثبتت المركبات البرية غير المأهولة (UGVs) قدرتها على المساهمة في العمليات القتالية. ومنذ بدء العمليات في العراق وأفغانستان، تم نشر أكثر من 12000 مركبة من المركبات البرية الآلية التي أثبتت أنها أكثر فعالية في دَحر منظومات العبوات الناسفة والكشف عن الألغام وتطهير البقعة أو المسلك والتخلص من مخلفات الحرب غير المنفجرة. أما PackBot  فهو عبارة عن روبوت بحجم جزازة العشب تقريباً مهمته التخلص من الألغام والذخائر غير المنفجرة، وهو مجهز بالكاميرات وأجهزة الاستشعار بالإضافة إلى ذراع مرن بأربعة مفاصل.

[caption id="attachment_6964" align="aligncenter" width="600"] تالون[/caption]

 إصدار آخر من الروبوتات المخصصة للتخلص من الذخائر غير المنفجرة يستخدم على نطاق واسع هو TALON، إضافة إلى لإمكانية تزويده بنظام كشف ومراقبة، وقد تمّ تعديله ليصبح "تطبيق قاتل" تحت اسم   SWORDS، يسمح التعديل الجديد للمستخدمين بتركيب أسلحة مختلفة خفيفة ومتوسطة على الروبوت.

مارك بوت، روبوت رشيق متعدد الوظائف يتم التحكم فيه عن بعد، هو واحد من أصغر الروبوتات والأكثر استخداما في العراق. يبدو كشاحنة لعبة مع كاميرا فيديو مثبتة على سارية صغيرة تشبه الهوائي. يستخدم هذا الروبوت لاستكشاف الأشخاص المحيطين والبحث تحت السيارات عن المتفجرات. يستخدم مختلف تقنيات الليزر ومعدات الكشف عن الصوت للعثور على أي عدو، ثم يصوّب على الفور بشعاع الأشعة تحت الحمراء. أما MAARS (النظام الروبوتي المسلح المتقدم المعياري) كلفته حوالي 300.000 دأ، يحمل مدفعاً رشاشاً وقاذفات قنابل عيار 40 ملم، إضافة إلى كاشف ضوئي وليزر وقنابل مسيلة للدموع ومكبّر للصوت لتحذير العدو أو الأطراف المقابلة.

المركبات البحرية غير المأهولة: اعتبرت المركبات الصغيرة غير المأهولة تحت سطح البحر (UUVs) العمود الفقري الرئيسي لجهود إزالة الألغام البحرية خلال حرب العراق في العام 2003، واستخدمت لدعم عمليات التعافي من إعصار كاترينا في العام 2005، كما يمكنها أيضاً المساعدة في الحرب المضادة للغواصات (ASW) والمساعدة في منظومة الأمن البحري للمسح الهيدروغرافي عن طريق مراقبة الموانئ والعمليات الخاصة.

القضايا الأخلاقية والمعنوية

تفضّل الجيوش أن تعتبر أن الروبوتات العسكرية تقدّم حروباً خالية بنسبة كبيرة من المخاطر، إذ إن إبعاد الجنود عن الخطر ينقذ الأرواح. لكن الاستخدام المتزايد للروبوتات يثير أيضاً أسئلة سياسية وقانونية وأخلاقية عميقة حول الطبيعة الأساسية للحرب، وما إذا كانت هذه التقنيات يمكن أن تجعل الحروب أسهل عن غير قصد.

ومع ذلك، هل يمكن برمجة الروبوتات للتصرف بشكل أخلاقي في الحرب؟

يحاول الباحثون تطوير قواعد اشتباك الروبوتات في ساحة المعركة للتأكد من أن استخدامها للقوة المميتة يتبع قواعد الأخلاق من خلال محاولة خلق ضمير اصطناعي. فهل من الممكن لمجموعة من القواعد أن تضمن عدم قتل البشر بشكل غير أخلاقي في ساحة المعركة؟

وهل سيؤدي استخدام الروبوتات إلى اندلاع الحروب بسهولة أكبر؟ وعلى الرغم من كل ما سبق يبقى أن الجندي البشري يبقى هو الأهم في ساحة المعركة، لاعتبارات مختلفة تتعلق بما هو أكثر من الذكاء الاصطناعي أو القدرات والمهارات إنها الخبرات القتالية معطوفة على الإنسانية والتعاطف والعمل ضمن الفريق.