خالد أبو شقرا

تَطلّب الأمر ثلاث سنوات لينخفض سعر الصرف من 1500 ليرة إلى 40 ألف ليرة، فيما خسرت العملة الوطنية في الأشهر الثلاثة الأخيرة فقط 66 ألف ليرة إضافية. وبذلك تكون الليرة قد فقدت منذ بداية العام 2023، في حال أردنا اعتباره عام الأساس، أكثر من 62 في المئة من قيمتها، دافعة أسعار مختلف السّلع والخدمات، ومن خلفهما التضخّم، إلى معدلات قياسية جديدة.

خلافاً للطريقة التي تحتسب بها إدارة الإحصاء المركزي نسبة التضخم، يرى الخبير في شؤون الدراسات الإحصائية والاقتصادية، ومدير كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية سابقاً الدكتور بشارة حنّا، أن "نسبة التضخم مؤلفة من أربعة أرقام"، وقد تصل آنياً إلى 8000 في المئة. ففي ظل الارتفاعات الكبيرة والمتسارعة في الاسعار يُفترض احتساب مؤشر التضخم بأسعار المواد الاستهلاكية اليومية، مع تعديل أو حتى حذف تثقيلات الأكلاف الثابتة، كالإيجارات على سبيل المثال. نظراً لكونها لا ترتفع بنفس وتيرة ارتفاع بقيّة الاسعار. حيث لا تعود حصة الإيجارات تشكل نسبة 30 في المئة من مجمل إنفاق الأسرة، انما تنخفض إلى ما دون الخمسة في المئة. فيما ترتفع نسبة الإنفاق على الغذاء والشراب إلى أكثر من 80 في المئة. وبالتالي فإن تصحيح هذه المعدلات يرفع مؤشر أسعار المستهلك الذي يتألف من 12 بنداً أساسياً، ويرفع في المقابل نسبة التضخم.

بنود الانفاق الاثني عشر التي يتألف منها مؤشر أسعار المستهلك:

  • 1- المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية
  • 2- مشروبات روحية وتبغ وتنباك
  • 3- الألبسة والاحذية
  • 4- مسكن ماء وغاز وكهرباء ومحروقات
  • 5- أثاث وتجهيزات
  • 6- الصحة
  • 7- النقل
  • 8- الاتصالات
  • 9- الاستجمام والتسلية والثقافة
  • 10- التعليم
  • 11- مطاعم وفنادق
  • 12- سِلَع وخدمات متفرقة

عند احتساب مؤشّر أسعار المستهلك تضرب أسعار كل بند من هذه البنود بنسبة مئوية معينة تعرف بـ "التثقيل"، تبعا لنسبة الإنفاق عليها من مجمل الدخل. في الحالات الطبيعية تبلغ نسبة الإنفاق على المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية بين 20 و30 في المئة من مجمل الدخل. وعليه يضرب التغير بأسعارها بـ 20 في المئة. أما في الحالة اللبنانية فإن نسبة الإنفاق على هذا البند بالذات تتجاوز 80 في المئة من دخل معظم الأسر. وفي حال ضربنا نسبة التغير بأسعارها بـ 80 في المئة يظهر بوضوح أن "الأسعار في لبنان تضاعفت منذ العام 2019 بين 70 و80 مرة. بعبارة أخرى ارتفعت الأسعار بنسبة تراوحت بين 7000 و8000 في المئة"، بحسب حنّا.

الأسعار ترتفع آلاف المرات

كي لا نبقى في الإطار النظري سننتقل إلى مثال حسّي. كان سعر قارورة الغاز في العام 2019 حوالي 12.650 ليرة، أصبح سعرها في آذار الحالي مليون 248 ألف ليرة. وعليه ارتفع سعر الغاز في غضون ثلاثة أعوام بنسبة قاربت 10 الاف في المئة. بمعنى تضاعف سعر الغاز 95 مرة. في المقابل لم تزداد الأجور في القطاع العام إلا 3 مرات، و3.8 مرّة واحدة في القطاع الخاص، حيث جرى رفع الحدّ الأدنى الرسمي للأجور من 675 ألف ليرة إلى 2.6 مليون ليرة.

ارتفاع الأسعار بالدولار

ومما زاد من نسبة التضخم الهائلة هو عدم اقتصار ارتفاع الأسعار بالليرة، إنما أيضا بالدولار. حيث شهدت الأسعار مقيّمة بالدولار ارتفاعات بمقدار "مرتين إلى ثلاث مرات"، بحسب حنّا. "ما يعني أن تضخم الأسعار بالدولار ارتفع بين العام 2019 وآذار 2023 بنسبة تراوحت بين 200 و300 في المئة. وهذا يرتبط برأيه بـ "عوامل عديدة تتعلق بآلية التسعير الاستباقية anticipation التي يعتمدها التجار. كأن يعمد التجار إلى زيادة نسبة معينة على الأسعار بالدولار تتراوح بين 5 و10 في المئة تحسباً من ارتفاع سعر صرف الدولار. وإذا أراد المستهلك الدفع بالدولار يحتسب السعر بأقل بـ 5 أو 10 في المئة". بالإضافة طبعاً إلى الارتفاع العالمي في الأسعار بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتعمّد معظم المصارف المركزية حول العالم رفع معدلات أسعار الفائدة.

التسعير بالدولار ليس حلاً

 قرار تسعير المواد الاستهلاكية والسلع الغذائية بالعملة الأجنبية، لم يشكّل حلاً للحدّ من ارتفاع الأسعار، بالليرة أو حتى بالدولار. " بل على العكس زاد مفاقمة المشكلة"، من وجهة نظر حنا. و"مع الأسف فان هذا التغير لا يظهر باحتساب مؤشر الأسعار الحقيقي. لان احتساب سعر صرف الدولار لا يأخذ في عين الاعتبار الفرق بين شراء الدولار ومبيعه، والأسعار المعتمدة على المنصات وغيرها من الأسعار المعتمدة".

المشكلة بعرض الدولار وليست بالطلب عليه

على عكس كل الآراء التي ترى أن زيادة الرواتب والأجور في القطاع العام كانت سبباً لزيادة التضخم ورفع مختلف أسعار السلع والخدمات، يرى حنا أن "الزيادات على الرواتب تزيد الاستهلاك وتحفّز على زيادة الناتج الوطني. فزيادة الرواتب 3 أضعاف يزيد الكتلة النقدية بمقدار 30 ألف مليار ليرة. وإذا احتسبنا هذا المبلغ على سعر الصرف الحالي 106 آلاف ليرة للدولار تصبح قيمة كل الزيادات بالدولار بحدود 280 مليون دولار. وهي لا تشكل أكثر من 1 في المئة من حجم الاستيراد الذي وصل في العام 2022 إلى 19 مليار. ومن وجهة نَظَر حنا فإن "التحجّج بعدم زيادة الرواتب لأنه يخلق ضغطاً على الدولار غير دقيق. فالمشكلة برأيه لا تكمن في الطلب المرتفع على الدولار فقط، إنما أيضاً بعدم عرض الدولار بسبب انعدام الثقة. ومن شأن استعادة الثقة وازدياد عرض الدولار تحقيق التوازن بين العرض الطلب". وبحساب بسيط يتبين أن ما يمكن إدخاله إلى لبنان سنويا من النقد الصعب قد يفوق 17 مليار دولار. ويمكن تقسيمها على الشكل التالي: حوالي 7 مليارات دولار تحويلات المغتربين عبر القنوات الرسمية من شركات تحويل الاموال والمصارف، 7 مليارات دولار تتأتى من السياح وما يحمله المغتربون في جيوبهم. حوالي 3 مليارات دولار عوائد الصادرات. إلّا أنّ ما يحصل هو أنّ المواطن، ونتيجة الارتفاع الدائم في سعر صرف الدولار لا يصرّف إلّا حاجته، وليس كل المبلغ كما كان يحصل سابقاً. كما أن العديد من المصدّرين لا يرجعون النسبة الأكبر من عوائد تصديرهم بسبب انعدام الثقة بالنظام المصرفي. وفيما لو استعيدت الثقة بالتزامن مع ترشيد الانفاق وزيادة الانتاج يتحقق فائضاً في ميزان المدفوعات وتحل الكثير من المشاكل والعقبات.

في الوقت الذي تتجه فيه الولايات المتحدة الاميركية والدول الأوروبية إلى اتّخاذ أكثر التدابير النقدية جذرية لمكافحة تضخّم لا يتجاوز العشرة في المئة، نرى أن التضخم يأكل من صحن اللبنانيين هانئاً. وذلك على الرغم من تجاوزه 8000 في المئة على مستوى تراكمي، وتهديده بالانتقال نحو التضخم المفرط Hyperinflationas حيث ترتفع الأسعار بنسبة أكثر من 50 في المئة شهرياً.