جاسم عجاقة

واصل سعر صرف الدولار مُقابل الليرة اللبنانية إرتفاعه في السوق الموازية فتخطّى الـ 61500 ليرة لبنانية حتى كتابة هذه السطور. التوقّعات الإحصائية (Arima وSTL) تُشير إلى ارتفاع مُطرد في ظل فرضية عدم تدخّل من قبل الحكومة أو المصرف المركزي.

الإرتفاع الأخير وذلك منذ توقّف مصرف لبنان عن تأمين الدولارات للشركات والتجّار، لم تستطع النماذج العلمية التنبؤ به بشكل جيد، وهو ما يقترح وجود عوامل غير إقتصادية داخل اللعبة تُؤثّر على سعر الدولار خصوصًا أن هذا الإرتفاع تزامن مع ارتفاع التخبّط  بين القوى السياسية. كما أن المعلومات تُشير إلى أن الإستيراد لم يرتفع في هذه الفترة خصوصًا مع إمتلاء مخازن التجّار. وبالتالي نرى أن العنصّر السياسي والمضاربة هي الأسباب الرئيسية لهذا الإرتفاع في هذه الفترة من الوقت.

[caption id="attachment_3164" align="aligncenter" width="300"] Black Market USDLBP Exchange rate forecasting with ARIMA (2023)[/caption] [caption id="attachment_3162" align="aligncenter" width="300"] Black Market USDLBP Exchange rate forecasting with STL (2023)[/caption]

عمليًا عِدّة عوامل سياسية تُساهم في ضرب الليرة اللبنانية نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

أولًا – غياب الحكومة عن أخذ القرارات الإقتصادية (بغضّ النظر عن الأسباب) وهو ما يترك الساحة خالية أمام المضاربين والمُهربين؛

ثانيًا – ضعف إجراءات مصرف لبنان بعد فقدانه أداة الفائدة وتراجع إحتياطاته من العملات الأجنبية وهو ما يجعل الساحة خالية أمام العصابات؛

ثالثًا – الصراع القضائي الطاحن القائم حاليًا والذي يُنذر بفقدان الضوابط في المجتمع وفقدان دولة القانون؛

رابعًا – المخاوف القائمة من تفلّت أمّني بدأت معالمه مع زيادة السرقات والتعديات على الأفراد والمؤسسات وأخرها حادثة جلّ الديب؛

عمليًا وفي ظل إستمرار الوضع على ما هو عليه، من المتوقّع أن يرتفع الدولار إلى أكثر من 70 ألف ليرة لبنانية في فترة قصيرة. لكن إذا تدخلّ مصرف لبنان أو الحكومة، فمن المُمكن لجم إرتفاعه من دون أن يكون هناك حلّ جذري للمُشكلة. التدخّل مُمكن أن يتمّ من خلال:

  • وزارة المال: حيث يتوجّب على وزير المال المضيّ قدمًا في قراره بإلزام التجار والشركات دفع الضريبة (بكل أنواعها) والرسوم نقدًا وبالليرة اللبنانية وهو ما سيسمح بإمتصاص كتلة نقدية كبيرة بالليرة اللبنانية من الأسواق مما سيُضّعف قدرة المضاربين على المضاربة على الليرة اللبنانية؛
  • وزارة الداخلية: إذ أن ملاحقة المخالفين والمهرّبين هو أمر ضروري لوقف سحب الدولارات خارج الأراضي اللبنانية بغضّ النظر عن مصدر هذه الدولارات سواء كانت من السوق الموازية أو من منصّة صيرفة؛
  • وزارة الاقتصاد: التي من المفروض عليها ملاحقة التجار الذين يحتكرون ويتلاعبون بالأسعار؛
  • مصرف لبنان: من خلال الإستمرار بالتعميم 161 لصالح الأفراد حصرًا وهو ما يُخفّف من وطأة المآسي الاجتماعية.
  • قاعدة بيانات مُشتركة بين وزارة المال، والجمارك، ووزارة الاقتصاد والتجارة، ومصرف لبنان لضبط الإستيراد والأسعار والتهريب والتهرّب الضريبي، كما أيضًا وضع ملاحقة دقيقة على تحاويل التجار بهدف الإستيراد؛

هذه الإجراءات سيكون لها وقعٌ كبير على سعر الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية حيث من المُمكن أن يهبط سعر الدولار بشكلٍ كبير. إلا أن حظوظ مثل هذا التدخّل تبقى ضئيلة نظرًا إلى الإنقسام السياسي الكبير القائم في البلد على ملفات عديدة (رئاسة الجمهورية، رئاسة الحكومة والحصص الوزارية، تفجير المرفأ، الإصلاحات...).

في ظل هذا السيناريو الأسود، من المتوقّع أن تكون المرحلة القادمة (أسابيع وقد تمتد إلى أشهر) قاسية جدًا على المواطن اللبناني مع ارتفاع سعر الدولار الأميركي مُقابل الليرة اللبنانية في السوق الموازية وإستطرادًا أسعار السلع والبضائع والخدمات في ظل أزمة إقتصادية كبيرة. وتُشير توقّعاتنا إلى أن أسعار بعض السلع والخدمات (مثلًا أسعار المحروقات والإتصالات) قد تصل إلى مستويات تاريخية سيعجز معها المواطن على الإستمرار. وهذا ما يرجح أن هذا الانحدار سيكون من دون حدود!