طارق ترشيشي

فجأة يختلط الحابل القضائي بالنابل الرئاسي. وتسود تساؤلات كثيرة حول خلفيات هذا الاختلاط وأبعاده الداخلية والخارجية، في الوقت الذي شعر الجميع أن شيئاً ما استجدّ على جبهة الاستحقاق الرئاسي بدأ بدفع مختلف الأفرقاء المعنيين إلى مراجعة حساباتهم تمهيداً لإجراء مقاربات جديدة له، تلاقي المناخات الإقليمية والدولية المحيطة به والتي تدلّ إلى أن العواصم المعنية لا ترغب التدخل المباشر فيه، وأن ليس لديها أسماء ولا تريد ترشيح أسماء لرئاسة الجمهورية اللبنانية وإن كان هناك شك كبير في أنها لن تتدخل حتى ولو كلامياً.

لم ينته اللقاء الأخير بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ووفد حزب الله المكون من معاون الأمين العام للحزب الحاج حسين الخليل ومنسق الارتباط والتنسيق وفيق صفا، إلى اي نتائج ملموسة اذ تركت القضايا التي اثيرت فيه مفتوحة لمزيد من البحث. أقلّه هذا ما اراده باسيل الذي لم يحسم موقفه النهائي في شأن الاستحقاق الرئاسي تحديداً، فيما أبدى انفتاحا على مزيد من البحث لمعالجة الإشكالات التي تعتري العلاقات مع الحزب.

ووضع وفد الحزب بين يدي باسيل عرضه في شأن الاستحقاق الرئاسي وكل ما يرتبط به راهناً ومستقبلاً، متمنياً عليه تحديد خياراته في هذا الصدد لكي يبنى لاحقاً على الشيء مقتضاه وفاقاً في حال تلاقت الخيارات، وافتراقاً أو بين بين في حال لم تتلاق. وكان باسيل تبلّغ منذ البداية مباشرة من قيادة الحزب ان وصول سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية "هو مصلحة شخصية لك ولتيارك بالدرجة الأولى وأي ضمانات تريدها من فرنجية فإن حزب الله يتكفل بها منذ الآن".

ويجزم  مصدر لصيق بحزب الله في ان لا نهاية لتفاهم مار مخايل بين "التيار الوطني الحر" وحزب الله خلافاً لكل ما يشاع هنا وهناك، فواقعياً لا يمكن لأحدهما الانفكاك عن الآخر لأن لا بدائل لأي منهما، وإذا كانت هناك من بدائل فقد تكون مكلفة وغير ذي نفع لأن طبيعة التحالفات السياسية القائمة منذ العام 2006 جعلت التموضعات السياسية في لبنان غير قابلة للتغيير.

لقاء مع نصرالله قريبا

لأجل ذلك، يضيف المصدر، كان اللقاء الأخير بين باسيل والوفد الرفيع المستوى للحزب ممهّداً  للقاء حاسم وقريب بين الأمين العام للحزب حسن نصرالله وباسيل ستوضع فيه النقاط على الحروف حول مستقبل العلاقة بين الجانبين من دون ذهاب إلى فراق أو طلاق. ويؤكد المصدر أنه سيكون لباسيل في نهاية المطاف "نصيبه" المعنوي في الاستحقاق الرئاسي لجهة اختيار المرشح الذي سيتم التوافق عليه سواء كان فرنجية أو غيره، وذلك مراعاة لما يتمتع به من تمثيل نيابي وسياسي على المستويين المسيحي والوطني والذي لا ينكره الحزب ولا حتى الخصوم. كما سيكون للآخرين "نصيب" كل حسب قدرته وكل حسب حاجته.

حركة بري

وقيل في هذا السياق أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعطي التحركات والمشاورات الجارية مهلة أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع حتى يحسم الأفرقاء أمرهم ولا سيما منهم "التيار الوطني الحر" قبل أن يدعو مجلس النواب إلى جلسة لانتخاب رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية أو أي مرشح آخر يتم التوافق عليه بالأكثرية المطلقة أي بـ 65 صوتاً وما فوق، عبر تكرار تجربة انتخاب رئيس لمجلس النواب بهذا العدد من الأصوات والذي يتوقع أن يرتفع إلى ما يفوق الـ 75 صوتاً بالتحاق نواب شماليين ومستقلين وربما تغييريين وتياريين إذا لم يؤيد باسيل أي مرشح سواء كان فرنجية أو غيره بالركب التوافقي الذي يجري إعداده.

مؤازرة جنبلاطية

ولأجل ذلك صعد بري من حراكه في هذا الاتجاه متّكلا بالدرجة الأولى على مؤازرة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ضامناً أنه سيكون إلى جانبه في أي خيار رئاسي سيعتمده، وقد أبلغ بري إلى حلفائه أن "جنبلاط عندي"،  وهو يعول على دور يقوم به جنبلاط ضمن فريق المعارضة وما كان يسمى فريق 14 آذار الذي يدعم ترشيح النائب ميشال معوض حتى الآن. علما أن حنبلاط مرر في بعض لقاءاته الأخيرة، وبعضها مع باسيل، وخصوصا بعد إيفاده النائب وائل ابو فاعور إلى الرياض أسماء قائد الجيش العماد جوزف عون والوزير السابق جهاد ازعور والمحامي صلاح حنين وصنفها على أنها "أسماء توافقية". لكن أبو فاعور نفى أن يكون فاتح الجانب السعودي بأي أسماء نافياً وجود تدخل للرياض في الترشيحات الرئاسية.

 على أن بري لا يقف عند حدود المؤازرة الجنبلاطية له،  بل وسّع مروحة مشاوراته واتصالاته المعلنة وغير المعلنة، وبدأ يستعين بمساعدة بعض النواب  البارزين كل في بيئته لتسويق فكرته الداعية إلى التوافق على الرئيس العتيد، وفي هذا الصدد يبرز ما يقوم به صديقه النائب فيصل كرامي الذي يستقبل ويزور هذا القطب النيابي وذاك على أن ينقل النتائج إلى بري أولاً بأول.

انفجار المرفأ قضائياً

وسط كل هذه الاجواء الرئاسية، وبعد نحو أسبوع على مغادرة الوفد القضائي الأوروبي لبنان بعد مهمة شملت قضية مرفأ بيروت وموضوع غسيل أموال تتصل بمصرف لبنان وغيره، انفجرت معركة قضائية بين المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات وقاضي التحقيق العدلي طارق البيطار الذي أعلن استئنافه مهمته التحقيق في قضية المرفأ بعد 13 شهراً على كف يده عنها واستتبع ذلك بقرار قضى بالادعاء على وزراء اشغال ونقل سابقين ومسؤولين قضائيين وقادة أجهزة أمنية ثم قرار بإطلاق بعض الموقوفين في القضية من المسؤولين والعاملين في المرفأ.

وقد لاقت الخطوة رداً كبيراً من عويدات الذي أمر باطلاق جميع الموقوفين في القضية والادعاء على الييطار بتهمة اغتصاب السلطة وأحاله إلى الرئيس الأول لمحكمة التمييز للمساءلة والمحاسبة.

وما إن أطلق الموقوفون الذين أعلن منعهم من السفر ووضعهم في تصرف رئيس الحكومة والوزراء المختصين حسب مستوياتهم بين فئة اولى وفئة ثانية، حتى "ذاب الثلج وبان المرج"  ليتذكر الجميع طلب الولايات المتحدة الاميركية إطلاق أحد الموقوفين الذي يحمل الجنسية الأميركية هو رئيس مصلحة الأمن والسلامة في المرفأ محمد زياد العوف الذي ما إن أفرج عنه حتى سافر بعد ساعات إلى الولايات المتحدة الاميركية ولم يلتحق بالوزير المختص وفق ما طلب رئيس الحكومة كما لم يلتزم عدم السفر.

الخراب أو العصفورية

ويقول ديبلوماسي خبير في الموقف الاميركي رداً على سؤال عما اذا كانت خلفية ما يحصل قضائياً هي تغيير الخيارات المطروحة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، يجيب المصدر أن الأميركيين ومنذ استخدامهم معادلة "إما مخايل الضاهر وإما الفوضى" عدلوا عن التعاطي مع الاستحقاقات الرئاسية في لبنان بهذه الطريقة أي طريقة الضغط والفوضى، وباتوا يستعملون أسلوب "الفيتو" بحيث انهم يضعون "فيتو" على إسم أو أسماء تكون مطروحة، ويتعاطون مع بقية الأسماء على أساس أنها لا تتعارض مع مصالحهم من دون أن يدخلوا في إنجاح أي منها في الاستحقاقات علماً أن الاميركيين لم يعلنوا أي "فيتو" حتى الآن على فرنجية أو غيره، مع العلم انه حتى ولو كان هناك مثل هذا "الفيتو" فإنه لن يغير المعادلة في لبنان.