طارق ترشيشي

تُطرح علامات استفهام كثيرة حول اجتماع الرباعية الدولية الاميركية ـ الفرنسية ـ السعودية ـ القطرية المزمع انعقاده نهاية الشهر الجاري عبر تطبيق "زووم" او حضورياً في باريس ، وذلك للبحث في خريطة طريق لإنجاز الاستحقاقات الدستورية اللبنانية التي يتصدرها انتخاب رئيس جمهورية جديد، وذلك على حد ما أبلغت الجهات الديبلوسية الفرنسية قبل أيام إلى بعض المسؤولين والقوى السياسية اللبنانية المعنية بهذه الاستحقاقات.

ويظهر من خلال المواقف والتطورات الخارجية المحيطة بلبنان واستحقاقاته في هذه المرحلة أن الجهات الدولية المتعاطية بالشأن اللبناني قرّرت مغادرة وقوفها على الضفاف إلى الدخول في التفاصيل.

على الأرجح أن  هذا "اللقاء الرباعي" ، سيكون بداية التدخل العملي في الشأن اللبناني من بوابة الاستحقاق الرئاسي، في ضوء ما بدأ يتردد من معلومات عن أنه سيتناول بالبحث مواصفات رئيس الجمهورية العتيد، وتركيبة السلطة الجديدة التي ستنطلق معه، وبرنامجها لحل الازمة اللبنانية بكل شقوقها السياسية والاقتصادية والمالية، في ضوء الانهيار الذي بات أشبه بـ "دمار شامل" حل بلبنان ويستدعي إعادة بنائه من جديد.

وتدلّ المعلومات المتداولة إلى الآن أن هذا الاجتماع سيكون على مستوى موظفين كباراً في وزارات الخارجية للدول الأربع. إذ سيحضر عن الجانب الأميركي مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى  باربرا  ليف، وعن الجانب الفرنسي مديرة دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية آن غيغان    ومستشار الرئيس الفرنسي لشؤون الشرق الاوسط وأفريقيا  باتريك دوريل، فيما لم يعرف بعد مستوى تمثيل كل من السعودية وقطر.

الفرنسي صاحب الدعوة

[caption id="attachment_2780" align="aligncenter" width="1024"] من اجتماع اللجنة الفرنسية السعودية لدعم لبنان الذي عقد في باريس في أيلول الماضي[/caption]

 ويسأل البعض عما سيتحقق في ضوء هذا الاجتماع وكذلك عما سيكون عليه مستقبل الوضع اللبناني.  إلا أن سياسياً مطّلعاً على الموقف الاميركي يقول أن الجانب الفرنسي هو الذي طلب انعقاد هذا الاجتماع، موحياً في الشكل أنه يريد منه البحث في الاستحقاق الرئاسي اللبناني وما يمكن القيام به من خطوات تشجع الأفرقاء اللبنانيين على انجازه، ولكن حقيقة الموقف الفرنسي هي أن باريس تدفع باتجاه الإتيان برئيس جمهورية جديد يستطيع التعاون مع رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي كونها تتمسك ببقائه في سدة رئاسة الحكومة في عهد رئيس الجمهورية المقبل، وأقلّه أن يتولى رئاسة الحكومة الأولى في هذا العهد.

ولكن الفرنسيين لم يسمعوا بعد من دول الخليج العربي المتعاطية الشأن اللبناني، ولا سيما منها المملكة العربية السعودية ترشيح أي اسم لرئاسة الحكومة ولا حتى لرئاسة الجمهورية رغم إبداء اهتمامها في خلال بعض لقاءاتها مع الفرنسيين بموقع رئاسة الحكومة ومن سيتولاه مستقبلاً من دون أن تكشف أي أوراق في هذا الصدد.

من رئيس الحكومة؟

في الوقت الضائع، يلاحظ هذا السياسي حراكاً لبعض السياسيين المسلمين السنة لملاقاة الاستحقاق الرئاسي عند لحظة انجازه، إذ يريدون من خلال هذا الحراك التعبير مداورة عن ترشيح أنفسهم لرئاسة الحكومة، ومن هؤلاء النائب فيصل كرامي الذي ينشط في لقاءات واستقبالات لوفود وشخصيات سياسية، فيما آخرون يعملون بصمت أو يعبرون عن زهد سياسي عندما يُسألون عن الهدف من صمتهم أو مما يقومون به من نشاطات وزيارات داخلية وإلى الخارج.

وفي هذا السياق يتوقف السياسي المطلع على الموقف الاميركي عند حراك رجل الأعمال بهاء الدين رفيق الحريري في ظل ابتعاد او استبعاد شقيقه الرئيس سعد الحريري عن الساحة السياسية، حيث عقد لقاءات معلنة وغير معلنة مع وفود شعبية لبنانية في قبرص.

وينشط بهاء لتسويق نفسه عبر النافذتين العربية والاميركية، ففيما يتردد أن شقيقه سعد سيحضر إلى لبنان ليوم واحد لإحياء ذكرى اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري التي تصادف 14 شباط المقبل، فإن بهاء  سيقيم احتفالا في هذه الذكرى في الولايات المتحدة الأميركية وتحديداً في مركز "كينيدي سنتر" وكذلك احتفالاً بالذكرى العاشرة لتأسيسه مركز رفيق الحريري في "اتلانتك كاونسل" (المجلس الاطلسي) الذي كان الرئيس الاميركي الحالي جوزف بايدن رعى افتتاحه، وقد دعا بهاء السفراء العرب ولا سيما منهم الخليجيين إلى حضور هذا الاحتفال المزدوج.

لا رئيس تسوية

وإلى ذلك يكشف السياسي عينه أن واشنطن ما تزال حتى اللحظة لا تحبذ وصول رئيس جمهورية ورئيس حكومة إلى السلطة في لبنان يكونا حليفين لحزب الله، رغم الادراك الاميركي انه يمكن انتخاب رئيس لا يقبله "الحزب".ويقول أن انجاز الاستحقاق الرئاسي لا يبدو موعده قريباً على رغم قول السفير السعودي في لبنان وليد البخاري لأحد القادة السياسيين في لبنان في الاونة الاخيرة من "ان هناك اهتماماً بانتخاب رئيس جمهورية في أسرع وقت ممكن".

واذ يشير هذا السياسي القريب من الموقف الأميركي إلى "تراجع" حظوظ "الرئيس التوافقي" تأسيساً على المعطيات المتوافرة لديه عن هذا الموقف، يؤكد أن المقاربة الاميركية للاستحقاق الرئاسي اللبناني هي إلى الآن كالآتي: "لا رئيس تسوية، وفي ضوء الوضع الاقليمي السائد لا يمكن اي فريق داخلي او خارجي يمكنه ايصال رئيس من كنفه".

جدول الاعمال هو الاهم

غير أن مصدرا ديبلوماسياً خبيراً في الشؤون الإقليمية والدولية يرى أن الأهم من هذا اللقاء الرباعي المقرر عقده في باريس هو جدول أعماله، ودور مجموعة "اصدقاء لبنان" فيه، ولذلك من المهم معرفة ما ستكون عليه طبيعة هذا الجدول قبل تقييمه  أو توقع ما سيصدر عنه.

ويعرب المصدر عن اعتقاده أن هذه العواصم وجدت أنه يجب إيجاد الوسائل الناجعة للتعامل مع لبنان الدولة الفاسدة. ويتم التركيز حالياً على إيجاد السبيل لتحقيق الاختراقات المطلوبة. وهذا السبيل تراه العواصم المعنية في تأمين انتخاب رئيس جمهورية تستطيع التعامل معه إلى جانب رئيس حكومة يتمتع بالمواصفات نفسها. وتعتقد  أنها إذا حققت هذا الأمر يصبح بإمكانها تحقيق الاختراقات باتجاه مكافحة الفساد.

ويرجح المصدر أن مهمة المحققين الأوروبيين الحالية في بيروت ستساعد باتجاه كشف فضائح الفساد. ويرى ان المؤشرات إلى ان الآن تدل إلى لبنان مقبل على مرحلة اختراقات ملموسة لمكامن الفساد في مختلف المجالات. ولذلك قررت العواصم المعنية الآن تفعيل "عملها في الحقل اللبناني" لمساعدة لبنان على النهوض من الانهيار.

ويختم المصدر ليشير ان هناك اقتناعاً غربياً بوجوب التوافق مع ايران على وجوب ان يقف لبنان على رجليه، وتشكل فرنسا رأس الحربة في هذا الامر كونها القادرة على التواصل مع طهران ومع حزب الله الحاضر طيفهما في كل لقاء اقليمي او دولي يتناول الشأن اللبناني.