على وقع التظاهرات المناهضة في إسرائيل، وفي ظل المحاكمة المسلطة، وفي مواجهة الصعاب في غزة حيث يتضح أن حركة "حماس" في طور إعادة البناء، يبدو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمام مرحلة صعاب كبرى قبل انتخاباته الداخلية.

يأتي كل ذلك رغم تقليصه الفارق مع التكتل المنافس من دون التمكن حتى الآن من ضمان تشكيل الحكومة، حسب استطلاعات الرأي، ما يفسر التشدد الكبير وعدم الرغبة في الحل ووضع المعوقات أمام كل بند في التسوية الهشة أصلا.

هذا ما يوضح محاولة نتنياهو إفراغ اتفاق وقف النار من مضمونه مع حركة الاغتيالات التي يقوم بها والتي جاءت مع اعتباره الخط الأصفر حدوده الجديدة. ضف ذلك إلى منع المساعدات ومحاولات التهجير والقصف المستمر وغيرها من الخروق. يأتي كل ذلك مع علم الإسرائيليين بالحقيقة الصعبة إذ ترفض "حماس" رفضا قاطعا نزعَ سلاحها. بل هي تعيد وضع يدها على الحكم في غزة، وتستعيد الأنظمة المدنية ومن بينها إعادة فتح المدارس والجامعة الإسلامية، إحدى معاقلها.

وقد نفّذت الحركة معظم التزاماتها بموجب المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة، في انتظار أن تعيد الرهينة الأخيرة، ران جفيللي، بما يعني نزع الذرائع من إسرائيل.

وفي موازاة افتقاد "حماس" الأوراق، يهدف نتنياهو لإشعال النار قبل الانتخابات، سواء في غزة أو في الضفة أو شمالاً في لبنان وسوريا، للخروج من مأزقه الاستراتيجي.

لكنّ الرئيس دونالد ترامب يضغط لتحقيق إنجاز استراتيجي والانتقال إلى المرحلة الثانية، وهو ما سيكون محور اجتماعه بنتنياهو أواخر الشهر، وهو قد يطرح فيه افكاراً تداري نتنياهو مثل تسليم "حماس" "الأسلحة الهجومية"، بخاصة الصواريخ أو ما تبقى منها ونشر قوة متعددة الجنسيات لا تستفز "حماس" تكون ذات رقابة محدودة، ربما تُنشَر على طول الخط الأصفر مكان الجيش الإسرائيلي. ومن الأفكار أيضاً تراجع الحركة إلى الصفوف الخلفية علناً أمام إدارة يعمل ترامب على تشكيلها قد تشمل السلطة الفلسطينية.

لكن الجميع يعلم أن خلع "حماس" من غزة لا يبدو متاحاً وستبقى الحركة تعمل "تحت الأرض" حتى وإن تعطل معظم قدراتها.

للتذكير، تتضمّن المرحلة الثانية فتح معبر رفح بالكامل في الاتجاهين، والانتقال من وضع السيطرة العسكرية الإسرائيلية إلى قوة مدنية – دولية، وتأليف حكومة تكنوقراط فلسطينية والبدء بإعادة إعمار تدريجية للقطاع، تخضع للرقابة. وكل هذا لا يريده نتنياهو الذي يهدف أولاً إلى نزع سلاح "حماس" وإزالة سيطرتها الفعلية، وبعد ذلك فقط، إعادة الإعمار والقوة الدولية والانسحاب الإسرائيلي.

أما دول الخليج ومصر وأجزاء واسعة من المؤسسة الأميركية، فيطرحون ترتيباً مختلفاً، يبدأ بالإعمار والآلية الدولية، وبعدها تدخل قوة الاستقرار وحكومة التكنوقراط، ثم خلال العملية، يعالج ملف "حماس" بالتدريج.

يشك نتنياهو ومن معه أن ترامب قد لا يعتزم قبول معادلة "الشرط المسبق" الإسرائيلي. والتقدير المعقول هو أن البيت الأبيض سيطالب بتقدم متوازٍ: فتح معبر رفح في الاتجاهين والتقدم في إنشاء قوة الاستقرار وتعيين حكومة تكنوقراط والبدء بنقاش عملي بشأن نزع السلاح، تحت عنوان "المرحلة الثانية".

هذا الترتيب يشكل لإسرائيل كابوساً مزدوجاً: أمنيا ستتعاظم قوة "حماس". وسياسيا قد تبدو أي خطوة كأنها موافقة على بقاء "حماس" وإعادة الإعمار، ما قد يفجّر المعسكر اليميني من الداخل، قبل انتخابات مفصلية.

لذلك، ثمة "خطة انتظار" إسرائيلية مؤداها عدم الاصطدام مع ترامب في موازاة عدم الاندفاع إلى الأمام، والرهان على الوقت وما سيقوم به نتنياهو في المنطقة.

لذا ينتظر الإسرائيليون ماهية القوة الدولية ويراقبون الصعوبات التي تواجه تشكيلها، على أمل تعثّر عملية الإعمار في وقت مبكر، وبدء انهيار المرحلة الثانية برمتها.

وسيجهد نتنياهو لإبقاء أوراق قوة في يده مثل الإبقاء على حرية العمل كما في لبنان وضمان رقابة أميركية قوية على محور فيلادلفي ومعبر رفح، ورفض أية سلطة مستقبلية تضم أي شخصية مقربة من "حماس". مع الاستمرار في العمليات العسكرية والاغتيالات.

استيطان قياسي في الضفة

في الأثناء، التفت نتنياهو شرقاً نحو الضفة الغربية، بحثاً عن شرعية عند اليمين الديني.

وقد بلغ التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية مستوى قياسياً هذا العام منذ بدء مراقبة الأمم المتحدة العام 2017.

وحسب المنظمة الدولية فقد تم تقديم أو الموافقة على فتح مناقصات بشأن نحو 47390 وحدة سكنية، مقارنة بحوالي 26170 العام 2024. ويرافق هذه الزيادة تصرف أكثر عدوانية من المستوطنين الذين يتحركون بحماية قوات الأمن. ومن أبرز الخطوات الاستيطانية

مصادقة المجلس الوزاري السياسي والأمني المصغر على خطة قدّمها وزير المالية، وزير الاستيطان بتسلئيل سموتريتش، لبناء وتشريع 19 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية.

وإذا وضعنا وضع القدس الشرقيّة جانباً، يعيش حالياً أكثر من نصف مليون إسرائيلي في الضفة الغربية في مستوطنات تعتبرها الأمم المتحدة غير قانونية بموجب القانون الدولي، وسط نحو ثلاثة ملايين فلسطيني.

ومن الواضح أن الضفة الغربية على جدول الضم والتهجير بالنسبة إلى أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً في تاريخها، لولا ضغوط ترامب التي تمنع نتنياهو من التحرك.

مغامرات كبرى؟

رغم كل ذلك تزداد الصعوبات في وجه نتنياهو داخلياً، وثمة من يتهمه بالانزلاق نحو الهاوية مع رفع مكانة شخصيات متطرفة مثل سموترتش وإيتمار بن غفير. حتى باتت حكومته اليمينية في الكامل حكومة الباءات الثلاثة: بيبي، بن غفير وبتسلئيل. وفي إسرائيل كلام كثير عن أن الأعداء الخارجيين ليسوا الخطر الأكبر على الدولة، بل التآكل الداخلي هو الذي يشكل الخطر الداهم. يستحضر هؤلاء تاريخ سقوط الإمبراطوريات التي تتعفن من الداخل ثم تسقط. وفي ذلك امثلة قديمة وحديثة من روما وكيفية انتهائها مع نيرون.. حتى الاتحاد السوفياتي.

تحت هذا العنوان الكبير يقع كثير من تفاصيل الفساد وتوزيع الغنائم والتحاصص والتشبث حتى الهوس بالسلطة واللغة العنصرية والسوقية، والوحشية في الخارج. وثمة من يوجه الانتقاد الحاد حتى نحو من يسمّون أنفسهم "المعسكر الليبرالي" الذين يصمتون على تفسخ المجتمع ومؤسساته ويحضّرون بذلك لانهياره.

وأمام كل ذلك، وفي مواجهة الصعاب تلك، ثمة من يحذر من مغامرات كبرى لنتنياهو قد يفاجئ بها الجمهور قبيل الانتخابات، وربما تكون مفصلية في تاريخه السياسي.