لا تزال مسألة حق المرأة اللبنانية في منح جنسيتها لأولادها واحدة من أكثر قضايا المساواة الحقوقية إثارة للجدل في لبنان. القانون الحالي الموروث منذ عشرات السنين يقصر نقل الجنسية على الأب فقط، ما يترك آلاف الأطفال في حالات انعدام أو تضارب في الهوية، ويجهد أسراً بكاملها للحصول على حقوق بسيطة كالتعلّم والرعاية الصحية والعمل الرسمي.

القانون القائم والآثار العملية

تنص المادة الأولى من قانون الجنسية اللبناني (مرسوم 1925) على أن “يُعتبر لبنانياً كل شخص مولوداً من أب لبناني”، وهو نصّ يستبعد بشكل صريح ذكر الأم كمصدر لنقل الجنسية. النتيجة العملية أن الطفل المولود لأم لبنانية وزوج أجنبي لا يحصل تلقائياً على الجنسية اللبنانية، ما يعرضه لخطر فقدان الأوراق القانونية أو العيش بوضع مقيد أو، في حالات معينة، البقاء عديم الجنسية. منظمات حقوقية ودرسات محلية وثّقت حالات عديدة لأسر وأطفال يعانون تبعات هذا الفراغ القانوني.

الحملة والمبادرة التشريعية الأخيرة في لبنان

في منتصف أكتوبر 2025 أعلنت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» بالتعاون مع النائبة سينتيا زرازير عن تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر لتعديل المادة الأولى بحيث يصبح النص: «يُعتبر لبنانياً كل شخص مولود من أب أو أم لبنانية»، أي بإضافة كلمة «أم» إلى الصياغة الحالية. الحملة وصفت الاقتراح بأنه خطوة عملية نحو إنهاء تمييز تاريخي وإنصاف آلاف الأسر.

من يؤيد ومن يعارض — أسباب المواقف

أ. المؤيدون

· منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني: يرون أن التعديل يستند إلى مبدأين أساسيين: المساواة بين الجنسين والالتزام بالمعايير الدولية لمنع انعدام الجنسية، كما أشار تقرير للمفوضية السامية للاجئين إلى أن التشريعات غير المتساوية في هذا المجال تؤدي مباشرة إلى حالات انعدام الجنسية. مؤيدو التعديل يؤكدون أن تعديل الصياغة يحمي الأطفال ويقوّي المواءمة مع التزامات لبنان الدولية في مجال حقوق الأطفال والنساء.

ب. المعارضون

· مكونات سياسية وطائفية من جهات مختلفة تعارض التعديل لأسباب سياسية وديموغرافية — أي الخشية من “التوازن الطائفي” أو من تغيّر قاعدة المواطنة على مستوى التركيبة السكانية. هذه الحجج تُطرح غالباً في النقاش العام والسياسي كحجج تحفظية رغم أن القلق الديموغرافي لا يقدم حلولاً عملية لمشكلات الأطفال بلا جنسية أو المعاناة اليومية للأسر. بعض المواقف السياسية أيضاً تذكر مخاوف تتعلق بالأمن القومي أو بالاختلال الإداري، لكنّها في كثير من الأحيان تفتقر إلى بدائل تحمي الحقوق. 

نماذج عربية ودولية: من يعطي الأم الحق ومن لا يعطيه

· دول عربية منحت حق الأم: بعض البلدان العربية حسّنت قوانينها تدريجياً؛ على سبيل المثال، أشارت مصادر إلى أن الجزائر وجيبوتي تمنحان المرأة الحق ذاته في منح الجنسية لأسرتها على قدم المساواة مع الرجل، وهناك دول عربية أخرى أعادت صياغات جزئية أو سمحت في ظروف محدودة (مثل حالات جعل الطفل بلا جنسية أو والد مجهول). وفي أنحاء العالم، دول عديدة عدّلت قوانينها لمكافحة انعدام الجنسية والتمييز القائم على النوع الاجتماعي.

· دول تقيّد هذا الحق: لبنان مدرج ضمن مجموعة من دول المنطقة التي لا تمنح الأم هذا الحق في معظم الحالات إلى جانب دول مثل الكويت وقطر وبعض دول الخليج، بينما تختلف الحالات في دولٍ أخرى باعتماد شروط استثنائية. تقارير الأمم المتحدة والمفوضية توثق أن نحو 24 دولة حول العالم لا تزال لديها قوانين تمييزية بهذا الشأن.

حالات من واقع الحياة توضح حجم المشكلة

التقارير الميدانية والمنظمات الحقوقية مثّلت قصص عائلات حقيقية: أطفال ولدوا وكتب على أوراق ولادتهم اسم الأم فقط كلبنانية، لكنهم بلا هوية، وآخرون حُرموا من الالتحاق الرسمي بالمدارس أو فتح ملف صحي أو الحصول على فرص عمل نظامية لاحقاً. منظمات لبنانية تُركّز ملفاتها على آلاف الحالات المسجلة لدى جمعيات مساعدة تستقبل حالات العائلات اللبنانية المتزوجة من أجانب وأبنائها الذين يعيشون بلا وضعية واضحة—وهذه الحالات تظهر العواقب المادية والنفسية والاجتماعية للقانون الحالي.

تقول مراجع حقوقية ومختصّون في قانون الجنسية وحقوق اللاجئين، ومنهم الناشطة السياسية والحقوقية جوزفين زغيب في حديثها لموقع "الصفا نيوز"، إن "تعديل المادة الأولى يكمّل التزامات لبنان الدولية بشأن حقوق الإنسان والطفل، ويعدّ وسيلة فعالة للحد من انعدام الجنسية".

وتستند زغيب في حديثها إلى موقف المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التي تعتبر أن مساواة نقل الجنسية بين الأم والأب يساهم بشكل مباشر في منع تشكّل فئات عديمة الجنسية ويخفف أعباء الحماية على الدولة والمجتمع بشكل عام.

وتشير زغيب إلى أن الخوف من “التغيّر الديموغرافي” يجب معالجته عبر سياسات بيانات وإحصاء وليس عبر حرمان مواطنين من حقوقهم الأساسية. مضيفة "باختصار، الرأي الحقوقي القانوني يميل بقوة إلى دعم التعديل كحلٍ عمليّ وضروريّ."

مقترحات وحلول عملية مقترنة بالتعديل

· إضافة نص يعالج القضايا الإجرائية بذات الوقت: مثلاً آليات لتسجيل الأطفال المتأثرين، وتسهيل الحصول على وثائق مدنية مؤقتة أثناء معالجة طلبات الجنسية.

· برنامج وطني لتوثيق الحالات ومعالجة البطالة والحقوق الاجتماعية للأطفال المتأثرين.

· إجراء حملات توعوية لردّ المخاوف الديموغرافية عبر بيانات واضحة، وتأكيد أن التعديل يهدف إلى حماية حقوق المواطنين وأطفالهم لا لاستقدام مجموعات جديدة.

هذه خطوات ترافق التعديل بحيث يكون انتقال تطبيقه منظماً ويحافظ على ثقة الجهات المعنية.

قضية حق المرأة في منح جنسيتها لأولادها مسألة مبدأية تجمع بين العدالة والإنصاف والالتزام بالمعايير الدولية لمنع انعدام الجنسية. التعديل المقترح من حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» والنائبة سينتيا زرازير يتوافق مع توجّه دولي لمعادلة الحقوق بين الجنسين ولحماية الأطفال من الوقوع في فراغ قانوني. في مقابل ذلك، تحتاج مقاومة المخاوف السياسية إلى حوار عمومي مؤسس على بيانات وحلول عملية، لا إلى الإبقاء على وضع يحرم الآلاف من حقوقهم الأساسية. توصية الخُلاصة: الموافقة على التعديل مع خطة تطبيقية واضحة للانتقال وتقوية سجلات الحالة المدنية لحماية حقوق الأطفال والأسر>