يستعد وزير المال ياسين جابر، بالتعاون مع وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط، لطرح مشروع قانون "الانتظام المالي واستعادة الودائع" على مجلس الوزراء للبت فيه، ومن ثم رفعه إلى المجلس النيابي.
خطة الحكومة لإعادة الودائع
عمل على هذه الخطة ثلاثة أطراف: مصرف لبنان (الشق التقني)، وزيرا المال والاقتصاد، وحاكم مصرف لبنان للقرارات المُتعلّقة بالخطوط العريضة. في حين لم يُعرف ما إذا كان لصندوق النقد الدولي دور في إعداد هذه الخطّة.
الرسم البياني رقم 1: خطة إعادة هيكلة ودائع القطاع المصرفي (بيانات من مصادر غير رسمية).
Figure 1: Financial Sector Deposit Restructuring Plan (Data from unofficial sources).
تقضي الخطة بمُعالجة الودائع التي تصل قيمتها إلى 83 مليار دولار أميركي (أنظر إلى الرسم البياني رقم 1). وبالتحديد حدّد المسؤولون 53 مليار دولار أميركي من أصل 83، كودائع مؤهّلة سيُعاد منها 21 مليار دولار أميركي نقداً من خلال تعاميم مصرف لبنان (على فترة تمتد إلى خمس سنوات)، والباقي – أي 32 مليار دولار، سيتمّ تحويلها، بحسب رغبة المودع، إلى أسهم في المصارف أو سندات يُصدرها مصرف لبنان (سندات طويلة الأجل بدون فائدة لمدة 15 عاماً).
وبحسب الخطّة ستموّل الحكومة الدفع النقدي للمودعين والبالغ 21 مليار دولار بمساهمة تبلغ 8.76 مليار دولار، ومصرف لبنان بمساهمة تبلغ 8.1 مليار دولار، والمصارف بمساهمة تبلغ 3.88 مليار دولار. وبحسب المعلومات المسرّبة، ستسدَّد الودائع التي تقلّ قيمتها عن 100 ألف دولار أميركي بالدرجة الأولى، ويستفيد المودعون الذين يملكون ودائع بأكثر من 100 ألف دولار أميركي بأول 100 ألف على أن يُحوَّل الباقي إلى أسهم في المصارف أو سندات يُصدرها مصرف لبنان.
الودائع غير المؤهّلة والبالغة 30 مليار دولار ستُشطَب على الشكل التالي: 23 مليار دولار تحاويل من الليرة اللبنانية إلى الدولار بعد اندلاع الأزمة (تمّ تسميتها في الخطة بـ "دولار المصارف")؛ خمسة مليارات دولار فوائد زائدة إعتبرتها الخطة غير مُستحَقّة؛ ومليارا دولار ودائع مُصنّفة مخالفة للقانون 44/2015 والذي يُعطي هيئة التحقيق الخاصة حق تجميدها لحين صدور قرار قضائي.
أسئلة مشروعة
الرأي العام إلى قسمان: مع الخطّة وضدها. لكن هناك أسئلة مشروعة على الحكومة الردّ عليها:
أولاً – ما هي الضمانات أن الأسهم في المصارف أو أنّ السندات ستُعيد قيمة الودائع ولو بنسبة مقبولة؟ فإذا ما أخذنا في الإعتبار السندات التي سيُصدرها مصرف لبنان، ستكون لها قيمة سوقية بنسبة 20% من القيمة الإسمية (أقلّه عند الانطلاقة). وهذا يعني اقتطاعاً بنسبة 80% على الاستثمارات في السندات من أصل الـ 32 مليار دولار المفروض تحويلها إلى أسهم أو سندات. أمّا إذا أخذنا حال الأسهم في المصارف، فإن الوضع ليس بأفضل خصوصاً إذا ما استمر الوضع السياسي والأمني كما هو.
ثانياً – تمّ تحويل جزء من الودائع من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي بناءً على موافقة من السلطات النقدية. حتى أن مصرف لبنان أصدر تعميماً سمح فيه بسدّ القروض الشخصية المُقوّمة بالدولار الأميركي بالليرة اللبنانية على سعر 1500 ليرة. أيضاً تعترف تعاميم مصرف لبنان (مثل التعميم 158 والتعميم 166) بقيمة الدولار المصرفي كدولار حقيقي. فلماذا لا تعترف الخطّة بهذا الأمر؟ وهل ستُسترَدّ الدولارات من المودعين غير المُستحقين (بحسب تصنيف الخطّة) الذين استفادوا من التعاميم سابقاً؟
ثالثاً – أين مسؤولية الحكومة اللبنانية من توزيع الدولارات على الصرّافين (طلب حكومة حسان دياب من مصرف لبنان في نيسان 2020) بسعر 1500 ليرة لبنانية؟ وأين مسؤوليتها في دعم شراء السلع والبضائع التي ذهبت إلى جيوب النافذين؟ أليست هذه الأموال من أموال المودعين؟ هل تمّ التحقيق في ذلك؟
رابعاً – في العام 2020، تمّ شراء عقارات بشيكات أقلّ من قيمتها الإسمية بأموال نقدية غير معروفة المصدر. وتبلغ قيمة المشتريات أكثر من عشرة مليارات دولار! هل تمّ التحقيق فيها؟
خامساً – يُحكى عن ستّة مليارات دولار حوِّلت في أوّل أسبوعين من بدء الإحتجاجات في 17 تشرين الأول 2019. هل هذه الأموال هي أموال مشروعة طبقاً للقانون 44/2015؟ هل تمّ التحقيق فيها؟
سادساً – لماذا لا يتمّ التحقيق في الدولارات النقدية التي هُرِّبت إلى سوريا بدءاً من آب 2019 وحتى تسلّم وسيم منصوري سدّة الحاكمية بالإنابة في آب 2023؟
سابعاً – من أين ستأتي الدولة اللبنانية بـ 8.76 مليار دولار لتمويل مساهمتها من الدفع النقدي للمودعين وهي التي تسعى إلى قرض بقيمة ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي؟
ولائحة الأسئلة تطول...
شروط الصندوق والإرادة السياسية
تُشير المعلومات إلى خلاف على دين لمصرف لبنان على الدولة بقيمة 16.5 مليار دولار في نيسان 2023. هذا الدين يعود إلى فروقات سعر الصرف التي كانت توضع في حساب خاص أنشئ في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وعدم الاعتراف بهذا الدين سيُطيح خطّة مصرف لبنان للعودة إلى التوازن في ميزانيته. وبالتالي، فإن صندوق النقد الدولي واقع في حيرة إذ يريد عودة سريعة للتوازن في ميزانية مصرف لبنان ولكنه لا يُريد أيضاً وضع ديون إضافية على الدولة اللبنانية (غير سندات اليوروبوندز) سعياً للحفاظ على ملاءة بحدّها الأدنى تضمن إعادة سد قرض الصندوق.
وقد ازدادت وتيرة تلبية الحكومة مطالب صندوق النقد الدولي. وحتى لو أقِرّ المشروع، لا يزال على الحكومة الكثير من العمل الحكومي لتلبية المطالب التي تؤهّل لبنان لتوقيع برنامج مع الصندوق (أنظر إلى الرسم البياني رقم 2).
الشكل 2: الجمود والتحول والمخاطر المستقبلية بين لبنان وصندوق النقد الدولي (المصدر: تقديراتنا)
Figure 2: Lebanon-IMF Stalemate, Shift, and Future Risks (Source: Our Estimations)
فصندوق النقد يُطالب الحكومة اللبنانية باتخاذ إجراءات تقنية هي أساس وشرط لتوقيع برنامج معه. ومن بين هذه الإجراءات نذكر:
- استراتيجية موثوقة وشاملة لإعادة هيكلة البنوك ومعالجة الخسائر الهائلة في القطاع المالي؛
- إقرار قانون تسوية وضع البنوك لتوفير إطار قانوني لإعادة الهيكلة؛
- إصلاحات لقانون السرية المصرفية؛
- توحيد أسعار الصرف المتعددة؛
- استراتيجية مالية متوسطة الأجل لاستعادة القدرة على تحمّل الديون.
وإذا كانت السلطة السياسية تدفع باتجاه تلبية كل مطالب الصندوق، يبقى عامل لا يجوز تجاهله هو ردّة فعل الشعب القادر على أبواب الانتخابات النيابية (إذا ما حصلت!) على قلب الطاولة على الجميع.
يرجى مشاركة تعليقاتكم عبر البريد الإلكتروني:
[email protected]