في سجل الأسلحة الغريبة التي ابتكرتها الحروب، يطلّ سلاح يكاد يكون مجهولاً، لكنه ترك بصمته في ساحات الصراع، وسمي بـ "قنبلة الكلب الكسول".

الاسم يوحي بالبراءة وربما بالكسل، لكنه يخفي وراءه واحدة من أكثر الوسائل وحشيّة وبساطة في القتل، إذ اعتمد على الجاذبية وحدها لتحويل قطعة معدنية صغيرة إلى رصاصة قاتلة تُسقَط من السماء.

القنبلة لم تكن قنبلة بالمعنى التقليدي، لقد كانت من دون انفجار ولا لهب ولا حتى دوّي ينبّه عن هجوم... كانت مجرّد قطعة معدنية لا يتجاوز طولها أربعة سنتيمترات ووزنها حوالي 20غراماً، تُحَمَّل بمئات الآلاف في الطائرات، ثم تُلقى من ارتفاع حوالي عشرة آلاف قدم. ومع السقوط الحرّ، تتحوّل تلك القطع إلى مقذوفات تصل سرعتها إلى حوالي 70 م/ثانية لتصل قوّة الصدمة عند الارتطام بين 300 إلى 500 كلغ/قوّة تقريباً (300 – 500 Kg/Force)، لتخترق الأجساد البشرية والآليات العسكرية المصفّحة، وتقتُل من يكون مختبئاً في الخنادق والحُفَر الفرديّة ومموّهاً بالأعشاب. حيث ان الهدف منها لم يكن تدمير البنية التحتيّة، بل إحداث أكبر قدر ممكن من الإصابات البشرية على مساحات واسعة، كما لو أنّ السماء أمطرت رصاصاً صامتاً.

في حرب الكوريتين بين عامي 1950 و1953، ثم لاحقاً في حرب فيتنام بين عامي 1955 و1975، عرفت هذه الذخيرة طريقها إلى الاستخدام العملي. كانت الطائرات الأميركية ترمي "الكلاب الكسولة" بمئات الآلاف دفعة واحدة، فتحوّل الأرض تحتها إلى ما يشبه حقلاً من الموت غير المرئي. لا إنذار مسبق ولا أثر لانفجار، فقط أجساد تنهار بفعل ضربات غير مرئية قادمة من السماء، والجنود الذين واجهوا هذا السلاح وصفوه بالقاتل الصامت.

تُكمن غرابة الفكرة في بساطتها، في زمن كان سباق التسلّح يتّجه إلى الصواريخ النووية والطائرات الأسرع من الصوت، ابتكرت أميركا سلاحاً لا يحتاج إلى بارود أو تقنية متقدمة، بل إلى قانون الجاذبية فقط.

ومن هنا جاء الاسم الساخر "الكلب الكسول"، فهذه القطع المعدنية لا تنطلق ولا تُقذف ولا تتحرّك بقدرتها الذاتية، بل تُرمى من علوّ شاهق وتترك للجاذبية أن تُنجز مهمتها القاتلة، تماماً كالكلب الكسول الذي لا يفعل شيئاً سوى الاستسلام لثِقله.

لكن مثل الكثير من الأسلحة التي وُصِفت بأنها فعّالة ورخيصة، اصطدمت "الكلاب الكسولة" بجدل أخلاقي، فهي لا تميّز بين جندي ومدني، وتحوّل أي ساحة مفتوحة إلى مسرح قتل عشوائي، وبمرور الوقت، ومع تنامي الأصوات الدولية التي تطالب بتقييد الأسلحة غير الإنسانية، جرى التخلي عنها بهدوء. لم تُحظّر رسميّاً مثل "الأسلحة الكيميائية" أو القنابل الحارقة مثل "النابالم"، لكنها سقطت من حسابات الجيوش الكبرى لأنها بدت أقرب إلى أداة للقتل الجَماعي غير المبرّر من كونها سلاحاً عسكريّاً تقليديّاً.

ورغم اندثارها، تبقى قصة "قنبلة الكلب الكسول" شاهداً على قدرة الحروب على استدعاء أفكار تبدو في ظاهرها سخيفة، لكنها قاتلة بامتياز. سلاح وُلِد من بساطة الفكرة وقسوة التطبيق ليبرهن أنّ الجاذبية حين تستغلّ بطريقة ذكية، يمكن أن تتحوّل إلى آلة حرب مميتة بصمتها، فكل ما تفعله هو السقوط الحرّ، بينما تقوم الطبيعة بالباقي، فتُحوّل قطعة معدنية صغيرة إلى مقذوف قاتل فعاليته أكبر من القذائف التقليدية.