دونالد ترامب يتعثّر. أسلوبه الدبلوماسي القائم على الضرب على الطاولة والتصريحات الصاخبة لم يؤدِّ إلى أي نتائج ملموسة. فالحرب في أوكرانيا، التي كان من المفترض أن تتوقف خلال أسابيع قليلة، ما زالت تفتك بالمدنيين وتزيد من معاناتهم يوماً بعد يوم.
وفي غزة، تكرّر الفشل. إذ تبدو سياسة ترامب في هذه المنطقة خاضعة إلى حدّ بعيد لرؤية بنيامين نتنياهو. فالجيش الإسرائيلي الذي توغّل في القطاع دعا إلى تهجير السكان وقصف المدنيين بلا هوادة، من دون أن يتراجع الدعم الأميركي قيد أنملة. ترامب يصرخ ويهدّد، لكن لا فلاديمير بوتين ولا رئيس الوزراء الإسرائيلي غيّرا استراتيجيتهما. الشعوب تدفع الثمن، فيما يواصل ترامب استعراضه السياسي.
والأخطر أنّه، بفرضه تعريفات جمركية مبالغاً فيها على الهند، دفع هذا البلد إلى أحضان الصين وروسيا، ما عزّز محور الجنوب العالمي في مواجهة الغرب. هذا التحوّل ظهر جلياً في قمة منظمة شنغهاي للتعاون التي انعقدت في مدينة تيانجين الصينية في الأول من أيلول/سبتمبر. العرض العسكري الصيني عكس تصاعد التوترات، فيما أظهرت القمة تصميم بكين على توحيد صفوف الجنوب العالمي ضد النظام الأحادي القطبية الذي يقوده الغرب، سعياً إلى نظام دولي أكثر توازناً يحدّ من هيمنة الولايات المتحدة. لكن يبقى السؤال: هل يتحقق ذلك عبر الدبلوماسية أم عبر السلاح؟
بهذه الأساليب المتسرّعة، لا يخاطر ترامب بإضعاف بلاده أمام محور الصين – روسيا – الهند فحسب، بل يجرّ العالم أيضاً إلى حافة انفجار شامل. لقد ابتعد عن التقاليد الدبلوماسية الأميركية التي حققت، في مراحل سابقة، إنجازات باهرة.
يتساءل كثيرون: أين هم «هنري كيسنجر القرن الحادي والعشرين»؟ ذلك الدبلوماسي الأميركي البارز، الذي يُعتبر الأبرز في القرن العشرين، حقّق إنجازاً تاريخياً في السبعينيات. ففي عام 1971، قام بزيارة سرية إلى بكين ممهّداً لزيارة ريتشارد نيكسون التاريخية بعد عام. وبموجب إعادة إدماج الصين الشيوعية في المجتمع الدولي، وهو ما تجسّد بمنحها المقعد الدائم في مجلس الأمن بدلاً من تايوان، نجحت الولايات المتحدة في تقسيم الكتلة الشيوعية، وعزل الاتحاد السوفياتي، وفتح سوق يضم 700 مليون نسمة أمام شركاتها.
ترامب هو النقيض تماماً لكيسنجر. ففي الوقت الذي تحتاج فيه بكين وواشنطن إلى حوار حقيقي ومفاوضات جدية حول السلام، يفضّل ترامب التهويل والصدام. ومع خطاباته الجوفاء واستعراضاته، أدخل العالم في دوامة من الخوف والقلق، وزاد يأس الشعوب في مشهد سياسي كان هوليوود نفسها سترفضه كسيناريو مبالغ فيه.