في بلد يعيش أزمات سياسية واقتصادية متلاحقة، يظل الشعب اللبناني مثالًا على الصمود والتمسك بالحياة، حتى في أحلك الظروف. غير أنّ هذه القدرة على التكيف والبحث عن الفرح غالبًا ما تجد انعكاسًا غريبًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحوّل الترندات العالمية والمحلية إلى موجات جماعية تجذب اللبنانيين وتدفعهم أحيانًا نحو سلوكيات سطحية أو غير مبررة.

من "اللابوبو" إلى "الكروكس الصغير"

أحدث الأمثلة جاءت مع دمية "اللابوبو المخيفة" التي اجتاحت تيك توك، قبل أن يخطف "الكروكس الصغير" الأضواء، حيث اصطف اللبنانيون أمام متاجر ماكدونالدز للحصول عليه، رغم حملات مقاطعة سابقة للعلامة التجارية. هذا المشهد لا يعكس فقط ولعًا لحظيًا، بل يكشف عن ظاهرة اجتماعية أعمق مرتبطة بقدرة الترندات على اختراق الوعي الجماعي، حتى في مجتمعات تعاني أزمات حادة.

العامل النفسي والاجتماعي

ترى الميتا كوتش، راوية عياني، في حديثها لموقع "الصفا نيوز" أن هذا السلوك ليس مجرد متابعة عابرة للترند، بل هو محاولة للهروب من واقع ضاغط عبر خلق لحظات فرح آنية، ولو كانت مرتبطة بمنتجات تافهة. تقول:

"اللبناني اليوم يبحث عن أي مساحة صغيرة تمنحه شعورًا بالانتماء الجماعي أو الفرح السريع. ركوب الترند أصبح وسيلة نفسية للتنفيس، وليس مجرد سلوك استهلاكي."

التسويق الذكي واستغلال الفضول

وتضيف عيتاني أنّ "العلامات التجارية العالمية تدرك هذا الجانب النفسي جيدًا، فتستغل الفضول والرغبة في التميز الاجتماعي عبر حملات تسويقية مبنية على "ندرة المنتج" و"هيبة اللحظة". النتيجة: أرباح هائلة للشركات، مقابل شعور وقتي بالرضا لدى المستهلكين، سرعان ما يتبخر مع ظهور الترند الجديد".

تيك توك والمحتوى غير الهادف

لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن دور تيك توك، الذي يحوّل السخافات أحيانًا إلى موضة عامة، خصوصًا بين الأطفال والمراهقين. المحتوى السطحي أو الاستفزازي ينتشر بسرعة، مولدًا سلوكيات قد تكون خطرة أو غير ناضجة. ومع غياب الرقابة الفعّالة، يصبح هؤلاء الفئة الأكثر عرضة للتأثر والضغط النفسي الناتج عن المقارنة المستمرة مع الآخرين.

ما الذي يعكسه هذا الترند عن المجتمع اللبناني؟

الترندات ليست دائمًا مجرد تسلية؛ إنها مرآة لاحتياجات المجتمع. في حالة لبنان، يمكن اعتبارها وسيلة جماعية للهروب من القلق اليومي والبحث عن هوية اجتماعية عابرة، حتى لو كانت وهمية. لكنها أيضًا مؤشر على خلل أعمق في أولويات الاستهلاك، حيث تُستثمر الطاقات في سباق نحو التفاهة بدلًا من الابتكار أو المطالبة بالتغيير.

الخلاصة،هل "اللابوبو" و"الكروكس الصغير" مجرد نزوات عابرة؟ ربما. لكن الأكيد أنّها تكشف هشاشة في الوعي الجمعي، حيث يصبح التريند متنفسًا مؤقتًا في بلد يبحث عن فرح حقيقي وسط واقع مأزوم.