تنتهي منتصف هذا الأسبوع النافذة الصيفيّة من مباريات تصفيات كأس العالم لكرة القدم التي شهدت تأهّل المغرب بعد الأردن كثاني دولة عربيّة إلى مونديال 2026 لكرة القدم، ليكون عدد المتأهّلين إلى اليوم هو 16 من أصل 48 منتخباً، وهو مجموع المنتخبات الّتي يتألّف منها مونديال الولايات المتّحدة الأميركيّة وكندا والمكسيك في الصيف المقبل.
وبهذا، يكون عدد المنتخبات المشاركة للمرّة الأولى في تاريخ المسابقة 48 منتخباً، بعدما كان العدد في مونديال قطر 32 منتخباً.
وبذلك، يتأكّد بما لا شكّ فيه أنّ أهداف الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم تحوّلت كلّيّاً من بطولة تجمع أفضل المنتخبات في العالم من مختلف القارّات إلى بطولة تجمع نحو ثلث عدد الدول الّتي تنتمي إلى الاتّحاد الدوليّ لكرة القدم "فيفا"، وبالتالي لم يعد التأهّل إلى نهائيّات كأس العالم يعتبر بعد اليوم إنجازاً بحدّ ذاته.
فقد كانت البداية في عام 1930 في الأوروغواي مع 13 منتخباً واليوم أصبح العدد 48 منتخباً منها 16 منتخباً من أوروبّا فقط أي أكثر بثلاث منتخبات من مجموع منتخبات المونديال الأوّل في الأوروغواي.
وهذه هي القصّة الكاملة لنهائيّات كأس العالم:
كان هدف الفرنسيّ جول ريميه وأعضاء الاتّحاد الدوليّ تحقيق حلم هواة تلك الرياضة بإطلاق أوّل بطولة كأس عالم في عام 1930 في عاصمة الأوروغواي مونتيفيديو، فتمكّنوا من جمع 13 منتخباً من ثلاث قارّات، وهي 4 دول من أوروبّا، دولتان من أميركا الشماليّة و6 دول من أميركا الجنوبيّة، من دون المرور بأيّ تصفيات.
ولاقت البطولة نجاحاً باهراً، وأصبحت حكماً الحدث الأبرز في كرة القدم على صعيد المنتخبات. وبدأ الاتحاد الدولي منذ ذلك الحين وضع إطار تنظيميّ لها في روزنامة تجمع تلك المنتخبات كلّ 4 أعوام. وجاءت النسخة الثانية في عام 1934 في إيطاليا بمشاركة أوسع جمعت 16 منتخباً، 12 منها من أوروبّا وثلاثة منتخبات من القارّتين الأميركيّتين ومنتخب من القارّة الأفريقيّة، لتتحوّل بالتالي حكماً وعن وجه حقّ إلى مسابقة كأس العالم الّتي تجمع بين المنتخبات الأبرز على صعيد القارّات.
وهكذا، أصبح العرف يقتضي أن تنتقل بطولة كأس العالم كلّ أربعة أعوام بين القارّتين الأميركيّة والأوروبّيّة في نظام جديد يجمع 16 منتخباً، فأصبحت الحدث الأبرز كما الألعاب الأولمبيّة ينتظرها العالم في كلّ محطّة لها، إلى أن وقعت الحرب العالميّة الثانية، فتوقّفت البطولة حكماً، قبل أن تعود إلى الحياة في عام 1954 من السويد بنظام ثابت وعالي الاحتراف يجمع أفضل 16 منتخباً في العالم، وذلك حتّى مونديال الأرجنتين في عام 1978 .
ومنذ مونديال إسبانيا في عام 1982، بدأ المشروع الاقتصاديّ من قبل الاتّحاد الدوليّ "فيفا" يبصر النور، لتتحوّل البطولة من لعبة تجمع أنظار الفقراء حول العالم إلى لعبة هدفها الحقيقيّ جني الأرباح الكبيرة، لتتحوّل المسابقة إلى أكبر حدث رياضيّ على الكرة الأرضيّة، يتسابق عليه المعلنون والرعاة ووسائل النقل التلفزيونيّ. ففي مونديال إسبانيا، ارتفعت أعداد الفرق المشاركة في النهائيّات للمرّة الأولى من 16 منتخباً الى 24 منتخباً، وزّعها الاتحاد الدولي لكرة القدم حسب النظام الجغرافيّ ومستوى اللعبة في كلّ قارّة.
ومع سيطرة رجال الأعمال على أهداف الاتحاد، وفي مقدّمتهم صانع تقنية جلب المليارات الرجل السابق القويّ في الـ"فيفا" سيب بلاتر، جاء التغيير الجذريّ خلال مونديال فرنسا في عام 1998، ليغيّر كلّ مفهوم كرة القدم، إذ تحوّلت اللعبة إلى أكبر صفقة تجاريّة في العالم مع دخول ما يعرف بتقنيّات الحقوق في اللعبة، من الرعاية إلى النقل التلفزيونيّ إلى عولمة المراهنات الشرعيّة وفتح أبرز الأسواق الماليّة في العالم الأبواب لها. وفي مونديال فرنسا، ارتفع عدد المنتخبات المتأهّلة إلى نهائيّات المونديال من 24 إلى 32 منتخباً من مختلف القارّات حول العالم.
ومنذ مونديال فرنسا في عام 1998، انتهى العرف الّذي كان يحصر تلك البطولة بالقارّتين لتنتقل البطولة بـ 32 منتخباً إلى بقيّة القارّات، وافتتحت اليابان وكوريا الجنوبيّة تلك الحقبة الجديدة في عام 2002 مع ما لهما من قوّة اقتصاديّة في العالم، لتدخل الأسواق الأقتصاديّة والبلاد الغنيّة على الخطّ. فنظّمت قطر مونديال العرب الأوّل في عام 2022، لتلحقها المغرب إنّما مشاركة مع إسبانيا والبرتغال في عام 2030 بينما سيكون الموعد في عام 2034 مع المملكة العربيّة السعوديّة، لتكون كأس العالم في كرة القدم قد تحوّلت في مئة عام من لعبة الفقراء إلى رياضة الصفقات والأثرياء.