كتاب "الجائزة: السعي الملحمي وراء النفط والمال والقوة"، ليس مجرد كتاب عن النفط. إنه ملحمة تاريخية واسعة ترصد، على مدى أكثر من قرن، كيف أصبحت هذه المادة الطبيعية قلب الاقتصاد العالمي، ومحركًا للحروب، وأداة للدبلوماسية، ومصدرًا دائمًا للصراعات. من خلال سرد غني ووثائقي ومثير، يقدم دانيال يرجين رواية حقيقية عن القوة الحديثة، تستند إلى تاريخ الذهب الأسود.
بدايات صناعة النفط
يبدأ يرجين روايته في القرن التاسع عشر، مع ولادة صناعة النفط في ولاية بنسلفانيا الأمريكية. كان النفط يُستخدم في البداية لإنتاج الكيروسين للإضاءة. الشخصية المحورية في تلك الحقبة هو جون د. روكفلر، مؤسس شركة ستاندرد أويل، الذي نجح في السيطرة على سلسلة الإنتاج كاملةً وإنشاء شبه احتكار. من خلاله، يُظهر يرجين كيف يمكن لتركيز الموارد أن يخلق قوة اقتصادية وسياسية هائلة.
عصر الإمبراطوريات النفطية العالمية
في بداية القرن العشرين، تحوّل استخدام النفط إلى وسائل النقل، أولًا السيارات ثم السفن الحربية، مما جعل الحكومات تهتم به بشدة. أصبحت شركات مثل رويال داتش شل وBP (بريتيش بتروليوم) من اللاعبين الرئيسيين. صار النفط مسألة استراتيجية، فتدخلت الدول وانخرطت الدبلوماسيات.
يُظهر يرجين كيف قامت القوى الكبرى خاصة بريطانيا، والولايات المتحدة، ولاحقًا الاتحاد السوفييتي بإعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط بحسب مصالحها النفطية. وُلدت "دبلوماسية النفط"، من خلال اتفاقات مثل "خط أحمر" وإنشاء شركة أرامكو في السعودية.
الحرب العالمية الثانية والنفط كسلاح
في الحرب العالمية الثانية، أصبح النفط عاملًا حاسمًا. فالجيوش الميكانيكية بحاجة ماسة للوقود. انتصر الحلفاء جزئيًا بسبب وصولهم الآمن إلى الموارد النفطية، بينما عانت ألمانيا النازية واليابان من نقص حاد في الإمدادات.
ما بعد الحرب، صعود القوميات وتأسيس أوبك
في الخمسينيات حتى السبعينيات، بدأت الدول المنتجة للنفط، خاصة في الجنوب العالمي والشرق الأوسط، بالمطالبة بمزيد من السيطرة على مواردها. وهكذا وُلدت منظمة أوبك (منظمة الدول المصدرة للنفط). في عام 1973، خلال أزمة النفط، فرضت الدول العربية حظرًا على الغرب، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وأظهر للعالم قوة الضغط التي يملكها المنتجون.
العصر الحديث (حتى حرب الخليج)
يغطي الكتاب أيضًا سنوات الثمانينيات، التي شهدت حروبًا (إيران-العراق)، وأزمات طاقة، وانخفاض أسعار النفط، وظهور فاعلين جدد، خاصة في تقنيات الاستخراج. وينتهي مع حرب الخليج (1990–1991)، حيث عاد النفط ليكون في صلب الاستراتيجيات الجيوسياسية. يُظهر يرجين كيف تعتبر الولايات المتحدة – حامية السعودية – أن النفط مسألة أمن قومي.
عمل موسوعي ضخم
ينجح يرجين في تلخيص قرن من التاريخ العالمي في كتاب واحد. قوته تكمن في ربط الاقتصاد، الجيوسياسة، الحروب، والتكنولوجيا، موضحًا كيف أن النفط كان دائمًا خلف الكواليس، كمحرّك خفي للأحداث الكبرى. يعتمد على وثائق ضخمة، مع سرد حيوي مليء بالقصص، وبورتريهات لقادة (ملوك، رؤساء، مدراء تنفيذيين)، وكواليس دبلوماسية.
الموضوعية والطرح المتوازن
لا يقع المؤلف في التبسيط الأيديولوجي. لا يُمجد شركات النفط الكبرى ولا يُدينها. بل يُظهر التناقضات لدى جميع الأطراف: المصالح التجارية، استراتيجيات الدول، الحركات القومية، القضايا البيئية الناشئة… إنها قراءة متعددة الأبعاد تُعيد كل قرار إلى سياقه الجيوسياسي والاقتصادي.
دور النفط في موازين القوى العالمية
أحد أهم الدروس في الكتاب هو أن النفط أعاد تعريف مفهوم القوة الدولية. غيّر أولويات الجيوش، والتحالفات الدبلوماسية، والبُنى الاقتصادية. ولم يعد بالإمكان فهم القوى العظمى دون فهم أمنها الطاقي.
حدود الكتاب
مع ذلك، يُؤخذ على يرجين اعتماده رؤية غربية للأحداث. فوجهات نظر دول الجنوب المنتج للنفط غالبًا ما تكون أقل بروزًا أو تُعرض من خلال عدسة الشركات أو الحكومات الغربية. كما أن الأثر البيئي لصناعة النفط مذكور لكنه لا يشغل حيزًا كبيرًا (جزئيًا بسبب تاريخ النشر في عام 1990).
لماذا ما زال الكتاب مهمًا حتى اليوم
رغم أن The Prize يتوقف عند أوائل التسعينيات، إلا أنه يقدم مفاتيح لفهم توترات اليوم: النزاعات في بحر الصين الجنوبي، الحرب في أوكرانيا، الأزمات في الشرق الأوسط، والسعي نحو التحول الطاقي. جميعها تبقى مرتبطة بالنفط سواء من خلال استخدامه، أو ندرته، أو السعي للتخلص منه.
كما يساعد الكتاب على فهم الانتقال الطاقي الجاري، مذكرًا بأن التحولات في مصادر الطاقة لا تحدث دون صراعات أو آثار كبرى على ميزان القوى.
عمل كلاسيكي لفهم العالم الحديث
الجائزة ليس مجرد كتاب عن تاريخ النفط، بل هو مفتاح لفهم القرن العشرين وبروز العالم المعاصر. يُظهر لنا أنه خلف كل قرار كبير، أو حرب، أو معاهدة، غالبًا ما تقبع رغبة في السيطرة على الطاقة وخاصة النفط.
في عالم يواجه تغيّرات مناخية، وتحولات جيوسياسية، وأزمات طاقة، فإن فهم تاريخ النفط هو فهم جذور القوة الحديثة. ولهذا، يظل هذا الكتاب مرجعًا كلاسيكيًا لا غنى عنه لمحبي التاريخ، وطلاب العلاقات الدولية، والاقتصاد، والجيوسياسة.