بين آذار وحزيران الماضيين، عاش تجار لبنان "على أحرّ من الجمر". عدّوا هذه الأشهر الثلاثة مفصلية في تحريك العجلة الاقتصادية، كونها تسبق موسم الاصطياف وتضم هذا العام مناسبتي الأضحى والفصح، اللتين يعوّل عليهما في تحريك الأسواق. إلا أن الأرقام أتت مخيّبة للآمال. فرغم التحسّن الملحوظ في حركة المبيعات مقارنة بالفصل الأول، سجل"مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسبنك لتجارة التجزئة" مستوى 33 نقطة فقط، انطلاقاً من نقطة أساس تساوي 100 نقطة. وهذا تراجع عن 56 نقطة في الفصل الثاني من العام 2022، و59 نقطة في 2023، و40 نقطة في العام 2024.

مؤشر تجارة التجزئة شهد تحسناً ملحوظاً في الفصل الثاني، مقارنة بالفصل الأول. أظهرت النتيجة المجمّعة لقطاعات تجارة التجزئة ارتفاعاً فصلياً حقيقياً بلغت نسبته 11.53% مقارنة بأرقام الفصل الأول. أما في الفصل الثاني، فسجّل المؤشر تراجعاً على صعيد سنوي بنسبة -0.86 % عمّا كان عليه في الفصل الثاني من العام الماضي.

الإعمار مجمّد

أهمية المؤشر لا تقتصر على رصد نشاط الأسواق التجارية وحركة المبيعات فحسب، وإنما تتعداها إلى معرفة ميول المستهلكين وتحديد سلوكياتهم، بما يعطي صورة أوضح عن ثقة المواطنين عموماً بالمستقبل. المؤشر مثلاً، بيّن تراجع الطلب على السلع المعمّرة مقابل ارتفاعه بشكل كبير على السلع الاستهلاكية وارتياد المجمّعات التجارية. وكان من اللافت تسجيل القطاعات المرتبطة بالاعمار والبناء تراجعاً كبيراً في المبيعات، وذلك رغم حالة الدمار الكبيرة في المساكن والبنى التحتية عقب الحرب الأخيرة. وهذا يعني بشكل واضح أن عملية إعادة الإعمار والترميم ما زالت مجمّدة على الصعيدين الخاص والعام رغم كل ما يشاع عن إنفاق الأموال على البناء والتجديد.

تراجعت مبيعات مُعَدّات البناء بنسبة قاربت 22 %على أساس سنوي، وتراجعت مبيعات المفروشات بنسبة قاربت 4% مقارنة بالأرقام المسجلة في العام 2024. في المقابل، سجل مؤشر التجزئة ارتفاع مبيعات أجهزة الهاتف الخليوية وقطع الغيار العائدة لها، بشكل كبير جداً، إذ وصلت الزيادة في العام الحالي إلى 42%، مقارنة بالعام الماضي، تلاها مباشرة زيادة مبيعات الوقود للمركبات بنسبة 32%. وسجلت الحركة في المجمّعات التجارية ارتفاعاً هذا العام بنسبة 42% عما كانت عليه في العام الماضي. يعود ذلك بشكل أساسي إلى توقف الحرب ما أتاح المجال أمام المواطنين التنقل وزيارة العاصمة التي تضم أكبر عدد من المجمعات التجارية.

أمّا على صعيد فصلي، أي بمقارنة النتائج المحققة في الفصل الثاني بتلك في الفصل الأول من هذا العام، يتبين أن استمرار التراجع في مبيعات معدّات البناء والاثاث والمفروشات. وظلت مبيعات أجهز الهاتف والاجهزة الكهربائية المنزلية تتصدر المبيعات. إضافة إلى بقية السلع الاستهلاكية الاساسية مثل الخبز والمأكولات والأدوات الكمالية من ملبوسات وأحذية.

التضخم مستمر بالارتفاع

رافق هذا الواقعَ استمرارُ ارتفاع الأسعار في مختلف القطاعات. سجّل الإحصاء المركزي لغاية منتصف العام الحالي زيادة 15% في الأسعار عما كانت عليه في الفترة نفسها من العام الماضي. وعلى صعيد فصلي ارتفعت الأسعار بنسبة 2.% في الفصل الثاني من العام الحالي مقارنة بالفصل الأول. وتصدر قطاع التعليم ارتفاع الأسعار بنسبة تجاوزت 30%، وحل القطاع الصحي ثانيا بنسبة ارتفاع في الأسعار بلغت 22%. وحل قطاع المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية ثالثا بنسبة ارتفاع وصلت إلى 21 %.

الكتلة النقدية بالليرة مصدر خطر

من الناحية النقدية واصل حجم الكتلة النقدية إرتفاعه ليلامس 30 تريليون ليرة (30 ألف مليار ليرة) في أواخر الفصل الثاني، "الأمر الذى يثير التساؤلات حول مستقبل سعر صرف الليرة اللبنانية، في الوقت الذي توقف مصرف لبنان عن تمويل إنفاق الدولة اللبنانية"، بحسب بيان تحليلي للمؤشر صادر عن جمعية تجار بيروت. "وهنا تبرز أهمية الإسراع في ضبط السياسة المالية للدولة والإستقلالية الفعلية للسياسة النقدية، وذلك مساهَمة في إعادة تنشيط الإقتصاد والدورة الاقتصادية في البلاد، بحيث يصبح حجم الكتلة النقدية عاملاً إيجابياً يشجع الاستثمار والاستهلاك على حدّ سواء وليس سبباً لارتفاع سعر الدولار وزيادة نسبة التضخّم".