أضاء مستثمرون "أصابعهم" العشر طيلة السنوات الخمس الماضية للحصول على ترخيصٍ من هيئة الأسواق المالية - CMA، لكن الطريق ظلّ معتماً أمامهم. محاولات معظم المستثمرين، باستثناءات قليلة، باءت بالفشل بعدما عصفت رياح الخلافات الداخلية بالهيئة، وفقد الإداريون والموظفون الدافع للعمل مع التهديد بطردهم وإقفالها نهائياً.

عدد من رجال الأعمال دفعوا الأموال الطائلة على التراخيص وتكوين نواة الشركات وتقديم ملفاتها إلى الهيئة مرتين، مرة عند بدء معاناتهم للاستحصال على الترخيص ومرة ثانية عندما أعادت الهيئة الطلب منهم تقديم الملف مرة ثانية مع ما يتطلب ذلك من تكاليف باهظة. ليتبين لاحقاً أن طلب إعادة تقديم الملف كان محاولة من القيّمين على الهيئة للهرب إلى الأمام وربح الوقت. يئس هؤلاء المستثمرون، وقرروا الاستثمار في أسواق أخرى كقبرص ودبي حيث الاستحصال على الترخيص المطلوب أهون وأكثر ضماناً. والهيئة الناظمة تتصرف كمساعد لا كخصم للمستثمر.

لطنّ مستثمرين آخرين قرروا المواجهة حتى النهاية، فتقدموا بدعوى ضد هيئة الأسواق المالية أمام النيابة العامة المالية لمحاسبتها عن تقصيرٍ فاضح، يعدّ جرما له تداعيات خطيرة.

تقدم المحامي هاني مراد بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية في بيروت ضد أعضاء هيئة الأسواق المالية، ورئيسها الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً أو محرّضاً، بجرائم استغلال النفوذ والرشوة ومخالفة القوانين الإدارية والإثراء غير المشروع والتمييز الوظيفي\ والتدخل في التهرب الضريبي.

المسار المريب

ما حصل في هيئة الأسواق المالية في السنوات الأخيرة كان مريباً. فقد امتنعت بصورة منهجية عن منح تراخيص الوساطة المالية لشركات استوفت كامل الشروط القانونية والإدارية، وسددت مصاريف ورسوم وصلت إلى عشرات الآف الدولارات. توقفت عن لعب دورها الأساسي في مراقبة الأسواق، فانتشرت "مواخير" البورصة على حساب من يستحق الترخيص، وفلت تجار "الشنطة" على "حل شعرهم"، مكبّدين صغار المتداولين خسائر باهظة. وتعرضت لخطر الإقفال نهائياً بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق واستلام وسيم منصوري الحاكمية بالانابة، فيما كان المجتمع الدولي يضغط لإنشاء الهيئات الناظمة في مختلف المجالات لتعزيز دور القطاعات.

تداعيات التعطيل

هذا السلوك، أدى بحسب الإخبار، إلى "حماية مصالح شركات قائمة في السوق، ترتبط بعلاقات مباشرة أو غير مباشرة مع رئيس أو بعض أعضاء الهيئة، عبر منع دخول منافسين جدد يفترض أنهم مؤهلون قانونياً. ومما يزيد من تعقيد الأمور أن بعض الشركات نالت تراخيص، بعدما اضطرت إلى دفع سمسرات أو تقديم منافع غير مشروعة".

مقابل هذا التعطيل المترافق مع فوضى عارمة في القطاع المالي، استمر أعضاء الهيئة بقبض رواتبهم الشهرية من المال العام. وعلى الرغم من تدني الرواتب نتيجة انهيار سعر الصرف، وفقدان الهيئة مصدر تمويلها الأساسي الذي ابتكره سلامة عبر شركة لبنان المالية "سوفيل"، إلا أنها لم تقم بالبديهيات مثل رقابة الأسواق ووقف المخالفات ومنح التراخيص وفرض الغرامات، رغم أن هذا الدور يؤمن لها عائدات مالية كبيرة، الأمر الذي أدى إلى نشر فوضى واسعة في السوق المالية. وفي منتصف العام 2024 أجرت جهات قضائية وأمنية لا تملك الحد الأدنى من الخبرة في التحقيق بمثل هذه الملفات ملاحقات كيدية واستنسابية بحق شركات مالية لبنانية وأجنبية، في غياب كامل للعدالة التنظيمية فـ "طلعت براس" الأوادم كما يتم التداول في "شارع البورصة" و"ظمط" أصحاب الدكاكين من "المدعومين" بشكل او بآخر.

يضيف الإخبار أن تقاعس هيئة الأسواق المالية عن لعب دورها ساهم بالتهرب الضريبي من خلال حرمان الشركات المستحقة من دخول السوق بصورة شرعية وشفافة، تساهم برفد الخزينة بالضرائب والرسوم، لمصلحة شركات محمية خارجة عن الرقابة الجدية.

عدم تطبيق القانون جزء من العرقلة

على غرار أكثرية الهيئات التنظيمية ومكافحة الفساد والشراكة بين القطاع العام والخاص لم توضع كامل المراسيم التطبيقية لقانون إنشاء هيئة الأسواق المالية الرقم 161، والذي هو بنفسه بحاجة الى تعديلات جذرية تواكب تطور الأسواق وتكنولوجيا المال، رغم مرور نحو 15 عاما على إقراره. وبعد تكاثر المعوقات قرّر منصوري إقفال الهيئة، فطلب من الموظفين تقديم استقالاتهم تمهيدا لصرفهم أو وضعهم بالاستيداع. لكنه فشل إذ تقدم المحامي باسكال فؤاد ضاهر بوكالته عن الأمين العام للهيئة وعدد من المديرين والموظفين بطعن بقرار الحاكم أمام مجلس شورى الدولة. وصدر قبل يومين الحكم بإبطال قرارَي منصوري وقف أعمال الهيئة وصرف عدد من موظفيها.

وقال ضاهر إن قرار مجلس الشورى الأخير محطة قضائية مفصلية أكّد بموجبها المجلس على دوره كضامن لقيام دولة القانون والمؤسسات، وحارس أمين للمبادئ الدستورية العليا.

انتهت مدّة الهيئة ولم يعيّن مجلس الوزراء خلفاً لأعضاء مجلس إدارتها.



يتألف مجلس هيئة الأسواق المالية من سبعة أعضاء، أربعة منهم يعيّنون تلقائياً نظراً لموقعهم الوظيفي، وهم: حاكم المصرف المركزي رئيسا، والمديرين العامين للاقتصاد والمالية، ورئيس لجنة الرقابة على المصارف. والثلاثة المتبقون هم من خبراء. الاول خبيراً في الشؤون المصرفية تقترحه جمعية المصارف، والثاني خبيراً في شؤون الأسواق المالية تقترحه بورصة بيروت، والثالث خبيرا في الشؤون المالية يقترحه وزير المالية. ويتم تعيينهم بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية لمدة خمس سنوات.