ينسب إلى لينين قوله: "وحده من لا يعمل، لا يخطئ".
هذه ليست حال حكومتنا، لأنَّها لا تعمل ولكن تخطئ.
كأنِّي بها في صفوف المتفرجين على ما يدور على الساحة اللبنانية، ومن حولنا. وأكثر ما تأتي به الاستنكار أو التنديد أو الحديث المعلَّب عن السلم الأهلي وبناء الدولة وبسط سلطتها على الأراضي اللبنانية كاملة.
حكومة أتى بها الخارج، وأيَّدها الداخل المأمور، بغالبيته، من الخارج... لينطبق عليها القول المأثور: الدَّاخل إليها مفقود والخارج منها مولود.
يضرب الطوفان الشرق الأوسط برمَّته، فتحتمي بمظلة.
تجري المياه من تحت رجليها، فتتغنَّى بفصول لبنان الأربعة.
وبسياسة العصا والجزرة، يتوعَّدها الموفد الأميركي توم برَّاك بأنها إذا لم تسر بمندرجات الورقة الأميركية، ومختصرها سحب سلاح "حزب الله" الذي لا يؤذي إسرائيل، فسيعود لبنان جزءاً من بلاد الشام.
لم نسمع من أحد من المسؤولين في السلطة الحاكمة ومؤيديها ردّاّ على هذه الإهانة المبنية على وقائع تاريخية خاطئة، لا بل انبرى من يبرِّر للأميركي الزَّحلاوي الأصل موقفه. كانت الحكومة تتفرج، وتفرَّجت أيضاً حين "أوضح" برَّاك موقفه، بما زاده إيغالاً في جهل الوضع والتاريخ وربما الجغرافيا.
تستمر إسرائيل في العربدة الدمويّة، برّاً وبحراً وجوّاً. لا ينتظرنَّ أحد موقفاً من وزير خارجيتنا الذي أعفى نفسه من المواقف حين قال إن لا مبرر لموقف استنكار كلما اعتدت إسرائيل. عظيم، عافاه الله، وحيّاه وبيّاه. ولكن ما موقف السلطة الحاكمة، وخصوصاً الحكومة ورئيسها، غير "الفرجة" وشراء الوقت بالمفاوضات مع الجانب الأميركي، في انتظار أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، حتى إذا لم تثمر مفاوضات "أمة الملالي" مع "الشيطان الأكبر"، ذهب الانتظار اللبناني مع الريح.
تقوم القيامة في سوريا الجديدة، وإن لم يكن للبنان شأن في مسار أمورها وخياراتها، علماً أن ثمة امتدادات طائفية واجتماعية لكل مكوّن لبناني فيها، والعكس صحيح. فتُستهدف الأقليات، فيما الحكومة اللبنانية "لا مين شاف ولا مين دري"، إلا حين تهدَّد كرسي أحمد الشرع، فكان الموقف المستنكر بـ"أشد عبارات الاستنكار"، أي إن أصحاب الموقف المندِّدة أكثروا من "الشَّدَّات" باستعمالهم الكلمات التي تتضمن كثيراً من حروف الإدغام.
أما في الدَّاخل المثقل بالأزمات والمشكلات الاقتصادية والمالية والأمنية والعسكرية والسياحية والبيئية والخدماتية، والرازح تحت خطر النزوح السوري، فلا رؤية أو حل أو مشروع لأي من هذه المعضلات، إنما "صفّ حكي"، لأن الشعب لم يلمس أي تطور أو تقدم في أي ملف، وَكأن حكومة العهد الجديد حكومة تصريف أعمال، على غرار سالفتها، وحكومة صرف رواتب، وحكومة تعيينات وفق آلية المحسوبيات والمحاصصة ليس إلَّا. و"مرحبا" آلية تعيينات أقرت بقانون.
وكي يكتمل النقل بالزعرور، كانت الجلسة العامة لمناقشة سياسات الحكومة. أغلب الكتل النيابية والنواب المستقلين، ممثلون في الحكومة، ولا أحد منهم يقول عن "زيتاتِه عِكْرين". لكنهم، يا سبحانهم، لم يتركوا ستراً مغطىً على حكومة يتمثلون فيها. كانوا، في هذه الحال، موالاة ومعارضة معاً، ولم يتركوا للمعارضة الوحيدة في المجلس إلَّا أن هاجموها، هي التي لم يعد لها في السلطة شيء. وحين أرادت المعارضة الحقيقية استعمال "الغربال" أمام رأي عام كان يتابع وقائع الجلسة العامة مباشرة على الهواء، لم يبقَ من "الموالين المعارضين" أحد فوق ذلك الغربال، كلُّهم سقطوا، وظنوا أنهم نفذوا من "خروم الشبك".
اقترحت المعارضة الحقيقية، وفقاً للنظام الداخلي للمجلس، طرح الثقة بالحكومة. فلحس الموالون المعارضون كلامهم النقدي، وجدَّدوا الثقة بالحكومة، فانكشفت ازدواجيتهم، في حين نمَّق رئيس الحكومة نوّاف سلام ردوده على مداخلات النواب، بكلام عمومي لا يغني ولا يسمن من جوع.
حكومة لا تعمل. لكن أخطاءها أكثر من أن تحصى أو تعد. خمسة أشهر في الحكم، وهي تدخل شهرها السادس، من دون أي إنجاز يذكر، هي من سمّت نفسها "حكومة الإصلاح والإنقاذ". لا استفادت من فترة سماح، ولا أوحت بأن ما تبقى لها من عمر ستملأه بما لم يأته الأوائل.
حكومة تتفرج، والعالم من حولها "صندوق فرجة" يسير به على عربة من أربعة إطارات، حِرَفيّ فنان مدير، وينادي على المارة، فإذا بها تكون أوَّل من يلبي النِّداء للتمتع بالفرجة على تلك الآلة الساحرة المدهشة. وصوت الفنَّان يلعلع: "تعا تفرَّج يا سلام، تعا تفرَّج بالتَّّمام، شوف قدَّامك عجايب، شوف قدَّامك غرايب... تعا تفرَّج يا سلام".
هكذا كان المدير الفنان يردِّد، كما علق في ذاكرتنا وذاكرة من سبقونا. وأيُّ توافق أو تطابق أو تشابه في الأسماء، غير مقصود. فاقتضى التوضيح.