يعود الموفد الرئاسي الأميركي توماس برّاك إلى لبنان لتسلّم الردّ اللبناني على الورقة التي اقترحها للوصول إلى تسليم سلاح "حزب الله" وإجراء إصلاحات مقابل انسحاب إسرائيل من الأراضي اللبنانية التي تحتلها وتوفير المساعدات.

ونحن اليوم أمام واحد من سيناريوين: إما قبول الورقة كما هي أو رفضها وتحمّل العواقب. فما هي العواقب إن رفض لبنان الورقة؟

خارطة الطريق المُقترحة

تتضمّن الورقة الأميركية خارطة طريق يُمكن وضعها ضمن ثلاث محاور:

المحور الأول – نزع سلاح الفصائل والمجموعات غير الحكومية: وهذا المطلب يُشكّل النقطة الأساسية والجوهرية التي تتعلّق بها كل الأمور الأخرى ومنها المساعدات الدولية للبنان.

المحور الثاني – تنفيذ الإصلاحات المالية والاقتصادية والأمنية المطلوبة بما فيها مراقبة الحدود ومنع التهريب وإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والدين العام، والقطاع العام، وإصلاح الموازنة، ومنع الاقتصاد النقدي، ومكافحة الجرائم المالية والفساد.

المحور الثالث – تحسين العلاقات مع سوريا بتحسين العلاقات السياسية والأمنية والسيطرة على الحدود وترسيمها وزيادة التعاون الاقتصادي.

في مُقابل التزام لبنان بهذه المطالب، سيتمّ توفير أموال لمساعدة لبنان، خصوصا ًعلى صعيد إعادة الإعمار ووقف الإعتداءات الإسرائيلية. كل هذا بضمانة الولايات المتحدة التي سترعى التواصل السوري- اللبناني والسوري – الإسرائيلي واللبناني – الإسرائيلي.

العصا والجزرة

الورقة الأميركية مبنية على مفهوم العصا والجزرة. ومن المستبعد أن يرفضها لبنان لأنه لن يكون قادراً على تحمّل تداعياتها التي تمتد من المجال العسكري إلى الاقتصاد والسياسة:

أولاً – عودة التصعيد العسكري مع إسرائيل وهو ما يعني تهجير الجنوبيين من أراضيهم وبيوتهم مع ما لذلك من مخاطر على هجرة الشباب وعلى الاقتصاد اللبناني برمّته خصوصاً إذا اتّخذ هذا التصعيد منحىً عنيفاً وقاسياً قد يؤدّي إلى فرض حصار كامل خصوصاً أن باب سوريا لم يعد مفتوحاً للتهريب كما في السابق.

ثانيًا – عودة التصعيد مع إسرائيل أو مع الفصائل السورية على الحدود الشرقية، سيؤدّي حكماً إلى إضعاف الحكومة والمؤسسات التابعة لها نتيجة عدم الاستقرار السياسي والأمني. وهو ما سيؤدّي حكماً إلى وقف المساعدات الدولية ومعها الاستثمارات ولجم الانفراج الاقتصادي.

ثالثًا – تعميق الأزمة الاقتصادية وزيادة عزلة لبنان بإدراجه على اللائحة السوداء في تشرين الثاني المقبل تزامناً مع المهلة المُعطاة لتطبيق الخطة. وهو ما يعني عدم قدرة لبنان على الاستيراد وفصله بالكامل عن النظام المصرفي العالمي مع ما لذلك من تداعيات إقتصادية ومالية واجتماعية كارثية بما فيها وقف المساعدات للبنان بهدف الإعمار والخروج من الأزمة!

رابعًا – مع الجوع الناتج عن الحصار، سيتحوّل لبنان إلى مسرح للصراعات الداخلية المموّلة من الخارج وهو ما يعني تحوّل لبنان إلى دولة فاشلة رسميّاً.

مؤشّر لقياس ورصد المخاطر المتعددة الأبعاد

من الصعب تقييم المخاطر المُتعدّدة الأبعاد التي يواجهها لبنان خصوصاً في هذه المرحلة لأن الأمر يحتاج إلى الكثير من المُعطيات غير المتوافرة. من هذا المُنطلق، ستخدمنا مؤشراً مركَّباً لقياس ورصد المخاطر المتعددة الأبعاد. ويتكوّن هذا المؤشر من خمس مؤشرات يعكس كلٌ منها مجالاً أساسيًا في تركيبة المخاطر:

أولاً – مؤشر لتصعيد النزاع العسكري (CERI)، ويعكس مدى احتمال تجدّد الصراع. يُقاس من خلال مؤشرات ثانوية كعدد الحوادث الحدودية وعدد الضحايا المدنيين، وعدد النازحين والأضرار المادية (0 احتمال ضئيل، 1 احتمال مرتفع جدًا).

ثانياً – مؤشر الدعم الدولي (ISI) والذي يقيس مستوى الدعم المالي والدبلوماسي الدولي للبنان من خلال مؤشرات ثانوية كالمساعدات الدولية، والعقوبات، والاندماج الدبلوماسي، والأهم تجديد ولاية اليونيفيل في جنوب لبنان (0 دعم دولي كبير، 1 لا دعم دولي).

ثالثاً – مؤشر الاستقرار الاقتصادي (ESI) والذي يعكس صحة الاقتصاد وقدرته على الصمود ويُقاس من خلال النمو الاقتصادي والتضخّم والاستثمارات الأجنبية المباشرة، وحجم الاحتياطي من العملات الصعبة، بالإضافة إلى الدين العام (0 اقتصاد هشّ، 1 اقتصاد مُستقرّ).

رابعاً – مؤشّر عدم الاستقرار السياسي (PII)، والذي يعكس تحديات الحكومة وانقسام القوى السياسية وعدم الاستقرار الاجتماعي من خلال عمر الحكومات والاضطرابات والتعطيل والإشكالات الأمنية (0 إستقرار سياسي، 1 عدم إستقرار سياسي).

خامساً – مؤشّر التدخل الخارجي (FII)، والذي يعكس مدى تورّط الدول والجهات الخارجية في أمور تُهدّد سيادة البلد واستقراره الأمني والاقتصادي والإجتماعي، من خلال الوجود أو النشاط العسكري الخارجي وتسليح فصائل محلية والضغوط الدبلوماسية الأجنبية (0 لا تدخل خارجي، 1 تدخل كبير).

ومن ثم ندمج هذه المؤشرات الفرعية في المؤشّر الكلّي لمخاطر التداعيات والعواقب (LCRI) بين 0 (أدنى مستوى لمخاطر العواقب) و1 (أعلى مستوى لمخاطر العواقب).

تحدّيات كبيرة

المؤشرات التي قمنا بمحاكاة لها تُظهر تراجعاً للمخاطر مقارنة بأوائل العام 2024 نتيجة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة أصيلة والتعيينات التي طالت مناصب مثل قائد الجيش وحاكم المصرف المركزي بالإضافة إلى الانفتاح الدولي والخليجي على لبنان (أنظر إلى الرسم البياني رقم 1 والرسم البياني رقم 2).



رسم توضيحي 1 : مؤشرات لقياس ورصد المخاطر المًتعددة الأيعاد (مصدر: حسابات الكاتب).



رسم توضيحي 2 : المؤشر الإجمالي لقياس ورصد المخاطر المًتعددة الأيعاد (مصدر: حسابات الكاتب).

وعلى الرغم من هذا الانخفاض في مستوى المخاطر ("مخاطر متوسطة إلى عالية")، إلا أن المستوى العام لم ينخفض إلى درجة يُمكن القول معها إن عودته إلى الارتفاع غير مُمكنة. فأي إشكال أمني أو عسكري كفيل برفع المستوى العام إلى درجة ستهزّ الكيان اللبناني أمنيّاً أو اجتماعيّاً أو اقتصاديّاً. والأكثر حساسية بين هذه المؤشرات مؤشّر عزل لبنان عن الساحة المالية من خلال وضعه على اللائحة السوداء.

هكذا، يُمكن الجزم أن لبنان أمام تحدّيات كبيرة قادرة على إرجاعه إلى العصور الوسطى إذا غابت الإجراءات الإصلاحية والتصحيحية التي اشترطها المُجتمع الدولي وخاصة الولايات المُـتحدة. فهل سيكون الردّ اللبناني مُطابقاً لتوقّعات المجتمع الدولي، أم أننا ذاهبون إلى فوضى وعزل على مستوى الكيان اللبناني؟