في عالمٍ مضطرب، تشتعل الحروب القديمة والضغائن من جديد. تتجدّد الخلافات بين الهند وباكستان حول كشمير. وقد أدى الهجوم الإرهابي الذي وقع أواسط شهر نيسان في هذه المنطقة التي تتنازعها الدولتان، إلى وضع الخصمين النوويين في جنوب آسيا وجهًا لوجه، بعدما أودى بحياة 26 سائحًا، معظمهم هنود.
صنّفت الهند هذا الحادث عملاً إرهابيًا بدعم من باكستان، وأكّدت استعدادها لملاحقة الجناة حتى خارج حدودها. علاوة على ذلك، وفي رد فعل فوري، علّقت الهند معاهدة مياه نهر السند بهدف حرمان باكستان من مياه النهر الذي يمر عبر منطقة جامو وكشمير الخاضعة للسيطرة الهندية. رد الفعل الباكستاني المضاد: إدانة الإجراء الهندي، ووصفه بأنه "عمل حربي". وضع كلا الجانبين قواتهما في حالة تأهب قصوى، وتُفيد التقارير بتبادل متقطع لإطلاق النار على طول خط ترسيم الحدود، المعروف أيضًا باسم "خط السيطرة"، وهو نوع من الحدود الفعلية التي أُقيمت في المنطقة بعد الحرب الهندية الباكستانية الأولى عامي 1947-1948.
صرّح وزير الدفاع الباكستاني مؤخرًا بأن "توغلًا عسكريًا" هنديًا وشيك. ما هي احتمالات اندلاع حرب شاملة بين هاتين الدولتين المتجاورتين، اللتين تمتلكان أسلحة نووية؟
نظراً إلى الوضع الاقتصادي لكلا البلدين، يبدو اندلاع حرب شاملة مستبعدًا، إذ ستكون له بلا شك عواقب كارثية عليهما معاً.
خاضت الهند وباكستان بالفعل حربين، في عامي 1965 و1971، وكانت لهما عواقب تاريخية على باكستان، التي قُطِّعت أوصالها مع إنشاء دولة بنغلاديش. وتم تجنب حرب ثالثة بأعجوبة في عام 1999 عندما كادت الدولتان تخوضان حربًا نووية في كارجيل، كشمير. وقد كبحت العواقب المحتملة لحربٍ نووية، المساعي العسكرية لدى الجانبين. ظلّ الردع النووي ضمانةً لسلامٍ دائمٍ وإن كان هشًا على مدى السنوات العشر الماضية. ومع ذلك، سُجِّلت تبادلاتٌ دوريةٌ على طول "خط السيطرة" الشهير. ويمكن القول إن الردع النووي لعب هذه المرة أيضًا دورًا مُهدِّدًا للسلم، إذ منع الطرفين من خوض مغامرةٍ عسكريةٍ ذات عواقب وخيمة.
السياق التاريخي
بالعودة إلى التاريخ، نذكر أنه في العام 1947، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، انقسمت الهند الخاضعة للسيطرة البريطانية إلى هند هندوسية وباكستان مسلمة. في ذلك الوقت، قرر السكان الذين يعيشون في أقاليم مختلطة المغادرة إلى أقاليم متجانسة دينياً. عَبَر ما يقارب 13مليون شخص الحدود الجديدة في كلا الاتجاهين. هجرة دموية لقي خلالها أكثر من مليون شخص حتفهم.
باختصار، تتهم الهند اليوم باكستان مجددًا بدعم الجماعات الإرهابية التي تنشط في كشمير وخارج حدودها. وقد أدت هجمات مثل الهجوم على البرلمان الهندي عام 2001، و هجمات مومباي عام 2008، وتفجير بولواما الانتحاري عام 2019إلى تفاقم التوترات.
يبقى أن نرى كيف ستتمركز القوى الكبرى في مواجهة هذا الخطر الجديد للحرب. من الواضح أن الولايات المتحدة وروسيا والصين في طليعة هذه القوى؛ فلكل منها مصالح مختلفة ومتضاربة في كثير من الأحيان. ما يجمعها، قبل كل شيء، هو خطر نشوب صراع نووي، بكل ما ينطوي عليه من مخاطر. وهناك عامل آخر يضعها في الفئة نفسها: تنامي خطر الإرهاب في جنوب شرق آسيا. وأخيرًا، هناك خطر امتداد الحرب إلى الشرق الأوسط أو إلى الشرق، مع التداعيات العسكرية والاقتصادية الخطيرة التي تترتب على ذلك نظرًا للاضطرابات المحتملة في سلاسل الاستيراد والتصدير والتجارة مع الهند الناشئة تكنولوجيًا بسرعة.
على نطاق أوسع، من الواضح أن القوى الثلاث المذكورة تسعى إلى تعزيز نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والسيطرة الحيوية على جنوب آسيا.
الولايات المتحدة، تَعِدّ باكستان حليفًا استراتيجيًا في الحرب ضد روسيا، وهو صراع يعود تاريخه إلى سنوات الحرب الباردة مع الاتحاد السوفياتي السابق. أما الهند، وهي دولة غير منحازة، فقد فضّلت الاتحاد السوفياتي/ روسيا في علاقاتها الدولية حتى عام 1990، عندما اختارت الهند نظامًا اقتصاديًا ليبراليًا وتعاونت مع الولايات المتحدة في المسائل الأمنية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ومنذ ذلك الحين، غالبًا ما تدخلت الولايات المتحدة كوسيط خلف الأبواب المغلقة لتخفيف التوتر بين الهند وباكستان. لطالما كانت الهند حليفًا لروسيا، وخلال الحرب الهندية الباكستانية عام 1971 (التي أدت إلى تأسيس بنغلاديش)، قدّم الاتحاد السوفيتي للهند دعمًا دبلوماسيًا وعسكريًا واستخباراتيًا. ولا تزال روسيا مصدرا دفاعيًا رئيسيًا للهند اليوم، لكنها تسعى جاهدة للحفاظ على التوازن مع باكستان. ومما يثير قلق روسيا بشكل أكبر موقف الهند غير الواضح في مجموعة البريكس. فلا تزال الهند تبدو مترددة في الانضمام الكامل إلى المجموعة، وتستمر في اللعب بأمان مع الدولار.
أما الصين (التي تُشكّل مصدر قلق جديد للقوتين الأخريَين)، فهي تكتسب نفوذًا متزايدًا. ففي أقل من عشر سنوات، أصبحت لاعبًا رئيسيًا في جنوب آسيا. وهي حليفة وثيقة لباكستان (غالبًا ما تُوصف علاقتهما بـ"الصداقة الراسخة"). كما تُزوّد باكستان بالمساعدات العسكرية والتكنولوجيا النووية و استثمارات في البنية التحتية. وهذا يُظهر مصلحة استراتيجية تهدف إلى موازنة القوة الإقليمية المتنامية للهند. علاوة على ذلك، لدى الصين والهند نزاعات حدودية خاصة بهما (مثل اشتباكات وادي جالوان عام 2020)، مما يزيد من تعقيد العلاقات بينهما. في هذا السياق المعقد، يجب على جميع الأطراف الفاعلة بذل جهود سلام حثيثة لتجنب تعريض مشروع "الحزام والطريق" الجديد الذي تنفذه الصين مع باكستان، والذي يمر عبر كشمير الخاضعة لسيطرتها. تُعارض الهند بشدة هذه المبادرة، التي تُمثل حبل سرة حقيقيًا لجميع اقتصادات شرق آسيا.