خيط واحد يربط بين كل القضايا والملفات في المنطقة، من المفاوضات الاميركية ـ الايرانية إلى العراق وسوريا ولبنان وغزة وصولًا إلى اليمن. التوقعات كثيرة ومتناقضة حيال المآلات والنهايات، على وقع الاستعجال الأميركي لحسم كل هذه القضايا والملفات، ومحاولات إسرائيل الاستفادة من كل ما يجري لتحقيق أهدافها من الحروب التي تخوضها على طريق "تغيير وجه الشرق الأوسط"، على حد ما تعلن وتصبو...
على صعيد المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، يتوقع الأميركيون النجاح لاعتقادهم أن إيران ترغب الاتفاق لإنقاذ اقتصادها المهدد بالانهيار. ويدل إلى ذلك "مواقفها المرنة". إما أن تقبل الطروحات الاميركية، أو تهادن لتقطيع مرحلة تمكنها من استعادة الأنفاس بعد الضربات الموجعة التي تعرضت لها هي و"محور المقاومة" الذي تقود.
الإيرانيون في المقابل لا يعوّلون على نجاح المفاوضات لأنهم لا يقبلون ما يطرحه الأميركيون، وخصوصا وقف تخصيب اليورانيوم واستحصال إيران على الوقود النووي لمفاعلاتها ذات الأغراض السلمية من دول صديقة. هذا ما تعتبره إيران وقفاً لبرنامجها النووي او جعلَه تحت رحمة الخارج. وهي قد عانت من تجربة سابقة عندما أوقفت حليفتها روسيا يوماً هذا التزويد لأحد مفاعلاتها في طهران للأغراض الطبية ما كاد يهدد حياة 1500 مريض بالسرطان، فبادر يومها أحد علمائها الذريين مجيد شهرياري إلى اجتراح تخصيب اليورانيوم بنسبة فاقت العشرين في المئة المطلوبة وأنقذ هؤلاء المرضى. لكنّ الرجل اغتيل بعد فترة وجيزة في قلب طهران.
تصرّ إيران أيضاً على حصر المفاوضات بالملف النووي والعقوبات المفروضة عليها بسببه، وترفض الطلبَين الاميركيَين: وقفَ البرنامج الصاروخي البالستي والتوقف عن دعم "أذرعها" العاملة ضد إسرائيل في المنطقة. هذا ما تعتبره إيران تقويض نفوذها الإقليمي الذي بنته على مدى عشرات السنين منذ انتصار ثورتها عام 1979.
إيران تحاول ابتزازهم من خلال برنامجها الصاروخي
تبرر واشنطن طرحها هذا بأن القبول الإيراني يمكّنها من اقناع تل أبيب بعدم مهاجمة طهران عسكريا. ففي ظل التهديد الصاروخي البالستي وتهديد "الأذرع " لا شيء يمنع إسرائيل من شن هجوم عسكري على إيران في أي وقت. وقد تشارك الولايات المتحدة في هذا الهجوم إذا لزم الامر.
قد يكون الإيرانيون قد وضعوا أنفسهم في "مكانٍ صعب" بإصرارهم على حصر المفاوضات بالملف النووي فقط. وقد لا يكون أمام إيران خيار سوى الدخول في اتفاق "لأنها لم تعد قادرة على تحمل عقوبات إضافية"، وفي ظل تطور الوضع العراقي لغير مصلحة القوى التي تدعمها من "عصائب الحق" وغيرها وصولاً إلى التواصل مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) ووصول الجيش السوري الى "سد تشرين" على نهر الفرات. ويسود اعتقاد أن انفجار مرفأ رجائي في بندر عباس ربما ينطوي على رسائل معينة أريد توجيهها إلى القيادة الإيرانية لكي تعيد النظر في خياراتها خصوصا إذا لم تنته المفاوضات إلى اتفاق.
وفي تقديرات الأميركيين أن إيران تحاول ابتزازهم من خلال برنامجها الصاروخي و"أذرعها" لدفعهم إلى تقديم تنازلات، منها الحفاظ على حرية تصرّفها في المنطقة. لكنّ الاميركيين يعتبرون أن هذه اليد قد "بُترت" خصوصاً بعد سقوط النظام السوري السابق.
في هذه الاثناء تبدو العلاقة بين الإدارة الأميركية والنظام السوري الجديد تتطور في اطّراد مع إعلان واشنطن استعدادها المشروط لرفع العقوبات المفروضة على سوريا مقابل إبداء دمشق الاستعداد للانضمام الى "اتفاقيات ابراهيم" والتطبيع مع إسرائيل بشروط. وكان لافتاً في هذا السياق زيارة وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني الأخيرة لنيويورك ورفع العلم السوري الجديد في الأمم المتحدة. ومن المتوقع أن يكون الشيباني في السعودية عندما يزورها الرئيس ترامب في مطلع النصف الثاني من الشهر المقبل.
وسيكون الملف السوري الشغل الشاغل للموفد الرئاسي الأميركي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف أيا تكن النتائج المتوقعة للمفاوضات الأميركية ـ الإيرانية. وربما يزور دمشق، وذلك في ضوء "النتائج المهمة" التي حققتها زيارة وفد الكونغرس الأخير لسوريا، والتي أسست لزيارة وفد آخر مهمّ يتناغم معه هو في طريقه إلى لبنان الذي كان ودّع أخيراً وفداً تعود "ملكيته السياسية" إلى عهد الرئيس بايدن.
المسألة لن تتعدى أشهراً قليلة قد يكون بعدها طوفان آخر
ولكن إذا انتهى الملف السوري ماذا سيبقى من الملف اللبناني؟
مبررُ السؤال أنّ لبنان ارتبط دوماً بالملف السوري وتفاعل معه ولذلك سيكون مآله في النهاية مثل مآل سوريا أياً يكن.
وفي خضم كل هذا يُطرح موضوع نزع سلاح "حزب الله" تحت عنوان "حصر السلاح بيد الدولة" وسط اجتهادات متنوعة تتجاوز "استراتيجية الأمن الوطني" واستراتيجية الدفاع الوطني". الأميركيون وخلفهم إسرائيل يريدون نزع السلاح الثقيل الذي ما زال حزب الله يملكه. أما السلاح المتوسط والخفيف فلا مشكلة لديهم فيه، في ظل الاعتقاد أن مرونة الموقف الايراني ربما توفر مخرجا للـ "حزب" لكي يتعاطى بمرونة مع ملف سلاحه.
لكن "الحزب" وكما قال رئيس مجلس النواب نبيه بري لن يكون مستعدا للبحث في مصير السلاح مع رئيس الجمهورية العماد جوزف عون أو غيره ما لم تنسحب إسرائيل من الأراضي اللبنانية المحتلة وتلتزم عملياً بوقف إطلاق النار والقرار الدولي 1701 اللذين لم تلتزمهما يوماً منذ صدورهما عام 2006 ومنذ 27 تشرين الثاني الماضي (2024).
ولا يرى "الحزب" أن إسرائيل ستوقف الحرب عليه، وأنها تعمل الآن لتحضير بنك أهداف جديد ضده سيشمل هذه المرة قياداته السياسية أينما وُجدت، لاعتقادها أنها قضت على قياداته العسكرية، فضلا عن تخطيطها لاستكمال تدمير قواعده العسكرية وأسلحته الثقيلة المتبقية التي ترى فيها تهديدا لأمنها.
ويبدو أن الحزب وطّد نفسه على هذا الأمر وهو يستعد له ولغيره من الاحتمالات، والتقديرات هي أنّ المسألة لن تتعدى أشهراً قليلة قد يكون بعدها طوفان آخر سيحمل لبنان والمنطقة صوب واقع آخر من الصعب التكهن من الآن بطبيعته...