أقر مجلس النواب قانوناً جديداً يجيز لمصرف لبنان إصدار فئات جديدة من العملة الورقية والمعدنية بقيم أعلى من تلك الموجودة حالية، وإلغاء بعض الفئات الصغيرة جداً. التضخم الذي تجاوز 6500 في المئة على صعيد تراكمي منذ بدء الانهيار "أكل" الليرة. فانخفضت قيمة المئة ألف ليرة، وهي الفئة الأكبر الموضوعة في التداول، من حدود 67 دولاراً إلى دولاراً واحداً فقط. الأمر الذي لم يسبب الإرباك في عمليات حمل النقود والدفع، والنقل والتخزين، إنما ايضاً رفع كلفة طباعة الأوراق النقدية بشكل هائل وفوت على مصرف لبنان تحقيق ربحاً اقتصادياً من "رسوم سك العملة" وهو الفرق بين قيمة النقود وكلفة انتاجها.
بالتوازي مع فقدان العملة لقيمتها، تقدم النائب زياد حواط باقتراح قانون قبل نحو عامين لتعديل المواد 3 إلى 8 من قانون النقد والتسليف، المتصلة بالنقد. وتمحور القانون حول 4 مفاصل:
- إلغاء القروش والسنتيمات، المادة (3).
- الإجازة بإصدار أوراق نقدية من فئات أعلى قيمة من تلك المتداولة حالياً، على أن تقوم السلطات المالية والنقدية بإصدارها ووضعها قيد التداول تباعاً بحسب الحاجة وبما يؤمن الاستقرار النقدي. ذلك مع الإشارة إلى أن أعلى فئة نقدية قيمة مقترحة خمسة ملايين ليرة ويبقى بإمكان السلطات النقدية تأجيل إصدار هذه الفئة من النقد إلى مرحلة لاحقة- تعديل المادة (5).
- الإجازة بإصدار قطع معدنية بقيمة أعلى من تلك المتداولة، كون العملة المعدنية غالباً ما تستعمل في العديد من الحالات كمثلاً عدادات مواقف السيارات أو ماكينات توزيع المشروبات وسواها من التطبيقات، ناهيك عن أنها غير معرضة للتلف والاستبدال كمثيلاتها الورقية من ذات الفئة - تعديل المادتين 4 - ب ( 6).
- تعديل القوة الإبرائية لكل فئة من النقد بما يتناسب مع قيمتها الفعلية - تعديل المادتين (7 و 8).
إصدار عملة من فئات مختلفة
اللجان النيابية المشتركة ناقشت اقتراح القانون وأدخلت عليه بعض التعديلات في أيار 2023، وابرزها "السماح لمصرف لبنان بإصدار أوراق نقدية أو معدنية من فئات مختلفة".
حرص النواب آنذاك على أن يحافظ هذا الاصدار على حجم الكتلة النقدية بالليرة بحدود التسعين أو أربع وتسعون ألف مليار ليرة، مع العلم ان الكتلة انخفضت في العام 2024 إلى حدود 55 الف مليار ليرة بعد توقف مصرف لبنان عن طباعة الليرات. كما حرصوا ان يبقى الترخيص لمصرف لبنان بإصدار النقد خاضعاً لوصاية ورقابة وزارة المالية.
الفئات الكبيرة ودولرة الاقتصاد
حرص المشرعين القانوني على الصلاحيات والوضع الاقتصادي العام قد يكون مفهوماً، إلا أن أكثر ما يلفت الانتباه هو اعتقادهم أن "اصدار الفئات الكبيرة يحد من دولرة الاقتصاد الوطني"، وتخوفهم من "المزيد من التضخم، خاصة بغياب أية دراسة تتناول هذا الاصدار،على الاقتصاد بشكل عام"، كما ورد في محضر اجتماع اللجان المشتركة.
في العادة، إصدار فئات كبيرة من العملة أي (زيادة الأصفار) أو تصغير الفئات (شطب الأصفار) تعني الاستعداد لمزيد من التضخم وفقدان العملات لقيمتها سريعاً. وبعض الدول مثل زيمبابوي اضطرت لطباعة ورقة 100 تريليون دولار محلي، من أجل مواكبة التضخم وانهيار سعر الصرف، وظلت هذه الورقة الأكبر المسجلة بتاريخ إصدار النقود، لا تساوي أكثر من 40 سنتاً أميركياً. فيما حذفت فنزويلا في غضون 13 عاماً، 14 صفراً من عملتها "البوليفار"، على 3 مراحل. ومع هذا بقيت القيمة الشرائية للبوليفار لا تساوي شيئاً. إلا أنه "خلافاً لكل من دولتي زيمبابوي وفنزويلا اللتين غيرتا عملتهما في عز الانهيار واستمرار التضخم والانهيار، فإن الوضع النقدي في لبنان بات مستقرا منذ أكثر من عامين"، تقول الباحثة في الاقتصاد النقدي الدكتورة ليال منصور. و"بالتالي ليست طباعة النقود بفئات أكبر هي ما تسبب فقدان العملة لقيمتها الشرائية، إنما استمرار التضخم هو ما يفقد العملة قوتها".
اصلاح نقدي
تكبير فئات العملة الوطنية بالحالة اللبنانية عملية تعرف بـ "الإصلاح النقدي" من وجهة نظر منصور، الهدف منها تسهيل أمور المواطنين اليومية، وتخفيف عنهم حمل مبالغ نقدية كبيرة جدا لشراء أبسط الحاجات، وتجنيبهم مخاطر السرقة وضياع الأموال والتزوير والإرباك. ولن تؤدي طباعة الفئات الكبيرة إلى تعزيز الاقتصادي النقدي ولا التخفيف من الدولرة. فاساساً نسبة الدولرة بالاقتصاد كانت أكثر من 70 في المئة أيام ما "كانت الليرة تحكي"، وهي اليوم بحدود 97 في المئة. أما الاعتقاد بان الفئات الكبيرة ستزيد من الاقتصاد النقدي نتيجة تسهيل المبادلات بالعملة الوطنية، فهو خاطئ من وجهة نظر منصور "كون الاقتصاد النقدي توسع إلى حده الاقصى قبل طباعة أي فئات كبيرة من العملة الوطنية. وتبعاً لمبدأ "السببية" أي العلاقة بين السبب وتأثيره فان شيوع الاقتصاد النقدي وارتفاع التضخم حدثا قبل أي تكبير لفئات العملة". ومن هنا تؤكد منصور أن "الفئات الجديدة الأكبر من العملة الوطنية لن يكون لها أي تأثير سلبي على التضخم أو الاقتصاد النقدي، إنما العكس فإن ايجابياتها ستكون بتسهيل أمور المواطنين الحياتية".
التوفير في سك العملة
من الإيجابيات غير الملحوظة لتكبير فئات العملة هي تخفيض التكاليف. تكلفة طباعة الورقة النقدية تقدر بحوالي 4.7 سنتا أي ما يقارب 3600 ليرة. وعليه فان طباعة أي ورقة نقدية تقل عن فئة 5000 ليرة مكلفة وغير مبررة للدولة. وكلما زدنا فئة العملة المطبوعة كلما حققنا ربحاً أكبر من عملية سك النقود.
النقاش حول الليرة اللبنانية وتأثيرها على الاقتصاد سواء كبرنا فئاتها أو ابقيناها كما هي تشبه إلى حد ما المثل الذي يقول "الجنازة حامية، والميت نكرة. الليرة "ماتت"، تقول منصور، و"لا من شيء سيعيد قتلها من جديد أو حتى إحيائها. وما تكبير الفئات إلا كمن يزين مقبرة الليرة بالورود. والحل الوحيد للخروج من دوامة الانهيار النقدي يبقى برأي منصور تغيير نظام سعر الصرف.