قليلون هم السائقون العموميون الذين التزموا تعرفة النّقل الجديدة. حجّتهم في "العمق" أنّها غير منصفة ولا تعوّض كلفة الخدمة، التي أصبحت أعلى ممّا كانت عليه قبل الأزمة. أمّا ردّة فعلهم الأولى، لدى تجرّؤ الراكب على تسديد الثمن بحسب التسعيرة الرسمية، فغالباً ما تكون عبارة من قبيل: "خلّي الوزير يطلعك"، كأنّها كلمة سرّ وحّدتها النّقمة على الدولة وعدم الرضى عن كلّ الإجراءات النظامية.

أسبوع مرّ على تحديد وزارة الأشغال العامّة والنّقل قيمة تعرفة النّقل للسيارات والباصات، ولا يزال السائقون يجهدون لنقضها. يشكّلون الوفود للتواصل مع النقابات المسؤولة، ويحاولون استغلال الفوضى وعدم المراقبة والمحاسبة للتملّص من تطبيق التعرفة الجديدة على أرض الواقع. فالتعرفة الجديدة خفّضت أجرة "السرفيس" ضمن مدينة بيروت إلى 150 ألف ليرة، بعدما كان السائقون يتقاضون "مزاجياً" بين 200 و250 ألفاً. أمّا تعرفة التاكسي، فقد حدّدتها الوزارة ضمن بيروت بـ 600 ألف ليرة، وبقيمة تراوح بين مليون و200 ألف ومليونين و880 ألف ليرة بين المناطق، تبعاً للمسافة المقطوعة، فيما كان السائقون لا يقبلون بأقلّ من مليون ليرة للتاكسي ضمن بيروت، وتتجاوز التسعيرة 4 ملايين ليرة بين المحافظات. وبناء على ذلك تراجعت تعرفة السرفيس والتاكسي بنسبة تراوح بين 33 و40 في المئة، وكان من الطبيعي أن تثير حفيظة السائقين.

رفضُ السائقين للتعرفة رفضاً شبه قاطع، أوقع النقابات بين حجرَيْ رحى

التعرفة الجديدة عادلة، ولكن…

بالعودة إلى ما قبل الانهيار في تشرين الأول 2019، كانت تعرفة السرفيس 2000 ليرة، تعادل 1.3 دولار على سعر الصرف البائد، 1500 ليرة. وكانت هذه التعرفة تغطّي نفقات السائقين ولا سيّما البنزين وصيانة السيارات. وعلى الرّغم من تخفيض التعرفة، اليوم، إلى 150 ألف ليرة فقد بقيت أعلى بـ 31 ألف ليرة أو 34 سنتاً ممّا كانت عليه قبل الأزمة.

في المقابل، فإنّ بدل النّقل الذي يتقاضاه العمّال تراجع بنسبة 6 في المئة. فانخفض بالعملة الأجنبية من 5.32، كانت تعادل 8000 ليرة، إلى 5 دولارات راهناً بالتمام والكمال. فلماذا هذا الاعتراض على التعرفة؟

يجيب رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية في لبنان مروان فياض: "لأنّ أسعار مختلف الاشتراكات والسلع والخدمات ارتفعت علينا كسائقين ومواطنين بالليرة والدولار بنسب أعلى بكثير مما كانت عليه قبل الانهيار". ويعطي فياض بعض الأمثلة:

- ارتفعت قيمة الاشتراكات الشهرية للضمان الاجتماعي إلى 5 ملايين ليرة، ندفعها من دون مقابل. فنسبة تغطية الضمان الاجتماعي لا تتجاوز 30 في المئة على الكثير من الأعمال الطبّية وتغطية أسعار الأدوية. فيضطر السائق إلى دفع الفرق من جيبه الخاص، بالدولار أو ما يعادله بالليرة اللبنانية على سعر صرف 90 ألف ليرة. فيما كانت تصل تغطية الضمان في الماضي إلى 90 في المئة.

- ارتفعت قيمة التأمين الإلزامي إلى أكثر من 10 ملايين ليرة، تعادل حوالى 120 دولاراً.

- ارتفعت كلفة رسوم الميكانيك، وفرض ملصق بقيمة مليون ليرة، ويُحمّل السائقون غرامات تأخير الدفع برغم إقفال مصالح تسجيل السيارات وعرقلة المعاملات.

- زادت أسعار قطع الغيار والزيوت والدواليب بالدولار بنسبة تتراوح بين 20 و30 في المئة، وترتفع عن هذه النّسب بالنسبة للعديد من القطع غير المتوفّرة في السوق المحلية.

- ارتفعت أسعار كهرباء الدولة والاشتراك بالدولار بنسبة كبيرة جداً. إذ ارتفع سعر الكيلوواط ساعة من متوسط 80 ليرة إلى ما بين 9000 و24000 ألف ليرة، فيما يصل اشتراك المولّد الخاص إلى 9 ملايين ليرة لعدّاد 5 أمبير.

- زادت أسعار السلع والمواد الغذائية بالدولار عما كانت عليه قبل الانهيار، وهذا يبرز واضحاً من خلال الزيادة الشهرية للأسعار بنسبة وصلت إلى 80 في المئة برغم الاستقرار في سعر صرف الدولار منذ آذار 2023.

- عادت أقساط المدارس والجامعات إلى ما كانت عليه قبل الانهيار، إن لم يكن أعلى!

- تراجع عدد الركاب بشكل ملحوظ ممّا يرفع تكلفة الرحلة داخل بيروت، وبينها بين المناطق خصوصاً بالنّسبة إلى الباصات.

- لم يحصل السائقون العموميون على ما وعدوا به مراراً وتكراراً من بطاقات دعم غذائية ودعم على المحروقات.

- غياب مكافحة اللوحات المزورة والبيضاء والسائقين غير القانونيين، وشركات النقل عبر التطبيقات... التي تنافس السائق اللبناني وتؤدّي إلى تراجع مدخوله بنسبة كبيرة.

إزاء كلّ هذا الغلاء، وبناء على حسابات الكلفة، يتقاضى السائقون التعرفة بـ النقطة"، ويدفعون التكاليف بـ"المزراب". وعليه، "يجب أن تكون تعرفة السرفيس داخل بيروت 200 ألف ليرة، والتاكسي 800 ألف"، يقول فياض. وهذا ما لا تأخذه تعرفة النقل في الاعتبار.

التعرفة قابلة للتعديل؟

التعرفة غير المرضي عنها على نطاق واسع، تشمل 34 ألف سيارة عمومية شرعية، و 2500 باص من الحجم الكبير، و4000 ميني باص. "وتمّ تنسيقها مع كلّ الاتحادات والنقابات"، بحسب تصريح وزير الأشغال العامّة والنّقل عليّ حمية عقب إقرارها. وقد بُنيت على التوازن بين حقوق السائقين ومعيشتهم من جهة، ومداخيل المواطنين والمقيمين من جهة أخرى. وبدوره، شدّد رئيس اتحادات وقطاعات النقل البري في لبنان بسام طليس على ضرورة الالتزام بالتسعيرة الجديدة الصادرة عن وزير الأشغال العامة والنقل الدكتور علي حمية إلى حين تعديلها. "فبعد مرور خمس سنوات على عدم صدور التّعرفة، من الطبيعي جدّاً أن يشوب بعض جداولها شيء من الخطأ في المسافات والأسعار والأرقام. وهذه التعرفة الجديدة ليست قرآناً أو إنجيلاً منزليْن، وبالتالي كلّ شيء قابل للحوار والتعديل".

رفضُ السائقين للتعرفة رفضاً شبه قاطع، أوقع النقابات بين حجرَيْ رحى "عدم كسر كلمة الوزير" وعدم خسارة السائقين، فأتى الحلّ "قبّة باط" تسمح للمعترضين باستمرار تقاضي التعرفة القديمة. ففي النهاية "من يسأل؟".