إن كانَ واضحاً اعتبار الرّاحل صباح فخري (1933 - 2021) هو أبرز فنان في تاريخ سوريا بالإضافة لفريد الأطرش الذي اكتسبَ شهرتهُ في مصر (1917 - 1974)، ومن بعدِهما يأتي جورج وسوف، ولا نغفل فهد بلان وفؤاد غازي وشادي جميل ونور مهنا والياس كرم، لكنّ السّؤالَ لا يزالُ مستمراً عن هويّة "فنانة سوريا الأولى"، ويكادُ هذا السّؤال لا يمرُ لقاءٌ تلفزيوني لممثّلٍ أو مغني سوري، إلاّ ويُسالُ عنهُ!

لكنّ، المقارنة بين المغنيات السّوريّات البارزات، هي مقارنة بين أجيالٍ مختلفةٍ من الأصوات، فأسمهان شقيقة فريد الأطرش، ولِدَت عام 1912 وتوفيت عام 1944 في عزِِ عطائها الفنّي، بينما فايزة أحمد ولِدَت عام 1934 وتوفيت عام 1983، أمّا ميادة الحناوي فهيَ مواليد 1959، مع أنّ البعض يعتقدُ أنّها أكبرَ سناً، بينما أصالة مواليد 1969. أي أنهُ لا يوجد عقدٌ مشتركٌ بين وجود أي فنانة وأُخرى، بشكلٍ خاص حينَ تصلُ المغنية لفترةِ احترافِها وذروةِ عطائها، في كلِ مرحلة اسمٌ أوحد تقريباً.

بالإضافةِ لذلك، لا يوجد هويّة للأغنيّة السّوريّة النّسائيّة، على عكسِ "القدود" التي غنّاها الرّجال وأبرزهم صباح فخري، والأغنية الشّعبيّة لفهد بلان ثمّ فؤاد غازي وفي العقدين الآخيرين قدّمها أُذينة العلي ووفيق حبيب وحسام جنيد وغيرهم من فناني "اللون الشعبي"، مع اختلاف الأنماط ضمنَ اللون الشعبي نفسه، حتّى أنّ جورج الوسوف الذي عُرِفَ بغنائه اللهجةِ المصريّة، خطّ مشواره الفني بغناءِ اللهجةِ الشاميّة مثل "ماما يا ماما" و"يا ريت عنّا كوخ"، ليتماهى مع لهجته الأصليّة ويُشبهُ نشأتهُ الأولى في مسقط رأسه "كفرون" (طرطوس).


إذاً على عكس الفنانين السّوريين الرّجال، الفنانات السّوريات اللواتي يشتهرنَ عربياً، لم يقدّمنَ الأغنية السّوريّة، ما عدا الشعبي منهُ، الذي يرتبط بنوعيّة مغنيات مثل فريحة العبدالله وسارية السواس وريم السواس، اللواتي يتموضعنَ خارجَ دائرةِ المقارنة مع صاحبات الأصوات الطربيّة الجميلة.

ما عدا ذلك، هناك تجارب لم تكتمل تماماً، لفنانات سوريات قدّمن "محاولات" في الأغنية السوريّة، مثل أمل عرفة، التي لو استمرتْ بمشوارِها في الغناء، لتوِّجَتْ "المغنية السّوريّة الأولى"، لأنّها قدّمت لوناً سورياً موسيقياً، يخرجُ من عباءةِ والدِها الموسيقار سهيل عرفة، لكنّها اكتفتْ بتألقها كممثّلة، وتراجعتْ خطاها كمغنيّة عن سابقِ إصرارٍ منها.


أمّا التجربة الثّانية فلميادة بسيليس (1967 - 2021)، لكنّ الراحلة ميادة، لم تحظَ بالشهرةِ العربيّة الكافية.


بالإضافةِ لمحاولات لـ لينا شاماميان وليندا بيطار وفايا يونان وغيرهن، اللواتي ارتبطنَ بأغنية نسائيّة سوريّة غير مكتملة الملامح، على عكسِ القدود التي تقتصر على الرّجل.

لم تحظَ أيُ فنانة سوريّة بالشّهرة والإنتشار، إلّا من بوابات بلدانٍ عربيّة أُخرى، ترتبطُ بتقديمِ اللهجة المصريّة (أسمهان وفايزة أحمد وميادة الحناوي وأصالة نصري وربى الجمال)، أو التركيز على الأغنية اللبنانية، كرويدا عطية التي تعتكفُ عن الغناء منذُ أربع سنوات، ورغمَ ذلك يستمرُ السّؤال: مَن هي فنانة سوريا الأولى؟ وتُحصَر الاحتمالات بميادة الحناوي وأصالة نصري، رغمَ اختلاف الأجيال، وقد يُضافُ إليها أسماءٌ أُخرى كرويدا عطية وشهد برمدا وفايا يونان من منطلق تنويع الاحتمالات.

لكن ما هوَ أكيد أنّ الساحة الغنائيّة السّوريّة رغم مشاكل الإنتاج المحليّة وهويّة الأغنية النسائيّة، تعجُ بأصواتٍ قد لا تُعدُ ولا تُحصى من ناحيةِ الجَمال والتألّق والتنوّع. أسمهان، فايزة أحمد، ربى الجمال، ميادة الحناوي، أصالة نصري، أمل عرفة، ميادة بسيليس، هويدا يوسف، رويدا عطية، عبير فضة، نورا رحال، بتول البني، سهر أبو شروف، كنانة القصير، هالة القصير، حنين القصير، شهد برمدا، سارة فرح، فرح يوسف، ناديا منفوخ، ريم مهرات، نانسي زعبلاوي، وعد البحري... أصواتٌ جميلة، استطاعَ البعض منها أن يلمعَ عربياً وأُخريات لم يحظينَ إلّا بشهرةٍ سوريّةٍ محليّة، لكن تُستحضر بعض هذه الأسماء ما إن تمّ السّؤال عن أجمل الأصوات النسائيّة العربيّة بالمُطلَق، هنا تسقطُ المقارنات، ويُمجّدُ الإصغاء لـ الصوت الجميل بصرف النظر عن آليات الإنتاج وهوية الأغنية السوريّة النسائيّة.