"فن الحرب" هو الكتاب الأقدم في العالم الذي يحاكي فلسفة الاستراتيجيات العسكرية، كتبه الجنرال والفيلسوف الصيني سن تزو الذي ولد عام 551 قبل الميلاد وتوفي عام 496 قبل الميلاد. يعد الكتاب من أقدم وأهم الأعمال في الفلسفة العسكرية التي يمكن تطبيقها ليس فقط في الحروب، ولكن أيضاً في الحياة اليومية التي تشمل التخطيط والإدارة والتنظيم والقيادة.

الخلفية التاريخية

سن تزو كان جنرالاً وخبيراً وفيلسوفاً عسكرياً في الفترة التي كانت الصين فيها مجزأة إلى أكثر من 130 دويلة متناحرة. عايش سن تزو تلك الحروب التي كانت مستمرة بين هذه الدويلات، حتى ظهرت في النهاية خمس ممالك قوية تنازعت في ما بينها على السلطة.

كتب سن تزو كتابه "فن الحرب" بناءً على تجاربه العسكرية التي زادت من خبرته، حيث سعى من خلاله إلى توفير دليل شامل يمكن للقادة العسكريين استخدامه لتحسين استراتيجياتهم ولتحقيق النصر بأقل خسائر ممكنة.

هذا الكتاب عبارة عن أطروحة عسكرية تقع في 13 فصلاً، كل فصل منها يتناول جانباً معيناً من الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية من فنون الحرب والسلم، يمكن تلخيصها بما يلي:

1- وضع الخطط: يتناول أهمية تقدير الموقف بالتخطيط المسبق والتقييم الدقيق للوضع العام بعد تحليل ودراسة مسار التطورات على اختلاف أنواعها لمعرفة قدرات الذات وقدرات العدو، وذلك قبل الشروع في أي عمل عسكري.

2- شن الحرب: يتناول كيفية التحضير للحرب بتجهيز الجيش والقوى المولجة تنفيذ المهمات بأدق تفاصيلها، مع تقديم دراسة مفصلة تتعلق باللوجستية من موارد وإمدادات وغيرها.

3- الهجوم المخادع: وهو هجوم استراتيجي يرتكز على عنصر المفاجأة، يتناول دراسة استراتيجية أساسية مع تحضير عدّة استراتيجيات بديلة يمكن تنفيذها على أرض الواقع، بهدف تحقيق النصر الحاسم بأسرع وقت وبأقل خسائر.

4- المناورات التكتيكية: دراسة تحركات الجيوش المتحاربة بهدف اتخاذ المواقع المناسبة في المعركة والاستفادة من التضاريس في الميدان من أجل اقتناص فرصة لإضعاف العدو.

5- القوة العسكرية الاستراتيجية: هي القوة التي يجب:

- استخدامها كقوة فعّالة والاستفادة من نقاط قوة الصديق ونقاط ضعف العدو في المعركة، من أجل تحقيق التفوق للوصول الى النصر الساحق.

- تحضيرها لتحمل وطأة أي هجوم محتمل للعدو بهدف صدّه.

- تنفيذ خطط الهجوم المعاكس المحضّرة بعد دراسة الموقف.

6- نقاط القوة ونقاط الضعف: دراسة معمقة عن نقاط القوة ونقاط الضعف للصديق كما للعدو، وكيفية استغلال نقاط ضعف العدو والتخفيف من نقاط الضعف الخاصة بالصديق.

 في عصرنا هذا، استمدّ العلم العسكري والإداري الحديث هذه الدراسة التي يمكن تلخيصها بأربع نقاط أساسية، وهي الـ SWOT analysis:

- Strengths، نقاط القوة

- Weaknesses، نقاط الضعف

- Opportunities، الفرص

- Threats، التهديدات

7- المناورة: هي عبارة عن تنفيذ تكتيكات تتطلب إتقان الخداع والمراوغة بذكاء ورويّة لتحقيق ميزة استراتيجية، إن المناورة بشكل عام تتطلب من القائد أن يكون مخادعاً ومراوغاً من أجل تحقيق النصر.

8- تنوع التكتيكات الحربية: أهمية تكيّف القائد مع الظروف حسب المتغيرات على ساحة المعركة، فعليه، أي القائد، أن يعرف كيف يتعامل مع قواته لتوظيفها وتحريكها بأفضل طريقة من أجل تحويلها إلى عنصر قوة إضافي تساعد في تحقيق النصر.

9- التحرك بالجيش أو القوى: أهمية التحرك السريع لتنفيذ الاستراتيجية العسكرية الموحدة المرتبطة بالتنقل للدمج والجمع بين القوى العسكرية على مسرح العمليات.

10- التضاريس: دراسة ساحة المعركة بكلّ تفاصيل تضاريسها الجغرافية الصغيرة منها والكبيرة، وأهمية فهمها من فلكية ومناخية ومصادر مياهها العذبة ومحيطاتها وبحارها وتربتها وأشكالها، من ارتفاعاتها وسهولها وجبالها ووديانها وغيرها، وذلك بهدف تحقيق تفوق استراتيجي يساعد على تحقيق النصر.

11- الأوضاع التسع للأرض: عرّف سن تزو أنواع الأرض بـ 9 أنواع، وهي:

- المُشَتِتة، وهي عبارة عن ساحة معركة قريبة من منازل الجنود، يمكن أن يتشتت الجنود للذهاب الى منازلهم أو بلداتهم.

- السهلة، وهي عبارة عن أرض احتلها القائد ويمكن الانسحاب منها بسهولة.

- الشاقة، التي تستحق مشقّة الاستيلاء عليها، وهي ذات منفعة استراتيجية تساعد في تحقيق النصر، على سبيل المثال لا الحصر، الممرات والمسالك الاجبارية التي سيستعملها العدو.

- المفتوحة، وهي التي تساعد القوى على التحرك فيها بسهولة، تدعمها شبكة طرق متصلة بعضها ببعض.

- المتقاطعة، وهي عبارة عن تقاطعات الطرق التي تشكل نقاط وصول الى محاور عدّة من أجل الدعم العام العسكري واللوجستي.

- الخطيرة، وهي التي تتغلغل فيها القوى داخل أرض العدو، تاركةً بعض المدن والبلدات الحصينة وراءها دون احتلالها أو إضعاف قوات العدو فيها.

- الصعبة، الأراضي التي يصعب عبورها، كالغابات والأجراف الوعرة والمستنقعات العميقة والضحلة.

- المحاطة، وهي عبارة عن مسالك لا يمكن الوصول إليها إلّا عبر ممرّات ضيقة، ولا يمكن الانسحاب منها إلّا عبر مسالك غير آمنة.

- الميؤوس منها، وهي عبارة عن ساحة ميدان لا يمكن النجاة منها سوى عبر القتال الشامل.

باختصار، إنّ السرعة هي جوهر الحرب، وعنصر المفاجأة هو أداة النصر. يجب على القائد الاستفادة من عدم استعداد عدوه ومفاجأته لضربه وإضعافه لتحقيق النصر.

12- الهجوم بالنار: وهو عبارة عن إدارة الهجمات بالنار بتنفيذ 5 عمليات أساسية على الأقلّ للمساعدة في تحقيق النصر، وهي (في وقتنا هذا):

- قصف جنود العدو في معسكراتهم.

- قصف مخازن العدو (ذخيرة ومؤونة ووقود وغيرها).

- قصف وسائل الاتصال ووسائل النقل ومسالك الإمدادات اللوجستية التي يمكن أن يستعملها العدو.

- قصف مدفعية العدو وسلاحه.

- قصف العدو في ساحات الميدان.

وبالمقابل على القائد حماية قواته من هجمات العدوّ المحتملة التي يمكن أن يستعملها.

13- استخدام الجواسيس: بالرغم من التقدّم التكنولوجي والتقنيات العالية في الجيوش الحديثة، فلا شيء يعادل معلومة واحدة سرّبها عميل من أرض المعركة.

لذلك، يجب على القائد الاعتماد أيضاً على جمع وتحليل ومعالجة المعلومات من أجل تسهيل عملية اتخاذ القرار الصحيح في استراتيجيته.

فلسفة كتاب "فن الحرب"

الفلسفة الأساسية في كتاب "فن الحرب" تظهر وجوب الاعتماد على العقلانية والتحليل الدقيق والحكمة في اتخاذ القرارات والتأقلم مع الظروف المتغيّرة. يشدّد سن تزو على أهمية معرفة الذات ومعرفة العدو، ومما قاله: "إذا عرفت نفسك وعرفت عدوك، فلن تُهزم في مئة معركة".

تأثير الكتاب في العالم

لم يكن تأثير كتاب "فن الحرب" محصوراً في الصين القديمة فقط، فقد ترجم الكتاب عبر العصور إلى العديد من اللغات، وتأثر به العديد من القادة العسكريين والفلاسفة حول العالم.

في عصرنا هذا، أصبحت استراتيجيات سن تزو التي كتبت منذ أكثر من 2500 سنة، موضع اهتمام كبير في مجالات غير عسكرية أيضاً، على سبيل المثال لا الحصر، في مجالات إدارة الأعمال وفن السياسة، حيث أنّ السياسيين والدبلوماسيين يجدون في كتاب "فن الحرب" دروساً قيّمة حول كيفية التعامل مع العلاقات الدولية والتفاوض وإدارة الأزمات، بالإضافة الى المبادئ المتعلّقة بالخداع والمناورة التي يمكن أن تكون الأساس في التفاوض السياسي والدبلوماسي، حيث تساعد حكماً في تحقيق الأهداف بدون اللجوء إلى النزاع المباشر.

في الختام، يبقى كتاب "فن الحرب" لسن تزو واحداً من أهم الأعمال الأدبية في الاستراتيجيات والفلسفات العسكرية والمدنية.

 تعكس فصول هذا الكتاب الفهم العميق للطبيعة البشرية والصراعات التقليدية، مما يجعله مرجعاً أساسياً يتجاوز الزمن ليصبح أداة قيّمة في العديد من مجالات الحياة المختلفة.

 "فن الحرب" ليس مجرد كتاب عن الحرب، بل هو دليل شامل للاستراتيجيات يمكن تطبيقه لتحقيق النجاح في العديد من المجالات.