لا تزال أنظار العالم متجهة إلى طهران في محاولة لرصد الموقف الإيراني واحتمالات تغيّره أو تبدّله بعد حادثة مقتل الرئيس ابراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان في تحطم طائرته في محافظة أذربيجان. فبغضّ النّظر عمّا إذا كانت العوامل الطبيعية أو غيرها، والتي سيكشفها التحقيق الإيراني، فإنّ السياسة الإيرانية إزاء لبنان وفلسطين والمنطقة لن تخضع لأيّ تغيير. إذ تقول مصادر لبنانية وإيرانية واسعة الاطّلاع على الموقف الإيراني إنّ طهران استوعبت الحادثة منذ لحظة وقوعها وبدأت الآليات الدستورية العمل تحضيراً لانتخاب رئيس جديد في 28 حزيران المقبل. ومن المنتظر، حسب تجارب سابقة مماثلة، أن يكون الرئيس الجديد منتمياً الى التيار المحافظ، لأنّ المناخ السائد في إيران بعد غياب رئيسي هو المناخ نفسه الذي ساد إثر اغتيال الرئيس الإيراني السابق محمد علي رجائي يوم كان الإمام الخميني المرشد الأعلى للجمهورية الاسلامية الإيرانية. فبعد اغتيال رجائي تعاطف الشعب الإيراني بشدّة مع التيار المحافظ، وانتُخب السيد علي خامنئي المرشد الحالي للجمهورية الإسلامية رئيساً للجمهورية خلفاً له يومذاك، قبل أن ينتخبه مجلس خبراء القيادة مرشداً للجمهورية بعد وفاة الإمام الخميني في مطلع حزيران عام 1989. واليوم، يستعدّ الإيرانيون لانتخاب رئيس من المحافظين خلفاً لرئيسي، وينتظر أن يكون رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الحالي محمد باقر قاليباف القريب من خامنئي، وسيحلّ مكانه في رئاسة مجلس الشورى وزير الخارجية السابق منوشهر متكي، المقرّب أيضاً من خامنئي. أمّا من سيحلّ في وزارة الخارجية مكان الوزير الراحل حسين أمير عبد اللحيان فسيكون علي باقري كني المكلّف حاليّاً مهمة وزير الخارجية بالوكالة، وهو أيضاً من التيار المحافظ.

ومعروف في إيران أنّه عند انتخاب كلّ من رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة جديدة يكون للمرشد الأعلى رأي مؤثر في عملية انتخاب الرئيس، وله صلاحية تسمية أربعة وزراء في الحكومة، هم وزراء الخارجية والأمن (وزير الداخلية) والنفط والمال. ففي كلّ حكومة تشكّل يكون للمرشد رأيه في اختيار هؤلاء الوزراء الأربعة، لأنّ هذه الوزارات هي من الوزارات الحساسة التي تحتاج إلى عناية مباشرة من المرشد، لأهمّيتها في حياة البلاد السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية.

ليس متوقعاً أيّ تغييرات في الموقف الإيراني من قضايا لبنان وفلسطين والمنطقة

وتؤكّد المصادر أن غياب رئيسي الذي كان مرشحاً أو مرجحاً أن يخلف السيد خامنئي في مركز المرشد، لن يؤثّر في موضوع خلافة خامنئي البالغ من العمر 85 عاماً، فهو، على ما تقول المصادر الايرانية، شفي من المرض الذي كان يعانيه، ولم يعد مطروحاً الآن أمر من سيخلفه. وإن طرح فبالتأكيد لن يخلفه نجله مجتبى خامنئي كما يردّد البعض، لأن ليس هناك توريث في هذا المركز، فتعيين المرشد في إيران يتمّ من خلال انتخاب في مجلس خبراء القيادة، بحيث يُنتخب من يراه المجلس مؤهّلاً بكلّ المواصفات والمعايير المطلوبة لتولي هذا المركز الحساس الأساسي فقهياً وسياسياً في الجمهورية الإسلامية. فالسيد خامنئي تولّى مركز المرشد بعد وفاة الإمام الخميني، وكان الأمر انتخاباً في مجلس خبراء القيادة وليس توريثا؟ ولو كان في الأمر توريث لعيّن الإمام الخميني نجله أحمد الخميني في أيامه، أو بوصية تُفتح وتُقرأ على عامة الشعب بعد وفاته. فالتوريث في مركز المرشد ليس منصوصاً عنه في الدستور الإيراني وليس ثمة أعراف في شأنه أيضاً، علماً أنّ محاولات توريث السلطة في عدد من دول المنطقة كانت، ولا تزال، السبب في حصول كثير من الثورات والاضطرابات، فكيف لإيران أن تقع في محظور من هذا النوع؟ تسأل المصادر الإيرانية المطلعة.

وتأسيساً على ذلك، وأياً كانت نتيجة التحقيق في حادثة مقتل الرئيس الإيراني ورفاقه، والمرجّح إيرانياً حتّى الآن أنّ العوامل الجوية هي التي أدت إلى تحطّم الطائرة، فليس متوقعاً أيّ تغييرات في الموقف الإيراني من قضايا لبنان وفلسطين والمنطقة، ولا حتّى على مستوى المفاوضات الجارية بين طهران وواشنطن عبر القناة العمانية وغيرها، حتّى أنّ هذا الموقف لن يتغيّر وإنْ ثبت وجود تورّط إسرائيلي أو سواه في حادثة تحطم طائرة رئيسي. وإن ثبت أنّ هذا التورط موجود فإنّه سيستدعي ردّاً إيرانياً جديداً على إسرائيل من شأنه أن يشعل المنطقة أكثر بكثير مما كان عليه الردّ الأخير على القصف الإسرائيلي للقنصلية الإيرانية في دمشق.