لا ريب أنّ جريمة اختطاف المسؤول عن قضاء جبيل في القوات اللبنانية باسكال سليمان وقتله، دفعت بقضية النزوح السوري إلى واجهة الأحدث السياسية في لبنان، وتصدّرت كلّ القضايا العالقة في هذا البلد. علمًا أنّ التيار الوطني الحرّ كان طليع المطالبين بتنظيم مختلف أوضاع النازحين السوريين إلى لبنان، تحديدًا من حيث الإقامة والعمل، كذلك من حيث التواصل مع السلطات السورية لإعادتهم إلى ديارهم، بعد نجاحها في إعادة بسط سلطة الدولة على المساحة الأوسع من الأراضي السورية.

بعد ذلك، جاءت الزيارة المشتركة للرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين لبيروت في الأسابيع الفائتة، لتحدث ضجةً كبيرةً إثر "العرض" الذي تقدّما به إلى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، وخلاصته زيادة "المساعدات المالية الأوروبية للبنان" من 180 مليون يورو سنويًا، عملًا بتوصيات مؤتمر بروكسل، الذي ينظّمه الإتحاد الأوروبي وبعض المنظمات الدولية والجمعيات المعنية "بإغاثة النازحين"، تحت شعار "دعم مستقبل سوريا والمنطقة"، إلى 250 مليونا. على مدى أربعة أعوامٍ مقابل إبقاء النازحين على الأراضي اللبنانية، وهذا ما دفع ميقاتي إلى المطالبة بعقد جلسةٍ نيابيةٍ لإيضاح تفاصيل هذا "العرض الأوروبي" غير المشروط بحسب تأكيده، فكان له ما أراد. عُقدت الجلسة، وكان أهمّ النتائج التي خرجت بها، توحيد الموقف اللبناني من ضرورة إعادة النازحين إلى وطنهم الأم سوريا.

كذلك سبق هذه الجلسة وتلاها أيضًا اتخاذ وزارة الداخلية والبلديات عبر الأجهزة الأمنية بعض الإجراءات القانونية في حقّ بعض السوريين واللبنانيين على السواء المخالفين لقوانين السير والعمل والإقامة... وهذا ما دفع بعدد من هؤلاء النازحين إلى العودة الطوعية إلى بلدهم، بحسب معلومات مصادر نيابيةٍ بارزةٍ وجهاتٍ رسميةٍ معنية.

في الوقت عينه، دفعت هذه الإجراءات إلى نزوح سوري جديد، ولكن داخلي هذه المرة، أي انتقال عدد من النازحين من منطقة لبنانية ذات طابع طائفي معيّن إلى منطقةٍ لبنانية أخرى من لونٍ طائفيٍ آخر. فأقلق ذلك مراجع نيابية وسياسية حليفة لدمشق، محذّرةً من تداعيات هذا النزوح على صيغة العيش الواحد في هذا البلد، وتالياً احتمال زعزعته.

في هذا الصدد، ينبّه مرجع سياسي ماروني قريب من دمشق من خطورة تجميع النازحين في عكار وطرابلس والمنية والبقاعين الأوسط والغربي، تلافيًا لإمكان استغلال أوضاعهم المعيشية القاسية، ومحاولة إقحامهم في "عمليات تصفية الحسابات الداخلية اللبنانية"، خصوصًا على الصعد الأمنية والسياسية والاجتماعية.

يبدي مرجع قريب من حزب الله تخوّفه من "تجميع النازحين في مناطق لبنانيةٍ محددةٍ من لونٍ مذهبيٍ محدّد، وإمكان تعرّضهم للاستغلال من التنظيمات المتطرّفة..."

في السياق نفسه، يبدي مرجع قريب من حزب الله تخوّفه من "تجميع النازحين في مناطق لبنانيةٍ محددةٍ من لونٍ مذهبيٍ محدّد، وإمكان تعرّضهم للاستغلال من التنظيمات المتطرّفة، خصوصًا إذا أساءت القوى الأمنية التصرّف مع هؤلاء النازحين المذكورين أخيرًا"، مؤكدًا أنّ "المعاملة غير اللائقة قد تدفعهم إلى العنف". ولا يرى المرجع المذكور في الأفق القريب قرارًا يقضي بعودة النازحين إلى بلدهم، مشدّدًا على ضرورة تواصل الحكومتين اللبنانية والسورية لحلّ قضية "النزوح"، وأمّا بغير ذلك فلا حلّ لها"، بحسب رأيه. ويثني على "توحيد الموقف اللبناني في مجلس النواب الداعي إلى إعادة النازحين إلى ديارهم"، داعيًا جميع الأطراف اللبنانيين إلى ممارسة الضغوط المطلوبة على الأوروبيين وسواهم من المسؤولين عن أزمة "النزوح" حتّى تحقيق عودة النازحين المرتجاة إلى أرضهم، بما في ذلك "فتح البحر" أمامهم في اتجاه الدول الأوربية، عندئذ يأتون إلينا صاغرين"، على حد تعبيره.

هنا، تخالف مصادر رسمية معنية بإغاثة النازحين السوريين هذا الرأي، أي (فتح البحر)، سائلةً: "هل هناك مصلحة لبنانية تتحقق بإطلاق صراعٍ وعداوة مع المجتمع الدولي؟"، مؤكدًة أنّ "الدولة لا يمكن أن تقارب الحلول لأيّ قضيةٍ أو أزمة تواجهها، إلّا من خلال القوانين والأعراف السائدة في التعامل بين الدول، أي ألّا يتوقف لبنان عن حمل قضية "النزوح"، وعرضها على المحافل الدولية، والمطالبة الدائمة بإيجادٍ حلٍّ لها، على أن تعيّن أيضًا الأجهزة المختصة أماكن النازحين وتجمعاتهم وتسعى إلى إحصائهم وتسجيل الزيجات والولادات لديهم، أي (الحصول على أكبر قدر من المعلومات عنهم)، كي تكون في متناول المعنيّين في أي محادثاتٍ ترمي إلى إنهاء أزمة اللجوء"، تختم هذه المصادر.

أمّا في ما يتصل بـ"تجميع النازحين"، فيلفت منسق "اللجنة المركزية لإعادة النازحين السوريين" في التيار الوطني الحر نقولا الشدراوي إلى أن "القوى الأمنية تعمل على تطبيق الإجراءات القانونية في حق المخالفين من النازحين في المناطق اللبنانية كافةٍ ومن دون إستثناء"، كمنع التعدّيات على الأملاك العامة والخاصة وإخلائها، كما حدث في مجمع "الواحة" في دده- الكورة"، كاشفًا أنّ نحو ثلث الذين أخلوا هذا المجمّع، عادوا إلى سوريا، وفقًا لمعلومات مراجع نيابية ورسمية"، كما ينقل الشدراوي. غير أنّ مصادر محلّية نفت صحة هذه المعلومات، لافتةً إلى أنّ "نازحي الواحة سابقًا" أصبحوا في الكورة".

ويوضح الشدرواي أنّ حقيقة "حركة النزوح الداخلي" في بعض المناطق كجبيل وكسروان، برزت بعد جريمة قتل باسكال سليمان، نتيجة ردود الأفعال على هذه الجريمة التي ارتكبها بعض السوريين..." يختم الشدراوي.

بناء على ما تقدم، يذكّر عضو مجلس الشعب السوري النائب محمد بشير الشربجي بـ "الذين ذهبوا إلى الحدود اللبنانية- السورية وهلّلوا للنزوح إلى لبنان وشجّعوا المواطنين السوريين على ذلك من دون أن يكون هناك أي داعٍ لترك أرضهم وديارهم، ولكن كان ينبغي من هذا التشجيع تكبير الأزمة السورية، واستخدام ورقة النزوح ضد دمشق وحلفائها".

ويقول: "أمّا اليوم فإنّ الجهات عينها التي شجعت على النزوح، وحقّق بعضها الثروات جراء هذه الأزمة، عبر بعض الجمعيات والمنظمات، تقوم، اليوم، بالتضييق على معيشة اللاجئين السوريين، الذين يسدّون النقص في اليد العاملة اللبنانية والأجنبية في مختلف قطاعات الإنتاج، وخصوصاً في القطاعين الزراعي والصناعي، وبعض المهن الحرة. هذا التضييق يأتي بدلًا من أن تبادر تلك الجهات إلى التواصل مع الحكومة السورية للتفاهم على حلٍ يفضي إلى عودة النازحين السوريين إلى وطنهم".

ويختم الشربجي: "قد يكون الانقسام السياسي في لبنان في شأن تفعيل العلاقات مع دمشق، هو السبب الكامن وراء تباطؤ الحكومة في اتخاذ القرار "بالتفعيل". وهنا أستحضر قول الشاعر القروي رشيد سليم الخوري : "سلام على كفر يوحّد بيننا/وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم".