في إطار فعاليات قمة "Choose France" التي تُعقد سنويًا في قصر فرساي، تُعلن فرنسا عن استقطابها المليارات من اليورو من الاستثمارات الدولية، على الرغم من التقلّبات الملحوظة في جاذبيتها للمستثمرين الدوليين، إذ تتفاوت الأعوام بين النمو والتراجع. في دورتها السابعة هذا العام، برزت مشاريع عدة، أهمّها وعد شركة مايكروسوفت بضخ استثمارات تقدّر بـ4 مليارات يورو في مجال الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الحديث عن إنشاء مصنع للأسمدة تكلفته 1.3 مليار يورو، واستثمار شركة أمازون بمبلغ 1.2 مليار يورو مقابل وعد بتوفير 3000 فرصة عمل، وتأسيس مصنع لتكرير النيكل يستولد 200 وظيفة بتكلفة 300 مليون يورو. في الإجمال، تصل الاستثمارات الموعودة لفرنسا إلى نحو 15 مليار يورو.
"ومع ذلك، خلف هذه الإعلانات التي تحظى بتغطية إعلامية واسعة، لم تتحسن الجاذبية العامة للبلاد". كتب سيلفان برسينجر من مكتب Asteres في دراسة بهذا الشأن. وعند النظر في هذه الفعاليات الكبيرة للاستثمار، نجد أن المفاجآت السيئة قد تتوالى في ظلّ صمت الإليزيه المدوّي. فعلى سبيل المثال، أعلنت شركة Del Monte الأميركية خلال القمة في العام 2018 عن خطط لإنشاء مصنع لتقطيع الفواكه الطازجة، لكنّه لم يُبصر النور قط. كذلك، تخلّت المجموعة الكورية SPC عن مشروع لإنتاج المعجنات الفرنسية في نورماندي.
على الرغم من ترحيب كثيرين بالمليارات التي وعد بها عمالقة التكنولوجيا، يعبّر خبراء مثل ستيفان رودر، الرئيس التنفيذي لشركة AI Builders، عن قلقهم بالقول: "الوسائل التي تنشرها مايكروسوفت للوجود في فرنسا مثيرة للإعجاب، وتنبئ بموقع مهيمن في السوق". ويضيفون أنّ فرنسا بحاجة إلى خدمات أكثر من الصادرات لتعزيز موازنتها التجارية.
ومع ذلك، يظل الإنتاج الصناعي في البلاد ثابتًا، والاستثمارات الأجنبية لا تسهم بقوة في إعادة دفع الصناعة، وهو الهدف الذي يردّده إيمانويل ماكرون دائمًا. "في أذار 2024، كان حجم الإنتاج الصناعي مماثلًا لما كان عليه في كانون الثاني 2010"، كما يلاحظ برسينجر. بعبارة أخرى، في 14 عامًا، لم تغيّر الاستثمارات الأجنبية على أرضنا هذا المؤشر بشكل جوهري. حتى لو كانت الأرقام الرسمية تبيّن استيلاد 100,000 وظيفة صناعية في سبع سنوات، فإنّ الفجوة بين حجم الاستثمارات والزيادة الصافية في الوظائف واضحة للعيان.
في الواقع، تشهد تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي تقلّبات شديدة، مع انخفاض ملحوظ خلال الأزمة الصحية وانتعاش لاحق، تلاه انخفاض كبير في العام 2023. ووفقًا لدراسة Asteres لم يكن هناك ارتفاع منتظم في تدفقات الاستثمار المباشر الأجنبي خلال العقد الماضي. وفي النهاية، ظلت جاذبية فرنسا راكدة...
على الرغم من أنّ مكاتب دراسات أخرى مثل EY تشير إلى أنّ فرنسا هي أكثر البلدان جاذبية في أوروبا، هناك، أحيانًا، فجوة كبيرة بين الإعلان إعلامياً عن مليارات الاستثمارات والواقع. فما إن يحلّ الاستقرار، حتى تتبدّد آمال الشركات في بعض الأحيان، إذ هناك فقط 52% من الشركات الأميركية العاملة في فرنسا تحتفظ بتصور إيجابي عن البلاد، وفقًا لمقياس الغرفة التجارية الفرنسية الأميركية.
فهل فعلًا يكون إيمانويل ماكرون "موزارت الاستثمار" الجديد؟