جزى الله الكورونا كلَّ خير. إذ خلال فترة الحجر، وحمْل السيدة بمولودها الرابع، خرجت الفكرة إلى النور، وتدرَّجت حتى أصبحت، أمس، كتابًا حمل عنوان "لماذا يكبر بطن ماما؟".

انطلقت الفكرة من "تحدٍّ ذاتي" للكاتبة راوية الشدياق صعب، ومن تحدٍّ للوقت والوباء و"قعدة" البيت، فابتكرت لطفلها الموعود "هديَّة تذكارية مميزة"، على ما تقول، وكتبت قصَّة الكتاب في ساعات قليلة، فترجمت فيها الأمومة وقيم العائلة بلغة عربية "نشأتُ على عشقها وتمسكت بها".

كانت راوية، وهي مهندسة كومبيوتر واتصالات تحمل شهادة ماجيستر بإدارة الهندسة، حبلى حين دهمت الكورونا لبنان وألزمتنا المنازل. وإذ راح بطنها يكبر، سأل أولادها الثلاثة الصغار، أو واحد منهم عن السبب. فكانت فكرة ذاك الكتاب الذي احتفلت بتوقيعه في فندق رويال، (30 نيسان الماضي)، وخصصت ريعه، في مبادرة إنسانية لمركز سرطان الأطفال، "عسى نستطيع أن نخفف آلام أطفالنا ونزرع ولو بسمة صغيرة على وجوههم"، على ما أعلنت راوية خلال التوقيع.

أما احتفال التوقيع الذي كان حاشدًا، في حضور العائلة والأهل، وهم جميعًا أبطال القصة، وباقة من المسؤولين التربويين والناشرين وأهل الصحافة والقلم، فضلًا عن مشاركة النائبين جيمي جبور ونزيه متى وعضو المجلس العسكري اللواء بيار صعب، فأضاء على مضمون الكتاب وهدفه التربوي البعيد.

الحشد في الرويال

وبعد ترحيب وتقديم للإعلامية نانا فيصل، تحدَّث المربي المتخصص في أدب الأطفال الدكتور روبير البيطار، الذي قال "الويل لأمّة لا تكتب لأطفالها". وسأل بحسرة "تخيّلوا معي لو كتب الريحاني وأبي ماضي وجبران للأطفال، ولو التفت أبو شبكة وسعيد عقل ورشيد أيّوب أكثر لهذا الأدب الفريد، ولو اعتنت مجلّة شعر والفكر المعاصر والآداب والصحف والمجلات بالتنظير ونشر بعض الإبداعات الموجّهة إلى البراعم الصغيرة، لكنّا خطونا إلى الغدِ بثبات ورؤية، ولكان ما جرى ما كان...".

وبعد عرض لبعض التجارب العربية في الكتابة للأطفال (أحمد شوقي وكامل الكيلاني)، توقف الدكتور البيطار طويلًا عند هذه التجربة في دول الغرب، ليلج إلى مضمون كتاب راوية، فلاحظ أن "بناء النصّ تربويّ تعليميّ تثقيفيّ، ممتعٌ حتّى التشويق. يرسم صورة صحيحة عن العائلة الكبرى والصغرى. ويوجّه القارئ الصغير إلى عالم الألوان وعالم الأشكال الهندسيّة وأيّام الأسبوع والأعداد والعناية بالنظافة الشخصيّة واكتشاف جسم الإنسان، والعادات الحسنة، وعلم الأصوات والحروف، وغيرِها، في لعبة بصريّة وذهنيّة بارعة". وإذ أتقن النصّ فنّ الوصف من دون الغرق في الحذلقة الأدبيّة البغيضة، لعب على أوتار التعارضات في غير تعقيد، ولوّن صفحاته بالبهجة والضحك في غير استهزاء ومن دون اللجوء إلى التفاهة... بحسب الدكتور البيطار، ليختم "أمّا أبرز ما دفع إليه هذا النصّ البريء العميق، فإلى التواصل الّذي افتقدناه في أيّامنا".

بادرة لنساعد أطفالنا على تعلم اللغة العربية "بفرح وبطريقة مبتَكَرة"، متضمنًا أساسيات اللغة ومفاهيم تربوية متنوعة ونشاطات إبداعية ومواد جاذبة ترسخ لغتنا الأم


شخصيًّا خاطبتُ راوية، فـ"قرأتُ" بطنَها، لا كفِنجانٍ في يدِ عرَّافة، بل ككتابٍ مُشرعٍ على الفِلذاتِ الأربع، فسألتُني: "هل يمكن امرأةً ناجحةً مبتكِرة أن تمارسَ عبقريَّتَها، حتَّى في فنِّ الولادة؟". فهذه السَّيِّدةُ الأنيقةُ المظهر حتَّى تُشدَّ الدبابيسُ الأربعة، الأميرةُ الجميلةُ حتَّى ينضحَ الوجهُ بالابتسام والقوامُ بالعطر، الميَّاسة الذَّكيَّةُ حتَّى تهندسَ كلَّ بساطةٍ فكرةً جديدة أو عالَم خيالٍ وفعل... فتحت في فنِّ الكتابة للأطفال أو للناشئة، مسارًا جديدًا غيرَ مسبوق، عفويًّا بريئًا، ولكن عميق؛ مسارًا يعلِّم الألوان والأشكال، ويثقِّف في الأخلاق والقيم، وفي معنى الأسرة المتماسكة المتعاونة المحبَّة؛ يُعمِل في القارئ العقلَ والخيال، يختبر ذكاءه بأسئلة موجهة إليه فيجيب عنها ليكون شريكَ الكاتب في التأليف؛ مسارًا يجعل طفلًا في سنِّ ابنها البكر (وكان في السادسة من العمر)، يطرح أسئلة ما خطرت يومًا ببال، مشغولَ البال: "هل أختي، وهي في بطنك الذي يكبر، تدخل الحمَّام أم تضع حفاضًا"؟ أيُّ خيال هذا، وأيُّ سؤال؟ وبعد؟ "هل تستحمُّ تلك الأخت في بطنك الذي يكبر، هي التي لا يعرف الابن البكر وإخوته، أنَّها المغتَسِلة بمياه الشَّوق إلى الولادة، وبخفقات القلب، وحُرقة الانتظار؟"

الكاتبة محاطة بالبيطار ويونس وفيصل

لم يكن غريبًا أو مستغربًا أن تُطلَق على راوية صفة العبقريَّة؟ لا أيَّما عبقرية، إنَّما العبقريَّة الإنسانيَّة، إذ ما من حبٍّ أعظمَ من أن يبذل الإنسانُ نفسه عن أحبائه. وقلِ العبقريَّةَ المعطاء، إذ كلُّ من له يعطى فيزداد، ومَن ليس له يؤخذ الذي عندَه منه. وراوية ما كنت ولن تكون إلَّا لتُعطي فتزداد.

وراوية الشدياق صعب التي عدت هذا الكتاب، الصادر عن "دار صادر"، باكورة سلسلة تربوية ستنصرف إليها، جعلت منه مختبرًا. إذ ما إن أنجزته، خلال جائحة الكورونا، حتى طبعته ووزعته على أهل وأصدقاء، وقفت على آرائهم، فلمست ردود فعل إيجابية، فوسعت قاعدة الاستئناس، وقصدت مدارس عقدت اجتماعات مع مديريها، وكذلك اجتماعات في وزارة التربية، وقامت بجولات تعريفية بالكتاب، تخللتها لقاءات متنوعة مع أطفال الروضة والصفوف الابتدائية... فلم تقابَل إلَّا بالتشجيع والمضي قدمًا... إلى أن أحيل على المركز التربوي للبحوث والإنماء، فقومه إيجابًا، ووافقت عليه وزارة التربية والتعليم العالي.

ومن أهداف هذا الكتاب، بحسب راوية، أن "نطور أولادنا، وهم شركاء حياتنا، كي تصبح اللغة العربية أول لغة ينطقون بها، بعدما سيطرت المفردات الأجنبية على أحاديث غالبية أولادنا، مما وضع لغتنا العربية على شفير هاوية، وجعل أبجديتها تهوي، وما من عاشق يتلقاها".

الكاتبة وأبطال القصة عائلتها الصغيرة

"لماذا يكبر بطن ماما؟"، بادرة لنساعد أطفالنا على تعلم اللغة العربية "بفرح وبطريقة مبتَكَرة"، متضمنًا أساسيات اللغة ومفاهيم تربوية متنوعة ونشاطات إبداعية ومواد جاذبة ترسخ لغتنا الأم، وإذ هو موجه إلى جميع أفراد العائلة، إنما يعني أكثر ما يعني الأطفال ولا سيما منهم الكبار. فيسدي نصائح إلى الأمهات بطريقة تربية أطفالهن، ويبرز دور الأب الضروري والأساسي، ويركز على الإلفة والتعاون بين أفراد العائلة.