سواء وُجّهت دعوة إلى الرئيس نبيه بري لزيارة فرنسا من الرئيس إيمانويل ماكرون مباشرة أو من سواه، فإنّ ما قاله رئيس المجلس النيابي جاء بمنزلة رسالة إلى الفرنسيين وغيرهم من دول تلقّى دعوات مشابهة منها أخيراً، وخلاصة قوله هي أنّ أيّ زيارة لا ينتج منها انفراج على مستوى الاستحقاق الرئاسي لا حاجة إلى تلبيتها. فوفق ما تقتضيه الأصول السياسية، فإنّ كل زيارة، عادةً، تأتي إمّا استكمالاً لجهود معيّنة، وإمّا تتويجاً لاتفاق ما. في حالة فرنسا، فإنّ لا هذه توافرت ولا تلك حصلت، والاستحقاق الرئاسي لا يزال خاضعاً للميدان وضرباته الموجعة على نحو يجعل أيّ بحث غير ممكن حالياً.

لم يبقَ لدى فرنسا ما تعطيه ورئيسها المصرّ على متابعة موضوع الرئاسة مباشرة أو عبر موفدين، هي أيضاً في حالة ترقّب لما سترسو عليه الأوضاع في غزّة وجنوب لبنان. إنّها تريد فصل ساحة الجنوب عن غزّة، وهذا ما طلبته صراحة من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي تبلّغ من الإليزيه بأنّ فرنسا لن تستطيع صدّ أيّ حرب تشنّها إسرائيل على لبنان. حمل ميقاتي الرسالة وعاد إلى لبنان مبلّغاً مستفسريه بضرورة فصل الساحات تلافياً لضربة إسرائيلية تفوق قدرة لبنان على تحمّلها. تبدّل موقف ميقاتي الذي كان حتّى الأمس القريب يسلّم بأنّ وضع الجنوب مرتبط بغزّة ويصعب فصل المسارين.

وليس مستبعداً من أن يكون الهدف من الدعوة إبلاغ رئيس المجلس رسالة مشابهة، خاصّة أنّ ثمّة معلومات تقول إنّ الولايات المتحدة لم تعد في وارد لجم أيّ عدوان إسرائيلي على لبنان، وهي تريد الضغط من أجل فصل ساحة الجنوب عن غزّة بعد فشل المفاوضات بين حماس وإسرائيل للاتفاق على هدنة.

ولهذا الهدف، من المتوقع أن يزور وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه لبنان الأحد المقبل، وفي جعبته حديث مطوّل عن ساحة الجنوب ربطاً بالمبادرة التي سبق أن تقدمت بها فرنسا حول تنفيذ القرار 1701 والعمل على فصل ملف رئاسة الجمهورية عن الوضع الميداني، وهو أمر في منتهى التعقيد، ذلك أنّ حزب الله لا يزال على موقفه في تلازم الجبهتين، على اعتبار أنّ ساحة الجنوب هي ساحة إسناد لغزّة ولا يمكن وقفها، خاصّة بعد كلّ تلك التضحيات التي قامت بها المقاومة والمجابهة التي أثبتت من منطق حزب الله فعاليتها، بدليل هجرة سكان الشمال. لا مجال لبحث إمكان الفصل من ناحية حزب الله ولا تنفيذ للاتفاق 1701 إذا لم تلتزمه إسرائيل.

من المتوقع أن يزور وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه لبنان الأحد المقبل

إذا زار وزير خارجية فرنسا لبنان، فليس مستبعداً أن يبلّغ المسؤولين بما سبق وتبلّغه ميقاتي وقائد الجيش جوزف عون، وفحواه أنّ اسرائيل في وارد تنفيذ اجتياح برّي للبنان إذا لم يُنشر الجيش على حدوده الجنوبية، ولم ينسحب حزب الله إلى ما بعد شمال الليطاني. وإذا نفذت إسرائيل ما تهدّد به، فلا فرنسا ولا الولايات المتحدة بصدد المعارضة، خاصّة أنهما أجّلا، مراراً، هذه الخطوة التي كانت تعتزم إسرائيل القيام بها قبل أشهر.

وليس مستبعداً أن تكون زيارة وزير الخارجية بتكليف من أميركا أو بتنسيق معها، في محاولة لفتح حوار جديد مع حزب الله والدولة اللبنانية لجس النبض بشأن مدى استعداد الحزب لتطبيق القرار 1701 من الجانب اللبناني، بعد أن تلتزم إسرائيل الانسحاب إلى النقاط المتفق عليها ووقف العدوان على جنوب لبنان.

وتنقل مصادر ديبلوماسية وجود مخاوف من أن تلجأ اسرائيل متى خسرت معركتها في رفح إلى التعويض في جنوب لبنان. لذا، فإنّ المطلوب تأمين وقف إطلاق نار وفصل الساحات، وهو ما ليس مؤكّداً أن يتجاوب حزب الله معه ما دامت حرب إسرائيل على غزة مستمرة.

منطق فصل غزة عن لبنان حملتُه الخماسية التي تتطلع إلى النأي بلبنان عن غزّة، وفتح أبواب مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية. خلال الأيام الماضية استقبل بري الخماسية مرتين، وفي المرتين كرّرت التمنيات نفسها وغادرت عين التينة مثلما دخلتها خالية الوفاض إلّا من أمل، ربما يتحقق يوماً ما. إزاء التطورات جنوباً لم يبقَ الاستحقاق الرئاسي موضوع الساعة، إذ ثمّة من يقول إنّ الملف مؤجل بحيث ليس هنالك رئاسة ولا رئيس في المدى المنظور. ولا مكان للرئاسة لدى حزب الله المتحسّب لاعتداء إسرائيلي في أيّة لحظة انطلاقاً من أن إسرئيل دولة عدوانية، لكنّ التهديدات التي تلقاها ميقاتي وغيره لا تحمل جديداً من وجهة نظره.