"أتعرفينَ ما هو الوطن يا صفيّة؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله". و"إذا كنّا مدافعينَ فاشلين عن القضيّة، فالأجدر بنا أن نغيّر المدافعين لا أن نغيّر القضية". هذا مما قالهُ غسان كنفاني، الذي عاشَ 36 عاماً فقط، لكنهُ تركَ إرثاً أدبياً وفنياً وسياسياً كبيراً.

غسان كنفاني، روائي وسياسي فلسطيني، يُعد من أبرز الأُدباء العرب في القرنِ العشرين. كانَ عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين لسنوات، ورئيس تحرير مجلتي "الهدف" و"المحرِّر"، وعملَ في مجلة "الحرية"، كما كان رسّاماً. ناضلَ على الورق، وتُرجمت أعمالُهُ الأدبيّة إلى 17 لغة حولَ العالم.

وُلد غسان في عكا، شمال فلسطين عام 1936، وعاش مع عائلته في يافا حتى عام 1948. بعدها عاش ابن الثانية عشر تجربةَ اللجوء، فاتجهتِ العائلة أولاً إلى لبنان ثم إلى سوريا، وهناك، نالَ شهادة الثانوية من مدارس دمشق عام 1952، ودخلَ قسم اللغة العربية في جامعتها، لكنه استمرَ فيها لعامين فقط.

والد غسان كنفاني، حقوقي، عملَ في تصحيح مقالات الصحف، وأحياناً في تحريرها، فكان له أثراً كبيراً على ابنه.

انضمَ كنفاني إلى "حركة القوميين العرب" عام 1953، متأثراً بجورج حبش. عاشَ الترحال، وسافرَ للتدريس في الكويت عام 1955، وهناك كان إقباله على القراءة منقطعَ النظير. عمل محرراً في إحدى الصحف الكويتيّة، مذيلّاً مقالاته باسم "أبو العز"، فلفتَ إليه الأنظار، وفي الكويت أيضاً كتبَ أولى قصصه القصيرة "القميص المسروق"، ونالَ الجائزة الأولى في إحدى المسابقات الأدبية.

انتقلَ كنفاني إلى بيروت عام 1960، فوجدَ فيها مجالاً أدبياً رحباً. بدأ العمل في مجلة "الحرية"، كما كان يكتب مقالاً أسبوعياً لجريدة "المحرّر" البيروتية. كتبَ مقالاتٍ عميقة، أشاعتِ الحماس تجاهَ القضية الفلسطينية، كما أصبحَ كنفاني مرجعاً لكثر من المهتمّين والمناصرين للقضيّة.

كتابات كنفاني كانت من الناس وإليهم، فغاصَ في أعماقِ الإنسان الفلسطيني بعد النكبة والنكسة وما قبلهما، كما تنبأ بما يمكن أن يحصل في المستقبل. في روايته "عائد إلى حيفا" عام 1970، استذكرَ ما رواه مواطنو حيفا عن رحلتهم نحو عكا، وهو ما رأيناه في عملٍ دراميٍ سوري أخرجُهُ الفلسطيني باسل الخطيب.


كان كنفاني رساماً ماهراً، فترافقتْ رسوماته أحياناً مع مقالاته ونصوصه.

كنفاني كتلة من النشاط، فاقتْ ساعات عمله العشرَ يومياً، حتى مع دخوله المستشفى على أثر مرض السكري، أبى إلّا أن يخرج منها بتجربةٍ أدبيةٍ، فكتبَ رواية "موت سرير رقم 12" عام 1963.

على الصّعيد الشّخصي، قيل إنّ كنفاني وقعَ بحب الكاتبة والأديبة السوريّة غادة السمان، وكتبا لبعضهما رسائل سطّرتْ آيات في سفر العاشقين، وقد التقاها مراراً في مناسباتٍ أدبيةٍ عديدة.

ورغم حياته القصيرة، أصدرَ كنفاني 18 رواية على الأقل، بالإضافة لأعمال لم تكتملْ، ونشرَ عدداً لا يحصى من المقالات، بالإضافة إلى امتلاكه لإرثٍ غير مكتمل. من أشهر رواياته: "عالم ليس لنا" و"موت سرير رقم 12" و"أرض البرتقال الحزين" و"رجال في الشمس" و"أم سعد" "وعائد إلى حيفا"، وأعمال عدة تحولتْ لمسرحيات.

كنفاني لم يحمل بندقية، لكن قلمه وفكره كانا كافيَين لجعله هدفاً ملحّاً لدى الموساد الإسرائيلي. بتاريخ 8 تموز عام 1972، استهشد كنفاني بانفجار سيارة فخّخها الموساد في بيروت، وهو الذي قال: "ليس المهم أن يموت أحدنا... المهم أن تستمروا".