لم تكد مشكلة انقطاع الأنترنت تتوارى تحت غطاء الوعود بتحسين أوضاع موظّفي هيئة أوجيرو، حتّى ظهرت من جديد مع عودة الإضرابات نتيجة عدم تنفيذ التعهّدات. إنّها قصّة "إبريق الزيت" بين "الهيئة"، وحكومة "رئيسها لا يحبّنا، ووزير اتصالات يرانا بـ "عين" ويرى شركتي الخلوي بـ "العينتين""، كما يصف موظفون جوهر المشكلة في السنوات الأخيرة.

انتظر موظفو أوجيرو أن تلحقهم الزيادات التي أُقرّت للموظفين في شباط الماضي على أساس أنّ مؤسستهم عامة، مملوكة 100 في المئة من الدولة. ففوجئوا باعتبار وزارة المال أنّ أوجيرو لها ملء الحرّية، ويمكنها إجراء تعديلات على الرواتب وفقاً لموازنتها، التي تقدم لـ "المالية" قبل إقرار الموازنة العامة للدولة. وهذا ما لم يحصل قبل إقرار موازنة 2024. فعادوا لمطالبة وزارة الاتصالات، المسؤولة عن القطاع، برفع الرواتب أسوة بما حصل مع شركتي الخلوي. فأتى ردّ الوزير جوني القرم بأنّه سيعرض القضية اليوم (البارحة) على طاولة مجلس الوزراء. وأقصى المرتجى شمول الموظّفين بالمراسيم التي أُقرّت في المجلس، والتي لها علاقة بالدفع للموظفين.

الرواتب فقدت ثلثي قيمتها

في الوقت الذي أصبحت فيه رواتب موظفي القطاع العام تراوح بين 400 و1200 دولار تبعاً للزيادة الأخيرة، وجرى دولرة رواتب موظّفي "تاتش" و"ألفا" بشكل كامل، ما زالت قيمة رواتب موظفي أوجيرو تمثّل 22 في المئة فقط، من مجمل القيمة التي كانت عليها قبل الانهيار. ولعلّ أكثر ما يثير "حساسية" الموظفين في أوجيرو هو تمييز وزارة الاتصالات بينهم وبين موظفي شركتي الخلوي. إذ لم تقتصر المعاملة التفضيلية على إعطاء الرواتب بالدولار كاملة، إنّما رُفعت التغطية الصحية بنسبة 100 في المئة من خلال تأمين خاص بدرجة class A.

الخطوات التصعيدية

المحادثات التي يجريها وزير الاتصالات مع الحكومة لا تتعلّق برفع قيمة الرواتب، إنّما بتأمين مخصّصات الفروقات التي تعود إلى العام الماضي المعطاة بموجب مراسيم. ذلك أنّ موازنة "الهيئة" السنوية عاجزة في الأصل عن تغطية قيمة الرواتب. من هنا كان الإصرار على استمرار الإضرابات التحذيرية، تحضيراً للخطوات التصعيدية ابتداء من 15 نيسان الجاري. "مع العلم أنّنا لسنا هواة إضراب"، بحسب مصادر الموظفين. فهناك نحو 404 سنترالات منتشرة في كلّ لبنان تعمل على مولّدات الطاقة، وتتطلّب "نهراً من المازوت يومياً"، بحسب المصادر. "وترتفع فيها نسب الأعطال بشكل كبير نتيجة تقادمها وعدم القدرة على صيانتها". وعليه، فإنّ الإضراب سيعطّل العديد من هذه السنترالات ويقطع الانترنت عن المؤسسات العامّة والخاصّة. ومن الممكن أن تشمل الأعطال المركزين الرئيسيين اللذين يدخلان الأنترنت إلى لبنان من الكوابل البحرية في رأس بيروت والجديدة، وهذا ما يهدّد بانقطاع الأنترنت عن كّل لبنان وعزله عن العالم.

المطلوب عودة الرواتب إلى ما كانت عليه

ما يعول عليه موظفو أوجيرو هو تطبيق الحد الأدنى للأجور على رواتبهم، و"تغيير كلّ جداول الرواتب بحسب الفئات واحتسابها على أساس الحد الأدنى الجديد، فترتفع قيم الرواتب تلقائياً من ٪22 إلى ٪44 ممّا كانت عليه قبل الانهيار. ونحن نعلم أنّ الحصول على نسبة مئة في المئة من الرواتب بعيد المنال"، بحسب المصادر، "ليس لأنّه مستحيل إنّما لإصرار وزارة الاتصالات على عدم الموافقة على خطّة أوجيرو المرفوعة، وتحيزها الكبير إلى شركتي الخلوي". ومن الأمثلة البسيطة على ذلك، بيع هيئة أوجيرو بصفتها المحتكرة الوحيدة للانترنت في لبنان حزمة الـ E1 إلى شركتي الخلوي بـ 20 دولاراً، في حين تبيعها الشركتان بـ 200 دولار. وفي الوقت الذي لا يقل فيه اشتراك الأنترنت من مقدّمي الخدمات عن 30 دولاراً لسعة 5 ميغا، تعطي أوجيرو السرعة المفتوحة بـ 1.7 مليون ليرة.

على الرغم من أهمية البحث في البند المتعلّق بتأمين مخصصات الفروقات، "فإنّ المطلوب هو عودة الرواتب كما كانت عليه"، تقول نقيبة موظفي أوجيرو إميلي نصار، وذلك ليتمكنوا من العيش بكرامة والوصول إلى مركز العمل. خصوصاً أنّ قطاع الاتصالات قائم على موظفين لا يمكن حلول موظفين آخرين أو عناصر أمنية محلّهم. وهم يضحّون ويعملون تحت الخطر أحياناً من أجل ضمان تأمين الخدمات وعدم انقطاعها". لذا "فليتوقفوا عن تهديدنا"، قالتها نصار، غامزة من قناة وزير الاتصالات الذي طالب بفتح تحقيق بشأن توقف سنترال فتقا، الذي أوقف خدمات شركة ألفا جزئياً، والتثبّت من عدم وجود نيات لدى الموظفين تنبئ بتعطيل القطاع العام وتهديد المصلحة الوطنية. "فعمال أوجيرو يعملون في أصعب الظروف وتحت الخطر. ويجترحون المعجزات من أجل ضمان عدم توقف المولدات وانقطاع الخدمات"، بحسب نصار. "خصوصاً في ظل وجود مولدات كهرباء متهالكة يعود تاريخ بعضها إلى ثمانينيات القرن المنصرم وتسعينياته. وأصبحت عُرضة للأعطال بشكل كبير". وأضافت نصار أنّ "النقابة طالبت في آخر بيان بتنظيم وزارة الاتصالات جولة كشف على المولدات ووضع محاضر بحالتها، كيلا يتم تحميل الموظفين مسؤولية توقفها". ومن غير المنطقي بحسب نصار أن "يعاقب الموظف الذي يعمل في أصعب الظروف ويخاطر بحياته بالذهاب تحت القصف إلى الجنوب، في حين يكافأ موظفو "ألفا" و"تاتش" بالرواتب الدولارية وعودة التقديمات الصحية والاستشفائية والتعليمية".

وختمت نصار بأنّ "مسؤولية حماية القطاع وضمان استمراريته هي في عهدة الدولة، التي، يا للأسف، تحاول تهديمه خدمة لمصالح لا نعرف ماهيتها".

الإضراب حق... ولكن!

يُذكر أن الوزير طالب في حديث صحافي موظفي أوجيرو بالتحلّي بروح المسؤولية لأن الانترنت "مسألة مهمة للموظفين وللبلد والقطاع الصحي والاقتصاد الوطني". وإنْ كان قد أيّد حقهم بالإضراب الذي يكفله الدستور، فقد شدد على أهمية عدم تعطيل المرفق العام.

بالإضافة إلى كلّ ما تقدم، فإنّ ما يحصل هو استغلال المرافق العامة، ومنها أوجيرو، للتوظيف السياسي، وإهمالها في حالات انتفاء المصلحة، "كما هو الحال مع رئيس الحكومة الحالي"، بحسب الموظفين، واستمرار احتكارها للخدمات، ودعمها وفقاً للأهواء، هذه كلها عوامل لن تؤدّي إلى تكرار المشكلات فقط، إنّما أيضاً إلى تحميل المواطنين والاقتصاد تكلفتها العالية. فمن البديهي القول أن لا استثمارات ولا زيادة في الإنتاج من دون قطاع اتصالات قوي وبتكلفة متدنية. وهذا لن يتحقّق إلّا مع التخفّف من أعباء الاحتكارات والبدء بالإصلاحات وتوسعة قاعدة المنافسة لحماية الاستثمارات والمواطنين على السواء. وإلّا فإنّ جمر الإضرابات سيبقى يشع تحت رماد الحلول الترقيعية، مهدداً الاقتصاد وقدرة المواطنين على العمل والصمود.