بعد استطلاع الآراء في 143 دولة، احتلّ لبنان المركز قبل الأخير في مؤشّر السعادة العالمي. هذا التقرير السنوي، الذي أُطلق أوّل مرة في العام 2012 لدعم أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، يستند إلى بيانات من شركة أبحاث السوق الأميركية "غالوب"، يحلّلها فريق عالمي بقيادة جامعة أكسفورد. 

ويحتل لبنان المرتبة الأولى عربياً، والثالثة عالمياً، في مؤشر البؤس العالمي للعام 2023، وهو مؤشر وضعه أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة جونز هوبكنز الأميركية، ستيف هانكي، ويشمل 157 دولة، ويستند هذا المؤشر إلى معدّلات البطالة والتضخّم ومعدّل الإقراض والتغير في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ونال لبنان مرتبته هذه نتيجة ارتفاع معدّل التضخم فيه.

ومنذ العام 2013، تحتفي الأمم المتحدة باليوم الدولي للسعادة، الذي حددته الجمعية العامة يوم 20 آذار، وذلك اعترافاً منها بأهمّية السعادة والرفاهية بوصفهما قيمتين عالميتين يتطلّع إليهما البشر في أنحاء العالم لما لهما من أهمية في ما يتصل بمقاصد السياسة العامة. 

إلّا أنّ هذه الدراسات يمكن الطعن في صحّتها، بمجرّد التجوّل في الطرق وزيارة المطاعم والنوادي الليلية، وتعداد الأنشطة الترفيهية، والمسرحيات، والمهرجانات والحفلات التي تقام في لبنان. فكورنيش الروشة، والمنارة، وضبيه، أماكن تعجّ ليلاً ونهاراً بالناس. أمّا أسواق البترون وجبيل فلا تهدأ في مواسم الأعياد  الأيام العادية. أضف أنّ المطاعم ونوادي السهر "مفولة" على الدوام، في حين أن المهرجانات والحفلات لم تتوقّف حتّى خلال انتشار جائحة كورونا، وبعد انفجار مرفأ بيروت، وعلى الرّغم من الأزمة الاقتصاديّة والحرب الدائرة في الجنوب. فهل مظاهر "الحياة" هذه تشير إلى أنّنا شعب تَعِس؟  

دراسة غير دقيقة  


يقول لـ"الصفا نيوز" الدكتور جورج كرم، المدير التنفيذي لجمعية "إدراك"، التي تعنى بالصحة النفسية، إنّ الطريقة التي تعتمدها شركة الأبحاث الأميركية لتحليل معدّلات السعادة في دول العالم، ترتكز على الطلب من أشخاص في 143 دولة وإقليماً تقييم حياتهم على مقياس من صفر إلى 10، إذ يمثل الرقم 10 أفضل حياة ممكنة لهم، ويتم حساب متوسط النتائج من السنوات الثلاث الماضية لتحديد الترتيب. كما تقسّم الدراسة المستطلعين إلى مجموعات، بحسب فئاتهم العمرية، لتعيد تصنيف كلّ فئة. ويمكن استخدام هذه الدراسة لفهم عوامل عدّة، كمدى تأثير الخرف على الصحة النفسيّة للكبار في السن، وهذه النقطة تسمح بفهم الدور الذي تلعبه الدولة في تأمين الدعم الصحّي لمواطنيها. ففي اليابان على سبيل المثال، فإنّ نسبة الخرف لدى الكبار في السن عالية جدّاً لكنّ الدولة تدعم مواطنيها وتهيّئ لهم بيئة صحية، على عكس لبنان الذي ترتفع فيه هذه النسبة من دون أيّ دعم رسمي". 

وشكّك كرم في صحّة التصنيفات التي جاءت في التقرير، قال "على الرغم من جميع المعوّقات الماديّة والوضع الراهن في لبنان، تمكّن المواطنون من التأقلم وتخطّي العديد من الصعوبات، فهذه الدراسة قد تطبّق ربما على الواقع اللبناني في العام 2020، إنما في السنوات الأخيرة وخصوصاً في الـ2023 و2024، فقد استعاد المواطنون عافيتهم، وتحسن مستوى معظم الرواتب ما عدا رواتب القطاع العام، ما سمح للناس بالتأقلم ومواجهة الوضع الصعب"، مشدّداً على أنّ "هناك دولاً كثيرة غير لبنان تشهد نسبة سعادة منخفضة جداً، كالفيليبين، ودول أميركا اللاتينية، والصومال، والموزامبيق، وأفغانستان، وغيرها من الدول، فكيف يحتلّ لبنان المرتبة الثالثة عالمياً في مستوى البؤس؟ هذا يأخذنا إلى الاعتقاد بأنّ معدّي الدراسة ارتكزوا على بعض المؤشّرات كأزمة الدولار وانهيار العملة ومؤشّر دخل الفرد، وخلصوا إلى أنّ الشعب اللبناني غير سعيد. ولكن إذا نزلنا إلى الشارع وسألنا الناس، فلن يكون جوابهم أنهم سعداء. بل سيؤكّدون انّ وضعهم أفضل بكثير من شعوب أخرى". 

وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ مؤشر "السعادة" لم يشمل جميع دول المنطقة العربية مثل سوريا والسودان.  

وعن نسبة الأمراض النفسيّة في لبنان، قال كرم "قبل العام 2019، وبحسب الدراسات التي أعدّتها جمعية إدراك، تبيّن أنّ 25% من الشعب اللبناني يعاني أمراضاً نفسية، وهو معدّل وسطي مقارنة بالدول الأخرى، ولا شكّ أن الرقم ارتفع في السنوات الأربع الأخيرة، نتيجة المشاكل التي تراكمت في لبنان، لكن ذلك لا يعني أننا ثالث أسوأ بلد في مستوى السعادة في العالم". 

إلى ذلك، يمكن الاستنتاج أنّ وضع اللبنانيين النفسي، ليس بالسوء الذي تتحدّث عنه الدراسات والمؤشرات العالمية، ولكن مما لا شكّ فيه أنّ معدّلات السعادة ليست مرتفعة، إنّما قد تكون معدّلاتها وسطية. فما الحلول أو الخطوات التي يمكن اعتمادها لرفع نسبة السعادة في حياتنا؟  

ضع اللبنانيين النفسي، ليس بالسوء الذي تتحدّث عنه الدراسات والمؤشرات العالمية، ولكن مما لا شكّ فيه أنّ معدّلات السعادة ليست مرتفعة، إنّما قد تكون معدّلاتها وسطية.

نصائح لنصبح أكثر سعادة 

راوية عيتاني، "ميتا كوتش" متخصّصة في مجال تطوير الصورة الذاتية، تشارك "الصفا نيوز" بعض النصائح  للمساعدة على رفع معدّل السعادة في حياتنا وأهمّها "أولاً، اكتشاف أنفسنا والاعتناء بها، عبر معرفة النشاطات التي تسعدنا وممارستها أكثر فأكثر، ومعرفة نقاط قوتنا (التي ترتبط بمهاراتنا) وضعفنا والعمل على تطويرها، والابتعاد عن كلّ ما هو مصدر إزعاج أو قلق. ثانياً، الانخراط بنشاط بدني ثابت، عبر ممارسة الرياضة، أو اليوغا أو التأمّل، فالحركة البدنية ترفع نسبة هرمونات السعادة في الجسم. ثالثاً، الامتنان، وذلك عبر تذكير أنفسنا يومياً بكل ّالأشياء الجميلة التي نملكها أو حققناها في حياتنا، من أبسطها إلى أكبرها، (الصحة، بيت، أصدقاء، عائلة، نجاحات في العمل أو الدراسة، ذكرى حلوة، موقف تصرّفنا خلاله بشكل جميل...) ويمكن القيام بذلك أيضاً عبر تدوين هذه النقاط في دفتر والرجوع إليها بين فترة وأخرى، لتعديلها والإضافة إليها، أو لنذكّر أنفسنا بها". 

أمّا النقطة الرابعة، بحسب عيتاني، فهي أنّ "نعي أنّ قسماً من السعادة يرتبط بالإنجازات التي حققناها في حياتنا، ما يعني ضرورة خلق روتين يومي يساعدنا على تحقيق أهدافنا في الحياة، (الاستيقاظ في وقت معيّن، تناول أكل صحي، الاعتناء بصحتنا الجسدية وبشكلنا، ارتداء ملابس جميلة، إنجاز المهام المطلوبة، التثقيف الذاتي…) ما سيجعلنا ننجح، وبالتالي، نشعر بالمزيد من السعادة. والنقطة الخامسة هي تدريب العقل على التفكير بطريقة إيجابية، والتركيز على الأشياء الجميلة. والنقطة السادسة هي أن يحيط المرء على الفرد نفسه بأصدقاء وأشخاص يحبّهم، ويبادلونه نفس الشعور، والقيام بنشاطات معهم، والابتعاد عن الناس السلبيين". 

وأضافت عيتاني أنّ "السعادة لا يمكن أن تكون حالة دائمة، فعلى الفرد أن يعي أنّ الحياة خليط من النجاحات والإخفاقات، والأوقات الجميلة والعصيبة، لذلك علينا تقبّل مشاعر الحزن والفشل والتعايش معها لنتمكّن من الفرح والنجاح من جديد". 

وختمت بمقولة للفيلسوف الصينى لاو تزو، هي "راقب أفكارك، لأنّها ستصبح كلمات، راقب كلماتك لأنّها ستصبح أفعالاً، راقب أفعالك لأنّها ستتحول إلى عادات، راقب عاداتك لأنّها تكوّن شخصيتك، راقب شخصيتك لأنّها ستحدّد مصيرك". 

وعليه، قد لا يحتاج الأشخاص إلى مؤشّر أو دراسة لتقيّم وضعهم النفسي، أو مستوى السعادة في حياتهم، بل كلّ ما نحتاجه أحياناً، على الرّغم من الظروف الصعبة التي نمر ّبها، هو اللجوء إلى أصحاب اختصاص يساعدوننا على تخطّي الحزن والمشاكل في حياتنا، مع العلم أنّ خدمات الدعم النفسي أصبحت متوافرة بكثرة بأسعار مدروسة، حتّى أنّ بعضها مجاني، بعدما أصبحنا في عصر الثورة الرقمية، التي تسمح لنا بكبسة زرّ الحصول على أيّ معلومة نريدها عبر الشبكة العنكبوتية.