خلال الحرب التي دارت بين لبنان وإسرائيل بعد أحداث 7 تشرين الأول 2023، تلقّت الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق جنوب البلاد والبقاع أضراراً مدمّرة على المستويات المدنية والعمرانية والاقتصادية والاجتماعية. هذه المنطقة، التي تعتبر قلب الحياة الاجتماعية والاقتصادية للبيئة الشيعية جنوب العاصمة، أصبحت تعاني اليوم من آثار حرب طالت المنازل والبنية التحتية والقطاعات الحيوية والمواطنين أنفسهم.

الخسائر المدمرة: أرقام موثوقة من دراسات متعددة

قدّر البنك الدولي حجم الأضرار والخسائر في لبنان بأرقام متباينة، إذ أنّ مجموع الخسائر الاقتصادية يُقدّر بـ 5.1 مليار دولار، بالإضافة إلى 3.4 مليار دولار أضراراً في البُنى التحتية، بمجموع 8.5 مليار دولار.

وحده قطاع الإسكان تكبد أضرارًا تُقدّر بـ 2.8 مليار دولار وبلغ عدد الوحدات السكنية المتضررة أو المدمرة حوالي 99,209 وحدة.

أمّا القطاع الزراعي فقد تأثر بشدة، وخسر ما فوق 700 مليون دولار وفق تقرير مشترك للأمم المتحدة ووزارة الزراعة، منها 118 مليون دولار أضراراً مباشرة و586 مليون دولار خسائر إنتاجية، وقدّروا الحاجة لتمويل إعادة الإعمار بنحو 263 مليون دولار .

هذا وطالت الأضرار قطاعات أخرى مثل، قطاع التجارة الذي قدّرت خسائره الناتجة عن التوقف والانقطاع بـ 1.7 مليار دولار. أمّا قطاعا السياحة والضيافة فوصلت خسائرهما إلى حوالي 1.1 مليار دولار.

وقدّرت خسائر قطاع التعليم بـ 215 مليون دولار، والبيئة بـ 221 مليون دولار، والصحة ما بين 338 مليون دولار (خسائر) إلى 74 مليون دولار أضرار.

تركيز الأضرار في الضاحية الجنوبية

شملت المناطق الأكثر تأثراً النبطية وصيدا وصور وبنت جبيل ومرجعيون، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية في بيروت، التي سجّلت حوالي 144 مليون دولار من الأضرار — رغم أن هذه الأرقام تعكس فقط جزءاً من التدمير الشامل.

تضمنت التحليلات عبر الأقمار الصناعية وجود تضرّر بنسبة نحو ربع إلى نصف المباني في قرى جنوبية مثل عيتا الشعب وكفر كلا، ما يُرسي فكرة عن حجم الدمار المادي الكبير

حسب تقرير محلي، خلال ستة أشهر فقط في جنوب لبنان، بلغت الأضرار المباشرة 370 مليون دولار، وكانت الخسائر غير المباشرة الناجمة عن هبوط الحركة الاقتصادية والسياحية حوالي 1.1 مليار دولار، ليكون إجمالي الخسائر 1.5 مليار دولار

في الجنوب أيضًا، هناك تقديرات تشير إلى أن الخسائر الإجمالية وصلت إلى 1.2 مليار دولار ( 280 مليون منها مباشرة في البنية التحتية والزراعة، و300 مليون دولار خسائر غير مباشرة).

محاولات التعويض والإصلاح: جهود الدولة والدعم الدولي

كشف وزير المالية ياسين جابر عن دفعة أولى بقيمة 200 مليار ليرة ستُحوَّل إلى الهيئة العليا للإغاثة من أموال الخزينة، لتبدأ عملية إصلاح الأضرار العاجلة في المنطقة. كما أعلن عن اتفاقية قرض مع البنك الدولي بقيمة 250 مليون دولار مخصصة لإعادة بناء البنى التحتية التي تضررت بفعل العدوان الإسرائيلي، في خطوة أساسية نحو إعادة الاستقرار إلى هذه المنطقة الحيوية.

وفي موازاة ذلك، أقرّ مجلس الوزراء مشروع قانون يقضي بفتح اعتماد في موازنة 2025 لدفع 12 مليون ليرة شهرياً لمتقاعدي القطاع العام المدنيين، كجزء من مسار إصلاحي لتصحيح الرواتب والأجور بما يتلاءم مع الظروف المعيشية الصعبة والواقع المالي للدولة. ويُنظر إلى هذا القرار كرسالة بأن الدولة عازمة على إطلاق ورشة إعادة البناء رغم إمكاناتها المحدودة، مع ترحيبها بأي دعم خارجي من الدول الصديقة والمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها البنك الدولي.

ما الحل؟

في هذا الإطار، يرى الخبير الاقتصادي والاجتماعي الدكتور فؤاد مسلّم، في حديثه لموقع "الصفا نيوز" أن إعادة إعمار الضاحية الجنوبية لا يمكن أن تقتصر على التعويضات المالية والقروض، بل تحتاج إلى خطة استراتيجية طويلة الأمد تشمل:

1. إعادة بناء البنى التحتية الحيوية (الكهرباء، المياه، الطرق، المدارس والمستشفيات) بطريقة حديثة ومستدامة.

2. تعويض المتضررين من السكان وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة لضمان عودة الحياة الاقتصادية تدريجياً.

3. إطلاق مشاريع تنموية منتجة تساهم في خلق فرص عمل وتعزيز صمود السكان في مواجهة الأزمات المستقبلية.

4. تعزيز الشفافية والحوكمة في إدارة الأموال المخصصة للإعمار، سواء من الخزينة أو من المساعدات الخارجية، لضمان وصولها إلى المستحقين وعدم هدرها.

5. إشراك المجتمع المحلي في وضع أولويات الإعمار، بما يعزز الثقة بين الدولة والمواطنين.

ويخلص مسلم، إلى أنّ التحدي الأكبر يكمن في قدرة الدولة على التوفيق بين إعادة البناء السريع من جهة، والحفاظ على الاستقرار المالي والاجتماعي من جهة أخرى، وهو ما يتطلب تعاوناً وثيقاً بين الحكومة والقطاع الخاص والدعم الدولي.

نحو إعادة إعمار عادلة ومستدامة

الدروس واضحة: لبنان واجه دماراً لم يسبق له مثيل منذ 2006، وما زالت "الضاحيّة" جنوب بيروت جرحاً مفتوحًا يعكس وجع الدولة والمواطن. الأرقام — سواء من البنك الدولي أو من تقارير الداخل — تشير إلى كارثة شاملة تجاوزت 8 إلى 9 مليارات دولار من الخسائر، إلى جانب تحويل آلاف المنازل إلى أنقاض ومئات آلاف النازحين والمحرومين من رزقهم.

المفتاح الآن هو:

1. استدامة التمويل عبر موازنة وطنية ومساعدات دولية.

2. التركيز على الشفافية والحوكمة لضمان وصول الأموال إلى المستحقين.

3. تفعيل المشاركة الفاعلة للمجتمع المحلي في تحديد الأولويات.

4. الدمج بين التعويضات المباشرة، إعادة الإعمار، وإطلاق مشاريع تنموية تستعيد الإحساس بالأمل والعمل.

فقط عبر هذه الرؤية المتكاملة يمكن تحويل الكارثة الحالية إلى فرصة لإعادة تأسيس طاقات جديدة في الضاحية الجنوبية، على قاعدة الكرامة، التوازن الاجتماعي، والتعافي الوطني.