بالتأكيد، دخلت الولايات المتحدة زمن الحملة الانتخابية إذ أصبح كلّ قرار حكومي مرتبطاً بارتفاع أو انخفاض حظوظ الرئيس جو بايدن الذي أصبح يمضي حيّزاً كبيراً من وقته على الطريق، من نشاط انتخابي إلى آخر ساعياً لإبراز الفوارق بين سياساته وتلك التي يعلن عنها منافسه الجمهوري المفترض دونالد ترامب، والتحذير من مغبات انتخاب ترامب على الحرية والديمقراطية.

أمّا أنصار ترامب فيسعون إلى عرقلة بايدن بإضعاف قدرته على إصدار القوانين، كما فعلوا بقانون لتنظيم الهجرة كان من شأنه حلّ مشكلة مئات الآلاف من المهاجرين غير الشرعيين العالقين في منطقة الحدود مع المكسيك، وغير المبتوت في أمرهم. ضغط ترامب على الجمهوريين فتراجع عدد من أعضاء مجلس النواب والشيوخ عن تأييدهم لمشروع القانون الذي كان يصاغ بجهد مشترك بين الحزبين، فأجهض المسعى.

تبع ذلك قانون أصدره مجلس نواب ولاية تِكسَس، وهي ولاية جمهورية الهوى حاكمها جمهوري ومجلسا شيوخها ونوابها جمهوريان، يقضي بأن يتولّى الحرس الوطني والشرطة في الولاية حماية الحدود واعتقال المهاجرين غير الشرعيين وطردهم. وأدّى ذلك إلى نزاع قانوني مع الحكومة الفدرالية أصبح أمام المحكمة العليا. فالدستور الأميركي واضح وصريح لناحية سلطة الحكومة الفدرالية غير المنازَعة على سياسات الدفاع والخارجية والهجرة.

قامت قيامة الجمهوريين حالياً، لا سيّما "تجمّع الحرية" وهو تجمّع لنواب جمهوريين متشدّدين موالين لترامب، على رئيس مجلس النواب مايكل جونسون لأنّه اتفق مع البيت الأبيض على مشروع قانون لتمويل وزارة الأمن الوطني وتجنّب إقفال جزئي لمؤسسات حكومية. وكان تمويل هذه الوزارة عقبة أخّرت إقرار مجلس النواب مشروع القانون الذي يأذن بإنفاق ألف ومئتي مليار دولار لتمويل هذه الوزارة ووكالات فدرالية أخرى.

ولا يزال الجمهوريون في مجلس النواب يعطّلون مشروع قانون لإرسال مساعدات عسكرية لإسرائيل وأوكرانيا، بعدما ضغط عليهم ترامب للموافقة فقط على إقرار مساعدات عسكرية لإسرائيل باعتبار أنّه يعارض استمرار الحرب في أوكرانيا، ويعتقد نفسه قادراً على صوغ حلّ يرضي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

وفي موضوع إسرائيل، أعلن جونسون أنّه يعتزم دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإلقاء خطاب في الكونغرس. وكانت الفكرة موضوع تداول في اجتماع مغلق للنواب الجمهوريين ردّاً على دعوة رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر الإسرائيليين إلى التخلّص من نتنياهو عبر انتخابات مبكرة. وقد لاقت دعوة شومر معارضة جمهورية عارمة وتأييداً جارفاً من الديمقراطيين، بمن فيهم عُتاة مؤيّدي إسرائيل.

وسئل جونسون عن احتمال عدم انضمام شومر إليه في توجيه الدعوة لنتنياهو فقال إنّه هو الذي يوجّه الدعوات لإلقاء خطاب أمام مجلس النواب، ولا بأس إن اقتصر خطاب نتنياهو على هذا المجلس.

شومر ردّ على هذا بالقول إنّه يرحّب دائماً بإعطاء فرصة لرئيس وزراء إسرائيل بإلقاء خطاب في الكونغرس باتفاق المجلسين تعبيراً عن التضامن الأميركي مع إسرائيل.

حتّى الآن لم يوجّه جونسون الدعوة لكنّه لم يتشاور في شأنها بعد مع شومر. قد يقرّر جونسون التشاور، لكنْ إذا وجّه دعوة باسم مجلس النواب فسيلقي نتنياهو خطاباً أمام مجلس النواب فقط، بما يدلّ على تعمّق الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين في شأن إسرائيل وعلى معارضة البيت الأبيض لهذه الدعوة.

بايدن يواجه مشكلة حقيقية في الحفاظ على صوت الناخبين من أصول عربية وإسلامية

وفي الموضوع الإسرائيلي أيضاً يصل وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت إلى واشنطن الأحد حاملاً قائمة طويلة بأسلحة ترغب إسرائيل الحصول عليها. ومنذ بدأت إسرائيل ردّها المدمّر على غزّة بعد هجوم حماس في السابع من تشرين الأول الماضي، أصبحت إسرائيل أكثر اعتماداً على جسر متواصل من الأسلحة والذخائر من الولايات المتحدة، التي بدأت تضع شروطاً على استخدام الأسلحة التي تزوّد إسرائيل بها. وكان غالانت قد وجّه رسالة إلى نظيره الأميركي لويد أوستن الأربعاء الفائت أكّد له فيها أنّ اسرائيل ستستخدم الأسلحة التي تحصل عليها من الولايات المتحدة وفق ما ينصّ عليه القانون الدولي، وأنّها تعتزم السماح بمرور مزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة.

في المقابل يسعى الديمقراطيون إلى استغلال مشاكل ترامب مع القضاء، خصوصاً الصعوبة في تأمين سند بنحو نصف مليار دولار فرضت عليه المحكمة تأمينها قبل الاثنين المقبل، بعدما أدانته بجرم الاحتيال بالمبالغة في تقدير قيمة ممتلكاته للحصول على قروض ميسّرة من المصارف. وقد طالب ترامب بتأخير تأمين المبلغ حتّى الانتهاء من استئناف الحكم، لكنّ المحكمة رفضت تمديد المهلة. وقد بدأت المدّعية العامة لولاية نيويورك إجراءات وضع اليد على ما يكفي من ممتلكات ترامب لسدّ المبلغ. ويرفض ترامب إعلان إفلاسه لتجنب الدفع، بحجّة أنّ ذلك سيؤثّر في صورته الانتخابية.

وسائل الإعلام الرئيسية الجمهورية الهوى في الولايات المتحدة لا تزال على جهدها المتواصل لترسيخ صورة سلبية لبايدن، فيما لا تتوقّف وسائل الإعلام الرئيسية المؤيدة للحزب الديمقراطي عن إبراز الصورة السلطوية والنزعة الاستبدادية لدى ترامب بالتركيز على عبارات استخدمها في إطلالاته الانتخابية من مثل "حمّام دماء" ووصف المحكومين في اقتحام الكونغرس قبل ثلاث سنوات بأنهم "رهائن يجب تحريرهم،" وغيرها، محذّرة من أنّ انتخابه سيكون خطراً على الديمقراطية.

لكنّ بايدن يواجه مشكلة حقيقية في الحفاظ على صوت الناخبين من أصول عربية وإسلامية. ولعلّ أبرز ما يظهر تغيّر الموقف الناخبين من أصول عربية وإسلامية تجاه بايدن موقف صحافية لبنانية أميركية كانت ناشطة إلى جانب بايدن. قالت لي: "لن يحصل بايدن على صوتي هذه المرّة. سأصوّت لترامب ولو عن غير اقتناع." سألتها عما إذا كان موقفها نابعاً من تأييد بايدن العلني المطلق لإسرائيل حتى بعد تعاظم الاحتجاج الشعبي، فأجابت بالإيجاب، "رغم معرفتي المسبقة بأنّ سياسة ترامب ستكون أسوأ. هذا تصويت عقابيّ."