يحيي لبنان في العاشر من آذار من كلّ عام اليوم الوطني للمحميّات الطبيعية، بهدف تسليط الضوء على قيمتها الوطنية، والطبيعية، والثقافية، والسياحية، والاقتصادية.  

"وفي لبنان عدّة أنواع من المحميّات، كالمواقع الطبيعية التي تصنّف بقرار ومرسوم، والغابات المحمية التي تقع تحت سلطة وزارة الزراعة، والحمى التي تصدر بقرار مجلس بلدي، والمواقع الرطبة المحمية دوليّاً، والمناطق ذات الأهمية الرئيسية للتنوع البيولوجي والمواقع المهمّة للطيور"، بحسب الدكتور جورج متري مدير برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، الذي قال لـ"الصفا نيوز" إنّ "المطلوب زيادة عدد المحميات الصادرة بموجب قانون، وتوفير إدارة أفضل لهذه المحميات وللمناطق الطبيعية، ومن المهمّ أن يكون المجتمع المحلّي داعماً لحماية هذه المواقع". 

توزّع المحميّات في لبنان 

حالياً هنالك ثلاث مناطق ساحلية بحرية محميّة في لبنان، وهي محميّة جزر النخل الطبيعية، (PINR) محمية شاطئ صور الساحلية الطبيعية (TCNR)، محمية شاطئ العباسية الطبيعية.  

بالمقابل، فقد أدرجت اتفاقية رامسار أربعة مواقع لبنانية كأراضٍ رطبة ذات أهمية دولية، ثلاثة منها هي مواقع ساحلية وبالتحديد المنحدر الصخري في منطقة رأس الشقعة، ومحمية جزر النخل الطبيعية، ومحمية شاطئ صور الطبيعية ومن ضمنها ينابيع رأس العين. 

كما أعلنت منظمة البيرد لايف 15 موقعاً مهمّاً للطيور (IBAs) في لبنان، هي: عكار الضنية، وحرش إهدن، وجزر النخل، وشبه صحراء رأس بعلبك، وتنورين، وبنتاعل، ونهر إبراهيم، وجبل موسى، وجبل ريم- صنين، ووادي نهر بيروت، وحمى عنجر وكفرزبد، ووادي الرملية، ومستنقع عمّيق، وأرز الشوف، وحمى إبل السقي. 

وتجري حالياً جهود حثيثة لحماية ممرّات عنق الزجاجة في لبنان للطيور المحلّقة من عقبان ولقالق وبجع، وعددها 11 موقعاً هي: وادي عودين، ومرج حين، وشاتين، وجبل موسى، وقاع الريم، ونهر بيروت، وعاليه، وعمّيق، وجزين، وإبل السقي، ودير ميماس. ومن المنتظر أن تعلن منظمة اليونسكو أول موقع جيولوجي مهم في الشرق الأوسط في بداية عام 2015، وهو موقع الشوف – جزين. كما من المتوقع إعلان بعض المحميات البحرية عام 2015، بخاصة بعد وضع إستراتيجية المحميات البحرية اللبنانية، واهتمام العالم الأورو- متوسطي بدعم هذه المحميات من أجل التضييق على ملوّثي البحار وحرمانهم من فرص رمي النفايات والملوثات في المتوسط. 

يضاف إلى هذه المحميات 28 غابة محمية و17 موقعاً طبيعياً. والأمر لا يقتصر على ذلك إذ إن منظمة اليونسكو أعلنت في لبنان ثلاث محميات محيطاً حيوياً، هي من الأقدم إلى الأحدث: محمية أرز الشوف للمحيط الحيوي (2005)، ومحمية جبل الريحان للمحيط الحيوي (2007)، ومحمية جبل موسى للمحيط الحيوي (2009). كما أعلنت وادي قاديشا ووادي جهنم ووادي نهر إبراهيم مواقع تراث طبيعية. 

ومن أشهر المحميات الطبيعية التي ذاع صيتها في لبنان، محمية حرج اهدن (قضاء زغرتا) محمية غابة أرز تنورين (قضاء البترون)، محمية أرز الشوف (أقضية الشوف وعاليه والبقاع الغربي) وأصبحت هذه المحميات أماكن سياحيّة تجذب الزوار من مختلف أنحاء العالم. كما هناك بعض المحميات التي لم تأخذ نصيبها من التسويق الإعلامي، ومنها محمية مشاع شننعير الطبيعية (قضاء كسروان)، محمية بنتاعل الطبيعية (قضاء جبيل)، محمية اليمونة الطبيعية (قضاء بعلبك)، محمية وادي الحجير الطبيعية (اقضية النبطية وبنت جبيل ومرجعيون)، محمية كرم شباط الطبيعية (قضاء عكار)، محمية رامية الطبيعية (قضاء بنت جبيل)، محمية كفرا الطبيعية (قضاء بنت جبيل)، محمية بيت ليف الطبيعية (قضاء بنت جبيل)، محمية دبل الطبيعية (قضاء بنت جبيل)، محمية أرز جاج الطبيعية (قضاء جبيل). 

أمّا الحمى فأعدادها في تزايد مستمر. وتضم حمى كفرزبد وعنجر، وإبل السقي، وعندقت، والفاكهة، والقرعون، وخربة قنافار، وعين زبدة، وقيتولي، والمعبور الأبيض، والشربين، ورأس بعلبك، ومنجز. مما سبق، نجد أنّ هناك محميات تعتمر عدة قبعات، وتتبنّاها بضع جهات. في المقابل، نجد أنّ مواقع عدّة تنتظر إعلانها محميات طبيعية، سواء كانت بحرية، مثل ميّة الدالية وصخرة الروشة وأنفة وجبيل، وبرّية مثل سيسوق والقمّوعة. 

التغيّر المناخيّ هو التحدّي الأكبر للمحميّات 

من غابات عكار تصوير عبدالله كنج

في هذا الإطار، يقول متري "يضمّ لبنان حوالى 18 محميّة طبيعية، صادرة بموجب قانون، وهي تحت سلطة وزارة البيئة، وقسم كبير منها لديه لجان ومدير، وقسم منها ناشط، أمّا القسم الآخر فلا يملك لجاناً. وتغطّي هذه المحميات 2% من مساحة لبنان وتضمن المحافظة على التنوّع البيولوجي والنظم الإيكولوجية الحساسة في هذ المناطق". 

وهناك الكثير من المشكلات التي تواجه هذه المحميات، يشرح متري، "القسم الأكبر منها يتعلّق بالتغيّر المناخي، فالمحميات التي تقع في مناطق مرتفعة لم تكن تعاني في السابق من الحرائق. أمّا اليوم فأصبحت الحرائق تبلغها نتيجة موجات الجفاف القارسة، وهو ما يشكّل خطراً ايكولوجياً وبيئياً، لأنّ أغلبية هذه النباتات المستوطنة والأشجار في الارتفاعات العالية غير متأقلمة مع الحريق، ما يسبب ضرراً دائماً. أمّا القسم الآخر من المحميات فيعاني تفشّياً لأمراض وحشرات في أشجارها بسبب التغيّر المناخي، لأنّ عدد أيام الغطاء الثلجي في السنة إلى تراجع، ما يسبّب خللاً في النظم الأيكولوجية لهذه المحميات". 

وثمّة دليل واضح على أنّ تركيز غازات الدفيئة في الجو قد ازداد بسرعة كبيرة، وهذا ما يفضي إلى إحداث التغيّر المناخي العالمي. أمّا في لبنان، فأسهم كلّ من القطاع الصناعي وطرق التغذية الكهربائية مثل المولدات، بالإضافة إلى الكثافة العالية لوسائط النقل، في تحرير الغازات الدفيئة. من الممكن أن يسبّب التغيّر المناخي آثاراً خطيرة على عمليات التغذية والتكاثر وتطور الأنواع البحرية في لبنان. وتشمل هذه الآثار ما يلي: 

ارتفاع مستوى سطح البحر بحيث يغمر الموائل في منطقة المد والجزر، ويزيد من عمق المياه ويسبب تآكل التربة. 
ارتفاع درجات حرارة المياه مما يدفع بعض الأنواع غير القادرة على التأقلم مع الوضع الجديد إلى الهجرة أو الموت (مثل ابيضاض الشُّعب المرجانية).  
درجات الحرارة المرتفعة تعني أيضاً معدّل امتصاص أعلى للكربون الجويّ ممّا يؤدي بدوره إلى ارتفاع حموضة المحيط. 
ظواهر جويّة بالغة الشدّة على طول المناطق الساحلية متسببة بالفيضانات وتآكل التربة واضطرابات تؤثر في الموائل الضرورية لعمليات التكاثر والنمو (مثل طبقات الأعشاب البحرية). 
زيادة نسب الحرائق في الغابات والقضاء على بعض النباتات الفريدة. 
الحلول كثيرة… من أين نبدأ؟  

ماذا عن الحلول؟ يجيب متري "يجب وضع خطّة لإدارة الكوارث والحرائق في شكل عام، وهو موضوع في طور الدرس، وخطّة للتعامل مع تفشي الأمراض والحشرات، والعمل على تنفيذها، وخطط دائمة للتصدي لأي مخاطر قد تمسّ هذه المحميات والاستجابة السريعة، فضلاً عن حمايتها من أيّة تعدّيات بشرية، كقطع الأشجار والصيد، وحمايتها من مصادر التلوّث المتعددة كالتلوّث المائي، وتلوّث الهواء والتربة، والتلوّث الضوضائي، وهذه الحلول تساعد على تخفيف الضغط على هذه المحميات خصوصاً اذا ما كان هناك إدارة جيّدة ولجان تتابع هذه المحميات". 

وحول الأهمية التي تحملها المحميات، رأى متري أنّ "لها أهمية ثقافية، وطنية، اجتماعية، بيئية، اقتصادية، سياحية، فهي عامل جذب للزائرين اللبنانيين والسيّاح الأجانب، ما ينعش اقتصاد المجتمعات المحليّة المجاورة لهذه المحميات، كما أنّها تحمي وجه لبنان الجميل، وتحافظ عليه للأجيال المقبلة. أضف أنّ الكثير من المحميّات تحمل طابعاً ثقافياً، من حيث المواقع والغابات المعمّرة التي تملكها والمواقع الأثرية ودروب المشي والتقاليد في الدول المجاورة لها". 

والمحافظة على هذه المحميات تتمّ من خلال عمل مشترك بين المجتمعات المحليّة والجمعيات غير الحكومية ووزارة البيئة. كما يجب تقديم دعم مالي وتقني من الجهات المانحة، يتابع متري، "لأنّ أغلبية المحميات بحاجة إلى موارد مالية وبشرية لتنفيذ جميع الخطط المطلوبة وحماية هذه المحميات ومنع التعديات عليها. لذلك يجب أن يكون هناك عمل تشاركي ونشر الوعي حول أهمية هذه المحميات ودورها الوطني. ووزارة البيئة تملك خططاً لزيادة عدد المحميات في لبنان والمساحات المحمية". 

لبنان يخسر تنوّعه البيئيّ 

أصبح الحفاظ على المحميات الطبيعية والغابات والتنوع البيئي في لبنان ضرورة ملحّة، فبحسب موقع "غلوبال فورست واتش"، خسر لبنان في عام 2021 فقط، 6 ملايين و730 ألف متر مربّع من الغابات الحرجية بسبب أعمال التحطيب. ومنذ عام 2019، مع ارتفاع أسعار مواد التدفئة أو فقدانها، وصلت الخسائر في الأراضي الحرجية إلى 15 مليوناً و86 ألف متر مربع من الأشجار المعمّرة والنادرة، كالشوح واللزاب، والتي تحتاج إلى عشرات السنوات لتنمو مجدداً. الأسوأ أنّ هذه الأرقام مرشّحة للارتفاع أكثر بعد احتساب خسائر شتاء 2022 الذي شهد قطعاً جائراً للشجر لا سابق له.  

عام 1995، كانت الغابات تغطي 35% من أراضي لبنان. لكنها تشهد تراجعاً مستمراً، ووصلت عام 2021 إلى 13% فقط. ما يشير إلى احتمال اختفاء «لبنان الأخضر» تماماً في الأعوام المقبلة، إذا بقيت الأمور على حالها. 

وإلى ذلك، تمثل المياه اللبنانية اقلّ من 1% من مساحة المحيطات في العالم، ولكنها تؤوي ما نسبته 6% تقريباً من الأنواع البحرية العالمية. 

جهود رسمية غير مكتملة 

في سياق متصل، كانت قد أعدّت الحكومة اللبنانية ووزارة البيئة التقرير الوطني حول التنوع البيولوجي الساحلي والبحري بموجب برنامج العمل الإستراتيجي للمحافظة على التنوع البيولوجي SAP-BIO المنفّذ من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP وخطة عمل المتوسط MAP ومركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المتمتعة بحماية خاصة SPA/RAC وذلك في عام 2002 وتم تحديثه في عام 2020. ويسلط تقرير عام 2002 الضوء على 5 خطط عمل تستهدف التالي: 

- مراقبة دائمة للتنوع البيولوجي الساحلي والبحري. 
- تحديد الخواص الفيزيائية الخاصة بالبيئة البحرية اللبنانية. 
- تنظيم حملات التوعية الموجهة لسكان المناطق الساحلية اللبنانية والقطاع العام. 
- التشريع الخاص بالتنوع البيولوجي الساحلي والبحري. 
- تأسيس إستراتيجيات الحفاظ على الموائل الساحلية.

وكانت وزارة البيئة قد أعدّت بالتعاون مع الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة IUCN وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP وخطة عمل المتوسط MAP ومركز الأنشطة الإقليمية للمناطق المتمتعة بحماية خاصة SPA/RAC، قد أعدّت إستراتيجية المناطق البحرية المحمية في لبنان (2012) والتي أسفرت عن التوصية بإنشاء 14 منطقة بحرية محمية وأربع مناطق بحرية محمية في المياه العميقة مع إعداد برنامج لتقييم مدى نجاح إدارتها. 

إلاّ أنّ هذه الخطط لم تُنفّذ على الرغم من أنّها موضوعة منذ أكثر من 22 عاماً، فيما الجهود الرسمية في هذا الإطار لا تزال متواضعة. فهل يستيقظ المعنيّون ويلتفتون إلى الثروات الطبيعية في لبنان قبل فوات الأوان؟