نحتفل باليوم العالمي للمرأة في الثامن من شهر آذار من كلّ عام، مستذكّرين حراك النسوة في جميع بلدان العالم، والنضال الذي خضنه لتحصيل حقوقهن، وعدد الإنجازات التي تحقّقت حتّى اليوم. إلاّ أنّ الاحتفال عامًا بعد عام يبقى منقوصًا وسط مظاهر العنف، والتمييز، والإجرام الممارس بحقّ النساء، خصوصًا في الحروب. فالعالم مشتعل من الكونغو إلى السودان، وفلسطين، وحيث الأكراد في سوريا، وجنوب لبنان، (على سبيل التعداد لا الحصر)، إذ تتعرّض النساء لأسوأ أنواع التهجير القصري، والاغتصاب، والتحرّش، والقتل، والإعدام، والاختطاف. فالنساء لا يسلمن من الوحشية الذكورية لا في أوقات الحرب ولا في أوقات السلم. وعليه، أصبح اليوم العالمي للمرأة تذكيرًا للنساء بأنّ طريق النضال طويل، وأنّ المساواة في الحقوق قد تبقى مطلبًا صعب المنال. 

ففي الدول "المتقدّمة" التي تصنّف نفسها "ديمقراطية" و "حامية حقوق الأفراد" لا يزال واقع النساء مأسويًّا، فمعدّلات الاغتصاب مرتفعة في دول مثل السويد وبلجيكا والنرويج وألمانيا وفرنسا، وبريطانيا، وأميركا. ووفقًا لتقرير اللجنة البرلمانية لتكافؤ الفرص بين النساء والرجال، عن عام 2020، تتعرّض واحدة من كلّ ثلاث نساء عمرها 15 عامًا فما فوق، في الاتحاد الأوروبي، للعنف الجسدي أو الجنسي من قبل الرجل: الدنمارك بنسبة 52% وفنلندا بنسبة 47% وألمانيا بنسة 35%، وفي بريطانيا وفرنسا بنسبة 44% وفي الولايات المتحدة بنسبة 45%. 

واستنادًا إلى بيانات مكتب الإحصاء الأوروبي في عام 2017، فإنّ المملكة المتحدة لديها أعلى معدّل للتحرش والاغتصاب، إذ تعرّضت 48,122 امرأة للاغتصاب. ووفقًا لبيانات منظمة العفو الدولية، للعام نفسه، فإنّ "الاغتصاب" يحدث كثيرًا في الدنمارك ونادرًا ما يُعاقب المغتصبون، ولهذا تميل النساء في الدنمارك إلى عدم إبلاغ الشرطة عن التحرش والاغتصاب. 

المرأة في القوانين اللبنانية 

على الرغم من أنّ المنطق السائد حاليًا في لبنان هو "صاروا الرجال بدهن حقوقهن" (وإن دلّت هذه العبارة على شيء فعلى أهمية العمل الذي تقوم به الجمعيات النسائيّة، في دعم المرأة والضغط باتجاه إقرار قوانين تحمي حقوقها)، لكن لا تزال بعض قوانينه تتميّز بالسلبية في هذا المجال، ولا سيّما القوانين الخاصة بالأحوال الشخصية. وهو ما تؤكّده رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين عون لـ"الصفا نيوز". 

رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة كلودين عون

وفي تحليل لواقع المرأة اللبنانية اليوم على الصعيد القانوني قالت عون "بفضل تضافر جهود المؤسّسات المعنية بحقوق النساء في القطاعين الرسمي والخاص، شهد لبنان تقدّمًا ملموسًا منذ عام 1953، (تاريخ منح المرأة اللبنانية حقّ التصويت والترشّح للانتخابات) في مجال تحقيق حقوق المرأة"، وأضافت "لا يوجد في القانون أيّ نصّ يحول دون تمتّع المرأة بالأهلية القانونية، وذلك بعد تعديل أو إلغاء النصوص التي تميّز بين المرأة والرجل في هذا الشأن. فلها الحق في العمل وفرص التوظيف وتساوي الأجور والأمن الوظيفي وديمومة العمل وإجازة الأمومة ورعاية الأطفال والوقاية الصحّية وسلامة العمل. كما لها الحق في الحصول على القروض المصرفية والرهون العقارية". 

وتابعت عون "تعامل المرأة رسميًا بشكل متساوٍ مع الرجل في ما يختص بأهليتها القانونية في إبرام العقود وإدارة ممتلكاتها. كما تستطيع تلقّي الرعاية الصحية ووسائل منع الحمل من دون إذن زوجها. للمرأة حق إبرام العقود المتعلّقة بالائتمان والعقارات والممتلكات الأخرى. كما تمارس العمليات التجارية من دون إجازة من زوجها وباسمها الشخصي بعد تعديل قانون التجارة. وللمرأة الحقّ في إدارة أملاكها بشكل متساوٍ مع الرجل من دون تدخّله أو موافقته. كذلك يمكنها التصرف بها مثلما تشاء، فتبيع وتشتري وترهن وتتنازل عنها من دون موافقة زوجها أو والدها سواء كانت الأملاك قد آلت إليها قبل الزواج أو بعده. وتعامل المرأة على قدم المساواة مع الرجل أمام المحاكم، فيجوز لها أن تدّعي أو يدّعى عليها، كما يمكنها تقديم الشكاوى باسمها الشخصي، وللمرأة الأهلية للشهادة أمام جميع المحاكم والمؤسسات الحكومية، ولهذه الشهادة نفس وزن شهادة الرجل". 

وأضافت "يحق للمحاميات أن يمثلن موكليهن أمام المحاكم والهيئات القضائية الخاصة، ويحق لهن أن يكن في هيئات المحلّفين والهيئات الأخرى التي تضم المواطنين. كما يمكن للنساء العمل في سلك القضاء في المحاكم المدنية، ولكن ليس في المحاكم الشرعية التي تبقى من صلاحية الرجل، ما عدا الطائفة الإنجيلية حيث المرأة حاضرة في المحكمة الروحية الإنجيلية. وتتمتع المرأة بفرص متساوية مع الرجل في الاستفادة من الخدمات القانونية، بما في ذلك المعونة القضائية التي تقدم لها مجانًا في حال عدم قدرتها على تحمّل نفقات الدعوى وأتعاب المحاماة، كما تطبّق المفاهيم القانونية كافة على الرجل والمرأة على السواء. وتعطى المرأة تعويضًا عن الأضرار تمامًا مثلما يعطى الرجل في ظروف مماثلة. كما تواجه المرأة الأحكام نفسها التي يواجهها الرجل في الظروف المماثلة". 

"للمرأة والرجل الحقوق القانونية نفسها في حرية الحركة واختيار السكن ومحل الإقامة"، تقول عون، "إلّا أنّ التقاليد والعادات تحدّ من قدرة المرأة على ممارسة هذا الحق إذ إنّ محل سكن المرأة هو سكن أبيها أولًا (وزوجها ثانيًا). وإنّ الزواج لا يحد من حق المرأة في اختيار أن تحتفظ بمحل سكنها الأصلي إذا تعثّرت أحوال الرجل المادية. وغالبًا ما تكون الضائقة المادية وعدم توافر المساعدة خاصة عند وجود الأولاد السبب الأساس لاحتفاظ المرأة بسكنها الأصلي". 

التمييز في القوانين والإصلاحات التي يتمّ العمل عليها 

وعلى الرغم من أنّ كفّة الميزان بدأت تقارب شيئًا فشيئًا التوازن في الحقوق بين النساء والرجال، يبقى التمييز بحق المرأة، بحسب عون، قائمًا في القوانين التالية "قانون العمل وأنظمة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (أحكام متعلقة بفئتين مستثنيتين من هذين القانونين وهما الخدم في المنازل والمرأة العاملة في القطاع الزراعي)، قانون الجنسية، قوانين الأحوال الشخصية (الزواج، الحضانة، الطلاق، والإرث، إلخ)، قانون العقوبات (الإجهاض)، أنظمة المصارف (فتح الأم حساب لأولادها القاصرين)". 

إلى ذلك، تعمل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، بالتعاون مع جمعيات المجتمع المدني، على سلسلة إصلاحات تشريعية، منها: أولًا، اقتراح تعديل قانون العمل اللبناني، ومن أبرز التعديلات: تمديد إجازة الأمومة خمسة عشر أسبوعًا، استحداث إجازة أبوة وإجازة والدية، إضافة مادة في قانون العمل تنصّ على تطبيق مبدأ المساواة في الأجر من دون تمييز بين النساء والرجال عن كلّ عمل ذي قيمة متساوية، ولا يجوز التمييز إذا كان العمل مختلفًا ومع ذلك ذا قيمة متساوية . 

ثانيًا، اقتراح قانون لتحسين تمثيل المرأة في مجالس إدارة الشركات المساهمة على أن لا يقل عددهن عن الثلث، وإلّا يعتبر تشكيله باطلًا. ويهدف هذا الاقتراح الى زيادة مشاركة النساء في صنع القرار الاقتصادي وتوفير الفرص المتكافئة لهنّ مع الفرص المتوفّرة للرجال. 

ثالثًا، العمل على اعتماد قانون يحدّد عمر الـ18 العمر الأدنى للزواج من قبل مجلس النواب. 

رابعًا، العمل على إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصية. 

خامسًا، رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والتصديق على بروتوكولها الاختياري. 

سادسًا، العمل على إقرار قانون يعترف بحق المرأة اللبنانية بنقل جنسيتها إلى أولادها. 

سابعًا، العمل على معالجة القضايا المتعلّقة بأوضاع مكتومي القيد من خلال اقتراح قوانين (مثلًا، تمديد مهلة تسجيل الولادات...). 

ثامنًا، تطوير قانون معاقبة جريمة الاتّجار بالبشر. 

تاسعًا، اقتراح قانون لتعديل قانوني الانتخابات النيابية والبلدية، لتضمينهما كوتا نسائية. 

عاشرًا، تطوير الهيئة الوطنية مع شركائها لسياسات تطبيقية للوقاية والاستجابة والمعاقبة على التحرش الجنسي في إطار العمل. 

إنّ واقع النساء في الدول العربية وفي بلدان العالم بحاجة إلى المزيد من التمكين وقوانين الحماية، ففي ظل ّ نظام عالمي تحكمه الفوضى والأطماع السياسية، أصبحت المعايير الحقوقية مزدوجة، تطبق على فئة من الأفراد دون غيرها. وعليه، يبقى المسار طويلًا، إلاّ أنّ النفس أطول.