في بداية 1996 أصدر الكاتبان الفرنسيان بيار أكّوس وبيار رنتشنيك كتابهما "هؤلاء المرضى الذين يحكموننا." في هذا الكتاب تحدّثا عن مجموعة من زعماء العالم قالا إنّهم مرضى، مثل الصيني دنغ شياو بنغ والكوري الشمالي كيم إيل سونغ، والفرنسي فرانسوا ميتران، والأميركي رونالد ريغان، والروس يوري أندروبوف وقسطنطين تشرننكو وبوريس يلتسن، والإسرائيليين مناحم بيغن وموشيه دايان وغولدا مئير، واليوناني أندرياس باباندريو، والكوبي فيدل كاسترو، البابا يوحنا بولس الثاني، والروماني نيكولاي تشاوتشسكو، والعراقي صدّام حسين والسوري حافظ الأسد والمغربي الحسن الثاني، والتونسي الحبيب بورقيبة، والجزائري هوّاري بومدين، وشاه إيران، والإمام الخميني وغيرهم. وجاء في الكتاب أنّ "هؤلاء ليسوا كالمرضى الآخرين،" لأنّهم "يتطلّعون إلى الأطبّاء الذين يعالجونهم بعين الريبة، ويميلون أكثر إلى الطبّ الموازي."

وقد أجرى الكاتبان مقابلة مع الاختصاصي الفرنسي المعروف في أمراض الدم البروفسور جان برنار (1907-2006) قال لهما فيها إنّ من الممكن الإثبات بالإحصاءات أنّ حياة رؤساء الدول أقصر إجمالا من حياة العمّال العاديين مثلاً. أضاف أن من الضروري أن يأخذ المرء في الاعتبار أنّ هؤلاء القادة المرضى لا يرون لمرضهم تأثيراً في الخط العام للبلدان التي يحكمونها ويرفضون الاعتراف بأنّ لوضعهم الصحّي ارتدادات خطيرة على بلدانهم ومواطنيهم.

وما قيل عن مرض الرؤساء قبل نصف قرن يصحّ أيضاً على عمرهم، إذ أنّ بعض الأمراض مرتبط بالعمر وأحد مظاهره. وقد تسلّل عامل العمر مرّة جديدة إلى ملفّ الانتخابات الأميركية. بل قل إنّه ما غادرها يوماً منذ أن أعلن الرئيس السابق دونالد ترامب ترشّحه للانتخابات فور خروجه من البيت الأبيض في بداية 2021 ومنذ أن تأكّد أنّ الرئيس جو بايدن لن يدع مرشحاً ديمقراطيا غيره ينافس على الرئاسة.

برز الاهتمام بسنّ الرؤساء الأميركيين وصحّتهم منذ أن خضع الرئيس رونالد ريغان في أواخر ولايته الثانية للاستجواب في ما سمّي بفضيحة إيران غايت

ويكتسب عامل العمر أهمّية لسببين رئيسيين على الأقلّ: الأول قدرة المسؤول على تحمّل مشقّات المنصب، وضعف الذاكرة. وقد دأب الرؤساء والمسؤولون في الحِقَب الأخيرة على نشر نتائج تقارير طبية، ولو بشكل جزئي، تثبت أنّهم في صحّة جيّدة، علماً أن الجميع يعرف أنّ الصحة تبدأ بالتراجع إجمالا بعد الستين وأنّ معظم الناس، مسؤولين وغير مسؤولين، يتناولون أدوية لمعالجة أمراض ترافق التقدّم في العمر.

الرئيس رونالد ريغان

وبرز الاهتمام بسنّ الرؤساء الأميركيين وصحّتهم منذ أن خضع الرئيس رونالد ريغان في أواخر ولايته الثانية للاستجواب في ما سمّي بفضيحة إيران غايت أو ايران الكونترا في منتصف الثمانينيات وأجاب على أكثر من سؤال: "لا أتذكّر." وتبيّن لاحقا أن ريغان كان يعاني بدايات مرض آلزهايمر.  وبرزت أيضاً حين أعلن البيت الأبيض عام 2020 أنّ الرئيس ترامب أصيب بكوفيد 19 وأنّه عولج بأدوية كانت لا تزال تحت الاختبار. وعادت القضية إلى الواجهة أخيراً مع محاولة وزير الدفاع الحالي لويد أوستن إخفاء إصابته بسرطان البروستات وهو أصغر من بايدن بإحدى عشرة سنة. وظهرت أيضا مع تجدّد إخفاق الذاكرة عند بايدن وترامب معاً.

في دراسة أجراها معهد بيو The Pew Foundation ونشرها في آذار 2023 تبيّن أنّ الرئيس بايدن، وهو في الواحدة والثمانين، تاسع أكبر رئيس سنّا في العالم، وأنّ الرئيس ترامب، إن أعيد انتخابه، سيكون بين أكبر خمسة وعشرين رئيسا سنّاً في العالم.

وبحسب الدراسة، فإنّ أصغر رئيس سنّا في العالم هو الرئيس الانقلابي لبوركينا فاسو ابراهيم تراوري، وهو في الرابعة والثلاثين، يليه رئيس تشيلي غابرييل بوريك وهو في السابعة والثلاثين، تليه رئيسة فنلندا سانّا مارين وهي في السابعة والثلاثين، ورئيس مونتنغرو دريتان أبرازوفينش، وهو في العمر نفسه أيضاً. أما أكبر الرؤساء الحاليين سنّا في العالم فهو رئيس الكاميرون بول بيا الذي تبوّأ سدّة الرئاسة منذ أكثر من أربعين عاماً وهو اليوم قد تخطّى التسعين.

تقول الدراسة إنّ ملكة بريطانيا اليزابث الثانية توفيت وهي في السادسة والتسعين بعد حكم دام أكثر من خمسة وسبعين عاماً. وكان الرئيس التونسي السابق الباجي قايد السبسي قد توفي عام 2019 وهو لا يزال في الحكم، عن ثلاثة وتسعين عاماً. سنّ رؤساء الدول اليوم تتراوح بين الخامسة والثلاثين والتسعين، إلاّ أن معدّل أعمار الرؤساء الذكور هو اثنان وستون عاماً فيما معدّل عمر الرئيسات سبعة وخمسون عاماً، أصغرهنّ رئيسة فنلندا وأكبرهنّ سنّاً رئيسة وزراء بنغلادش شيخة حسينة.

أمّا في لبنان، فرؤساء ما بعد الاستقلال جميعاً – إلا أربعة – انتخبوا وهم في الستين وما دون. الشيخ بشارة الخوري كان في الثالثة والخمسين، الرئيس فؤاد شهاب كان في السادسة والخمسين. الرئيس شارل حلو كان في الواحدة والخمسين. الرئيس سليمان فرنجية كان في الستين. الرئيس الياس سركيس كان في الثانية والخمسين. الرئيس بشير الجميّل كان أصغرهم وانتخب وهو في الخامسة والثلاثين، تلاه شقيقه أمين وكان في الأربعين حين انتخب. الرئيس رينيه معوّض انتخب وهو في الرابعة والستين، الرئيس الياس الهراوي انتخب وهو في الثانية والستين، وكذلك الرئيس إميل لحود. الرئيس ميشال سليمان انتخب وهو في الستين. أما أكبرهم سنا عند الانتخاب فهو الرئيس ميشال عون الذي كان في الواحدة والثمانين، وقد بدت عليه أعراض العمر في أكثر من مناسبة في أثناء عهده.

المسألة الثانية التي تثار مع العمر هي الرغبة الجامحة لدى الروساء لتمديد فترة تولّيهم المسؤولية بالترشّح مجددا. ولا عيب في ذلك متى كان الدستور ينصّ عليه.

في الولايات المتحدة مثلا، لا يحق للرئيس البقاء أكثر من ولايتين: ثماني سنوات متّصلة أو منفصلة لا فرق. ولكن ليس أكثر. آخر تعديل دستوري في فرنسا مثلاً حدّد مدّة الرئاسة بولايتين من خمس سنوات لكلّ منهما. أمّا في روسيا والصين فقد أدّت التعديلات الدستورية الأخيرة إلى إمكانية بقاء الرئيسين الحاليين فلاديمير بوتن وشي جنبنع مدى الحياة إذا شاءا.

وبالعودة إلى لبنان، يحدّد الدستور مدّة الرئاسة بستّ سنوات غير قابلة للتمديد إلّا بعد مرور ستّ سنوات كاملة. لكن الواقع مختلف إذ أنّ الدستور كان عرضة للتعديل أكثر من مرة. فقد مدّدت ولاية ثلاثة رؤساء: بشارة الخوري الذي اضطر إلى الاستقالة وهو في منتصف فترته الرئاسية الثانية. والرئيسان الياس الهراوي وإميل لحود اللذان مُدّد لهما ثلاث سنوات. لم يكن التمديد ممكنا في عهد الرئيس كميل شمعون إذ انتهت ولايته بما سمّي ثورة 1958. الرئيس شهاب رفض التمديد. الرئيس حلو كان يعدّ الأيام لانتهاء ولايته. الرئيس فرنجية اضطر إلى تقديم موعد الانتخابات الرئاسية ستة أشهر بسبب الحرب. الرئيس سركيس عمل لإيصال الرئيس بشير الجميّل. الرئيس أمين الجميّل سعى إلى التمديد بلا توفيق. ولم تكن الظروف متوافرة لطرح تمديد رئاسة ميشال عون. أمّا بشير الجميّل ورينيه معوّض فاغتيلا قبل توليهما المسؤولية. 

في المقابلة التي تضمنها كتاب "هؤلاء المرضى الذين يحكموننا،" اقترح البروفسور برنار أن تشكّل أعلى سلطة قضائية في كلّ بلد لجنة طبّيّة مهمّتها الكشف السنويّ على الرؤساء. فإذا تبيّن أنّ أحدهم مصاب بمرض خطير أو معتلّ الصحّة، وأصرّ على إخفاء مرضه، تبلّغ اللجنة الطبية الهيئة القضائية بالأمر لتأخذ الإجراء المناسب.

ومنذ نصف قرن حتى الآن، لم ترَ هيئة كهذه النّور فيما يصرّ معظم الساسة الكبار السن على الترشّح على أساس اعتقادهم أنهم سيعيشون إلى الأبد.