كثيرة هي المشاغل/المشاكل التي تسعى الإدارة الأميركية الحالية إلى طيّها وإيجاد حلول دائمة لها أو ترحيلها إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية. فإن فاز الرئيس بايدن يكون أكثر تحرّراً من الضغوط التي لازمت فترته الأولى ويكون أجرأ في التصدّي لها، وإن فاز منافسه الجمهوري يكون حلّ تلك المشاكل من مسؤولية الرئيس الجديد.  

الانتخابات

هذه السنة هي سنة انتخابات بامتياز في الولايات المتحدة. والمتنافسان المحتملان هما الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترامب. فقد أطلق الرئيس بايدن حملته بداية العام، فيما كان ترامب قد أعلن ترشّحه لانتخابات 2024 فور مغادرته البيت الأبيض قبل ثلاث سنوات.

وليست الرئاسة وحدها موضع منافسة، فالأميركيون سيختارون كامل أعضاء مجلس النوّاب (435) الذين يُنتخَبون كلّ سنتين، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ (33) وهم يُنتخَبون كلّ ستّ سنوات. وسيدلي الناخبون في بعض الولايات بأصواتهم لانتخاب حكّام ولاياتهم.

مشكلة ترامب الآن أنّه يواجه أربع دعاوى قضائية منها ثلاث جنائية: الأولى احتفاظه بوثائق سرّيّة خلافاً للقانون. الثانية الضغط على المسؤولين عن الانتخابات في ولاية جورجيا لتزوير النتائج لمصلحته. الثالثة حضّ أنصاره على ارتكاب عصيان مسلّـح باقتحام مبنى الكونغرس في السادس من كانون الثاني 2021 لمنع تثبيت نتائج الانتخابات. وهذا يعني أنّه سيكون منشغلاً بالمحاكمات بدلاً من استكمال حملته.

لكنّ بايدن يواجه أيضاً مشاكل عديدة منها أنّ شعبيّته انخفضت انخفاضاً كبيراً بسبب حملة الجمهوريين المستمرّة عليه منذ خمس سنوات والتي تصوّره عجوزاً ساهياً دائمَ النعاس، وفاسداً غطّى صفقات يقولون إنّ ابنه هانتر عقدها خلافاً للقانون. وفي حملة الجمهوريين على بايدن اتهامات بإفساد الإدارة وإضعاف الاقتصاد.

ومشكلة بايدن أيضاً أنّ ليس في الدستور الأميركي أيّ نصّ يمنع ترامب من الترشح للانتخابات الرئاسية والفوز فيها، حتّى لو صدر عليه حكم بالسجن، إلا إذا ثبتت عليه تهمة العصيان المسلّـح. وهذا ما استندت إليه المحكمة العليا في ولاية كولورادو وأمينة سرّ ولاية ماين في قرارهما عدم جواز إدراج اسم ترامب على قائمة المرشحين، وفقاً لتفسيرهما المادة الثالثة من التعديل الرابع عشر للدستور. وهو ما ستنظر فيه المحكمة العليا للولايات المتحدة قبل الثاني عشر من شهر شباط المقبل.

الاقتصاد

ولأنّها سنة انتخابات سيحاول بايدن تضخيم ما فعله لتنمية الاقتصاد، على ما يقول الديمقراطيون، كإقرار قانون تطوير البنية التحتية (طرق وجسور وسكك حديد وشبكة الأنترنت السريعة) وتوفير فرص العمل (في السنتين الأوليين خلقت إدارة بايدن عشرة ملايين وسبعمئة ألف فرصة عمل) ولجم التضخم (أنتجت زيادة الاحتياطي الفدرالي الفائدة الأساس إلى خمسة في المئة خفض التضخّم من تسعة في المئة إلى ثلاثة في المئة). أمّا ترامب فسيحاول تقديم هذه النتائج وكأنّها الحدّ الأدنى غير الكافي، وأنّه – كالعادة – قادر على إنجاز الأكثر.

الإنفاق العامّ

في بداية العام فاق دين الولايات المتّحدة العام أربعة وثلاثين تريليون دولار، وهو رقم قياسي. ويتبادل الجمهوريون والديمقراطيون التّهم بزيادة حجم الدين العام سواء بسبب تخفيض الضرائب والاستعاضة عنها بالاستدانة – وهو ما دأب الجمهوريون على ممارسته – أو بالمبالغة في الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية وتخفيض حجم الفقر. ويصوّب الجمهوريون دائماً على إنفاق الحكومات الديمقراطية على الرعاية الصحّية فيما يعجز أكثر من ثلث الأميركيين عن شراء التأمين الصحّي.

وقد ظلّ الديّن الأميركي العام طويلاً في مستويات مقبولة إلى أن هوجمت الولايات المتحدة في الحادي عشر من أيلول 2001 والحروب التي شنّتها الولايات المتّحدة بعد ذلك في أفغانستان ثم في العراق وسوريا للقضاء على تنظيم داعش. ويقول الديمقراطيون إنّ الحربين اللتين بدأهما الرئيس جورج بوش الابن رتّبتا على الولايات المتّحدة ديونا باهظة، وإنّ الرئيس ترامب أغرق الولايات المتحدة في تسعة آلاف مليار دولار من الديّن في سنوات حكمه الأربع.

وقد تأثّر الاقتصاد أيضا بالإنفاق لتطويق مفاعيل جائحة كوفيد 19 والإغلاق الذي شمل مختلف القطاعات ومفاصل الحياة العامّة والخاصّة في عدد كبير من الولايات لأكثر من سنة. وتأثّر الاقتصاد أيضا بظواهر التغيّر المناخي وموجات البرد القارس والحرّ اللاهب والجفاف القاحل والحرائق الممتدّة والأعاصير المدمّرة والسيول الجارفة وتغيّر المواسم، ومجمل الأضرار التي خلـّفتها.

ولا يخفى أنّ السياسة البيئية التي أقرّتها الولايات المتحدة والاتّفاقات الدولية لمكافحة التغيّر المناخي وإصلاح أضراره تكبّد الاقتصادات العالمية، ولا سيّما الاقتصاد الأميركي تكاليف باهظة للتقيّد بالقياسات الجديدة المفروضة لتخفيف الانبعاثات الدفيئة وصولاً إلى الانتهاء منها بعد ربع قرن.

الهجرة

شكّلت الهجرة إلى الولايات المتحدة ولا تزال انقساماً عميقاً في المجتمع، فيما قامت الولايات المتحدة عبر المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل. أفليس يقال عن أميركا إنّها بلاد الفرص؟ وقد استفادت الولايات المتّحدة من مواهب هؤلاء المهاجرين وتعبهم مثلما استفادوا هم منها.

بدأ ترامب عهده في بداية 2017 بإصدار أمر تنفيذي حظر فيه هجرة مواطني عدد من الدول الإسلامية إلى الولايات المتحدة بحجّة التورّط في الإرهاب وأطلق عبارة "الإرهاب الإسلامي". لكنّ المحكمة العليا شطبت معظم بنوده بعدما وجدته مخالفاً لأحكام الدستور.

أمّا بايدن فقد انتهج سياسة مناقضة لسياسة سلفه، ولكن بدون إصلاح حقيقي لأنظمة الهجرة. وهو ما خلق أزمة مهاجرين على الحدود الأميركية المكسيكية وأزمة إنسانية لا تزال عاصية على الحل.

وفيما ساد الاعتقاد طويلاً بأنّ الديمقراطيين يستفيدون حكماً من تصويت المهاجرين لهم، أظهرت الانتخابات الأخيرة (2020) أنّ أصوات المهاجرين وخصوصاً من دول أميركا الوسطى والجنوبية لم تعد مضمونة لهم.

عنف السلاح

لا يمضي شهر لا تتصدّر الأخبارَ فيه حوادثُ إطلاق النّار من أسلحة رشّاشة على مدارس ومراكز تجارية وغيرها من الأماكن المزدحمة. ففي 2023 بلغ عدد ضحايا عنف السلاح أربعين ألفاً، وهو أقلّ بنحو تسعة آلاف من عدد ضحاياه العام 2021.

ورغم المآسي لا يزال لوبي السلاح أقوى من الضحايا وذويهم، ومن الحكومة الفدرالية التي لم تتمكّن من إقرار أيّ إجراء أو قانون ذي شأن يحدّ من خطر اقتناء السلاح وحرّية نقله لأنّ التعديل الثاني للدستور الأميركي يضمن اقتناء السلاح وتأليف الميليشيات. في هذا الوقت، أباحت الولايات الجنوبية، وهي ولايات حكّامُها جمهوريون، حمل السلاح ظاهراً ومخفياً بدون ترخيص.

بؤر التوتّر في العالم

بعد الانسحاب الكارثي من أفغانستان وتخفيض الانتشار العسكري في العراق وسوريا، تجد الولايات المتحدة نفسها معنيّة مباشرة بعدد من بؤر التوتّر والنزاعات في العالم. فهي لا تزال منخرطة في مكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيم داعش في غرب العراق وشمال سوريا. ولا يزال نحو ألفين وخمسمئة جندي أميركي منتشرين في العراق ونحو ألف وخمسمئة في سوريا وبضعة آلاف في بقع توتر أخرى مثل مالي. وهي غارقة لوجستياً في حرب روسيا على أوكرانيا. وهي مدّت إسرائيل بالذخائر والأسلحة في حربها في غزّه، وتسعى إلى حصر النّزاع في غزّة ومنع تمدّده إلى جبهة لبنان الجنوبية، على غرار اهتمامها بأمن الممرّات التجارية البحرية في الخليج وفي البحر الأحمر. وفي الفترة الأخيرة وجدت نفسها مضطرة لتكثيف مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية ردّاً على إطلاق كوريا الشمالية صواريخ بالستية في بحر اليابان وقصفها جزيرتين كوريتين جنوبيتين.

إلّا أنّ الهمّ الأكبر يبقى تنامي القدرات العسكرية والنفوذ الصيني في العالم وفي تكثيف تحرّكات الصين العسكرية في مضيق تايوان.

ولا شكّ أنّ الناخبين سيتعرّضون لشتّى أنواع الدعايات السياسية لإقناعهم بالانحياز لواحد من المرشحَين. لكن يبقى أنّ تيّاراً ينمو داخل الحزبين لا يريد أن يكون ترامب مرشح الحزب الجمهوري ولا بايدن مرشح الديمقراطيين.

هذا التيار لا يزال في بداياته. وقد يوأد في بداياته...