هو موسم انتخابات يجتاح الكرة الأرضية على وقع طبول الحرب. انتخابات رئاسية لأنظمة تحكم العالم، وأخرى تنتظر المساعدة لانتخاب رئيسها. هو موسم البحث عن رأس رغم أنّ الدول المتحضرة تحكمها المؤسسات وأنظمة الحكم والقوانين. ولكنّ قرار الحرب والسلم ومفاتيح القنبلة النووية ومصير العالم بيد الرئيس، وهي في عداد صلاحياته. فقرار اغتيال في بلد ما من هنا، أو حرب في ساحة أخرى من هناك، يعود إلى الرجل وحده. وكأنّ عمل المؤسسات والإدارات الوطنية محصور بالشأن الداخلي. ولرأس السلطة الحاكم كلّ ما خارج حدود بلاده، مثنى وثلاث ورباع.

البحث عن رئيس يُختار من بين عدة مرشّحين ويفوز بثقة الناخبين. فهل من ثقة حقيقية بكلّ الأسماء والمواصفات التي يتم تداولها؟ وليس المقصود في لبنان فحسب بل كذلك في أنحاء العالم، وخصوصاً في تلك التي تستعدّ لمعارك انتخابية. يكفي النظر قليلاً إلى ما خلصت إليه الانتخابات التشريعية أو الرئاسية، أخيراً، في بعض البلدان، للخروج باستنتاج مبدئي بشأن طبيعة ما تفرزه الديمقراطيات اليوم. المرور بالشعارات التي ترفع في المعارك الانتخابية ولو من دون التوقف عندها طويلاً، يعطي صورة عما سيؤول إليه هذا العالم.

فهل هي مشكلة أحزاب وتوجهات أم مشكلة جماهير؟

من يرصد الحراك الذي شهدته العواصم الغربية تضامناً مع غزة وناسها يخرج بانطباع أنّ الشعوب لا تشبه حكّامها أو سلطاتها. أمّا كيف تمكّنت هذه السلطات من الوصول والحكم والبقاء رغم كل هذا الصراخ في الشارع، فهنا يحضر السؤال عن المفاضلة بين الرأس والقلب. فهل تمثل السلطات المنتخبة شعوبها فعلاً؟ وإذا كانت تمثّل الأغلبية، رغم ما يعنيه هذا من تغييب لشريحة كبيرة تحت مسمّى حكم الأكثرية، فكيف تم اختيار تلك السلطة أو من فاز من المرشّحين؟ هل حصل ذلك بناء على إنجازات محددة أو تطور وظيفي أو لثروة ما أتاحت لأحدهم تمويل حملة انتخابية ضخمة عادت عليه بالأصوات التي أهّلته لمنصبه الجديد؟

يتحرّك الشارع بقلبه، فيما السلطات تراقب من فوق بعقلها البارد، بحسابات المصالح وفق الربح والخسارة.

يتحرّك الشارع بقلبه، فيما السلطات تراقب من فوق بعقلها البارد، بحسابات المصالح وفق الربح والخسارة. هنا هي المادية دون سواها. أمّا الخسائر في الأرواح فلا تستأهل تحريك الأساطيل ولا التلويح بعقوبات.

بعد كل ما عايشه العالم من حروب ارتكبتها الأنظمة باسم الشعب أو الحزب أو العائلة، أنظمة ديمقراطية أو ملكية أو أنظمة الحّزب الواحد، يبدو من الملحّ البحث عن معايير ومواصفات محددة لمن يتولّى السلطة والحكم. صحيح أنّ في الأمر سريالية. ولكنّ هذه السريالية مستمدة من نتائج واقعية يمكن تلمّسها في كلّ ما حولنا، وفي كلّ ما نسمعه، أو نشاهده على شاشاتنا. وإلّا فما معنى أن يقف العالم بكل منظماته الدولية، وبكل ترسانته الحربية، وقدراته الدبلوماسية، عاجزاً عن وقف حمام سفك الدماء المستمرّ، وفي بثّ مباشر.

ماذا لو كان في موقع القرار قلب لا رأس؟ هل كان من الممكن أن يبقى صامتاً على صوت بكاء الأطفال وآلامهم، هل كان سيشيح النظر بعيداً عن مشاهد العنف المرتكبة بحق المدنيين ويتجاهل مشاهد الدم والجراح والدمار؟ هل كان سيتحرّك لوقف ما يحصل في باب المندب ويبقى عاجزاّ أو ممتنعاً عن التحرّك لنصرة طفل جائع في غزة قتلوا عائلته ومنعوا عنه لقمة العيش وقطرة المياه والمشفى لمعالجة جروحه وانتزعوه من منزله وتركوه بلا سقف تحت المطر يعاني البرد والتشرّد؟

ماذا لو اخترنا القلب في لبنان، بعد كل ما جرّبناه من رؤوس ورؤساء. هل يمكن الرهان على أن يكون القلب هو الخيار الثالث البديل من خيارات المحاور والقوى؟ يبدو كأنّ الأمر رومنسية في زمن الحرب، ولكن الحرب لا يمكن أن تتوقف إن لم ننصت إلى صوت القلب أو هكذا نظن.