تطوّر الذكاء الاصطناعي مكّنه من إنشاء تطبيقات عديدة كان لها فوائد مذهلة للبشرية، ومع ذلك، يمكن أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي للإساءة والأغراض المشبوهة إذا تم استخدامه من قبل جهات تسعى إلى استغلال قدراتها لتحقيق مكاسبها الخاصة.

أحد التهديدات الناشئة التي أثارت قلق السلطات والخبراء هو استخدام استنساخ الصوت المولّد بالذكاء الاصطناعي لخداع الناس. ومع أن توليف الكلام موجود منذ عدة عقود، فربما يكون أحد أشهر الأمثلة هو CallText 5010 وهو مركّب الكلام الآلي الذي استخدمه ستيفن هوكينج بعد أن فقد صوته في عام 1985، لكنّ الذكاء الاصطناعي تجاوز الأصوات الرقمية مثل Hawking's و Siri من Apple وبات من الممكن استنساخ أصوات الأشخاص بفضل التحسينات في محرّكات الذكاء الاصطناعي وتحويل أيّ نصّ إلى كلام. وتستند نظم استنساخ الأصوات عموماً إلى مجموعات تدريب كبيرة تتألّف من أصوات النّاس الحقيقية، ونظراً لأنّ العديد من هذه الأنظمة متاحة تجارياً أو حتّى مفتوحة المصدر، فقد يكون من السّهل على أيّ شخص الوصول إليها وبالتّالي تزويد الأشخاص بأداة قوية لتقليد الأصوات البشرية بطريقة يصعب اكتشافها عن طريق الأذن.

واستنساخ الصوت هو عملية إنشاء صوت اصطناعي يبدو مطابقا أو مشابهاً لصوت شخص حقيقي. تستخدم أدوات استنساخ الصوت بالذكاء الاصطناعي خوارزميات التعلّم العميق لتحليل عيّنة من صوت الشخص وتوليد كلام جديد بناء عليه. يمكن أن تنتج هذه الأدوات أصواتا واقعية ومقنعة يمكنها تقليد نغمة المتحدّث الأصلي ولهجته وعاطفته وأسلوبه في الكلام، وتتطلّب العملية عادة قدراً كبيراً من الكلام المسجّل لإنشاء مجموعة من البيانات التي يمكن استخدامها بعد ذلك لإنشاء نموذج صوتي جديد.

يمكن أن يكون لاستنساخ الصوت استخدامات مشروعة وإيجابية، مثل استعادة صوت الأشخاص الذين فقدوه بسبب المرض أو الإصابة أو إنشاء مساعدين رقميين مخصصين أو تعزيز تجارب الترفيه والألعاب أو حتّى الحفاظ على أصوات الشخصيات التاريخية أو المشاهير، لكن مع ذلك، يمكن أيضا استخدام استنساخ الصوت لأغراض مشبوهة مثل انتحال شخصية صوت شخص ما لخداع الآخرين أو التلاعب بهم أو إيذائهم.

واحدة من أكثر الطرق شيوعا وخطورة التي يستخدم بها المحتالون استنساخ الصوت هي خداع الأشخاص من خلال التظاهر بأنّهم أصدقاؤهم أو أقاربهم. على سبيل المثال، يمكن للمحتالين استخدام الاستنساخ الصوتي لإجراء مكالمات هاتفية مزيفة أو رسائل صوتية بهدف طلب المال أو سرقة المعلومات الشخصية أو الوصول إلى الحسابات. يمكن أن تكون عمليات الاحتيال هذه مقنعة للغاية ويصعب اكتشافها لأنها تستغل ثقة وعاطفة الضحايا.

تتنوّع عمليات الاحتيال التي تم الإبلاغ عنها لاستنساخ الصوت بين القضايا الشخصية وعمليات الاحتيال التجارية، ففي ولاية أريزونا الأميركية، تلقّت امرأة مكالمة هاتفية من شخص بدا وكأنه ابنتها، تبكي وتتوسل طلباً للمساعدة مؤكّدة بأنه تم اختطافها وتطلب فدية قدرها 5000 دولار. كانت المرأة على وشك إرسال الأموال عندما أدركت أنّها عملية احتيال.

وفي المملكة المتحدة تم خداع رئيس تنفيذي لشركة طاقة لتحويل 243000 دولار إلى مورد مجري بعد تلقّي مكالمة هاتفية من شخص بدا وكأنه رئيسه في ألمانيا. أمّا في كندا فقد تلقّى رجل كندي رسالة صوتية من شخص بدا وكأنه والدته تطلب منه معاودة الاتصال بها على وجه السرعة. عندما اتصل مرة أخرى، قيل له إن والدته تعرضت لحادث سيارة وتحتاج إلى المال لإجراء عملية جراحية. أدرك الرجل أنهّا كانت عملية احتيال عندما اتصل بوالدته عبر هاتف آخر.

السهولة والمخاوف

تعدّ السهولة التي يمكن بها الآن استنساخ الصوت وتغييره واحدة من أكبر المخاوف بشأن استنساخ الصوت من خلال الذكاء الاصطناعي خاصة مع وجود كل هذه البرامج والتطبيقات المجانية التي يمكن أن تساعد الناس على استنساخ الأصوات في غضون ثوان. يمكن أن يؤدي هذا إلى التصيد الصوتي وانتشار المعلومات الخاطئة. وتشكّل سرقة الهوية وعمليات الاحتيال القائمة على الصوت تهديداً خطيراً حول العالم.

سرعان ما أصبح استنساخ الصوت طريقة أساسية لإجراء مكالمات احتيال الذكاء الاصطناعي. في حين أنّ تطبيقات تقليد الأصوات كانت موجودة منذ بعض الوقت، إلّا أنّ التطورات الحديثة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدية جعلتها أكثر سهولة وبأسعار معقولة.

التأثير على الأعمال والمهن

استنساخ الصوت يمكن أن يكون له تأثير بعيد المدى في العديد من الصناعات والمهن، ولا سيما تلك التي تولي قيمة عالية للأصالة والثقة والعلاقات بين الأشخاص.

ففي قطاع الإعلام، يؤدّي استنساخ الصوت إلى التضليل والتلاعب. ويمكن استخدام استنساخ الصوت لنشر معلومات مضلّلة وملفّقة وأخبار مزيفة والتأثير على الرأي العام، وقد يكون من الصعب على الصحفيين التأكّد من صحة التسجيلات الصوتية ممّا يهدد مصداقيتها ويقوّض ثقة الجمهور.

أما القادة السياسيون والشخصيات العامّة فيشكل الاستنساخ الصوتي تهديداً خطيراً للشخصيات العامة والمشاهير والقادة السياسيين ويمكن استغلال الأصوات المستنسخة لإنشاء خطب وتصريحات كاذبة وتشويه السمعة ونشر معلومات مضللة التي ويمكن لها التأثير على العمليات السياسية وثقة الجمهور.

هذه الضروب الاحتيالية قد تكون ضارة مالياً ومؤلمة عاطفياً ويمكنها هز الثقة بين الأفراد، لذلك من المهم أن يكون الناس على دراية بمخاطر وعلامات عمليات الاحتيال في استنساخ الصوت، وأن يتخذوا تدابير وقائية لحماية أنفسهم.

بعض النصائح وأفضل الممارسات لتجنّب الوقوع ضحية لعمليات استنساخ الصوت:

• كن متشكّكا وحذراً من أيّ مكالمات أو رسائل غير مرغوب فيها أو غير متوقّعة تطلب أموالا ًأو معلومات شخصية. لا تثق في معرف المتصل أو التعرف على الصوت وحده حيث يمكن انتحالهما أو استنساخهما.

• تحقق من هوية وصحة المتصل أو المرسل عن طريق طرح أسئلة لا يعرفها سواه، أو عن طريق الاتصال به من خلال قناة أو طريقة أخرى.

• لا تشارك عينات صوتك أو تسجيلاتك عبر الإنترنت أو مع الغرباء، حيث يمكن استخدامها لاستنساخ صوتك. احذف أي رسائل صوتية أو مكالمات غير مرغوب فيها أو مشبوهة.

• استخدم برامج وأدوات أمان موثوقة ومحدّثة لحماية أجهزتك وحساباتك من البرامج الضارة أو هجمات التصيد الاحتيالي التي قد تحاول سرقة بياناتك الصوتية أو بيانات اعتمادك.

استنساخ الصوت هو سيف ذو حدّين يمكن استخدامه للخير أو الشر. ومع تقدم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي وأصبح الوصول إلى هذه الأدوات أكثر سهولة وبأسعار معقولة، ستزداد إمكانية عمليات الاحتيال في استنساخ الصوت. لذلك ، من الضروري أن يكون الناس يقظين ومطّلعين على هذا التهديد الناشئ، وأن يتّخذوا خطوات لحماية أمنهم وخصوصيتهم.