خرق التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون جدار الاستحقاق الرئاسي، ولكنّه لم يضعه على طريق الانجاز وإنّما أبقاه على لائحة الانتظار التي باتت مربوطة من جهة بنفاذ هذا التمديد من عدمه في ضوء الطعن الذي سيقدّمه "التيار الوطني الحر" إلى المجلس الدستوري أو مجلس شورى الدولة، أو للمجلسين معاً، ومن جهة أخرى بحرب غزة ومآلاتها التي لم تتضح بعد. ولذلك ستكون مرحلة ما بعد التمديد مرحلة انتظارية مصحوبة بسخونة سياسية داخلية من حيث تصاعد النزاع السياسي حول الاستحقاق الرئاسي الذي بات التنافس فيه محصوراً رسمياً بين قائد الجيش ورئيس تيّار "المردة" سليمان فرنجية. ففريق المعارضة تدعمه بكركي والمجموعة الخماسية العربية - الدولية سيتمسّك بترشيح عون، فيما "الثنائي الشيعي" مع حلفائه سيتمسّكون بترشيح فرنجية. إلّا أنّ مصير الاستحقاق لن يحسم، على ما يبدو، إلّا بعد انتهاء حرب غزة.

ويرى فريق من السياسيين أنّ مؤيّدي التمديد لقائد الجيش ربما سيعتبرون أنّهم أنهوا به "معادلة التوازن" بالإتيان برئيس للجمهورية من كنف فريق، ورئيس للحكومة من كنف فريق آخر، والتي حاولت المبادرة الفرنسية الشهيرة تكريسها، وأنّه بات في إمكانهم الإتيان برئيس جمهورية من كنفهم أو لا ينتمي ألى أيّ فريق سياسي، وربما يرون أنّ قائد الجيش هو الرئيس المناسب، خصوصاً وأنّ بكركي والمجموعة الخماسية تؤيدانه.

وفي المقابل يرى فريق سياسي آخر إنّ "الثنائي الشيعي" وحلفاءه لن يخرجوا من معادلة التوازن بين "الرئاستين"، من خلال المبادرة الفرنسية أو من دونها، لأنّ البلاد وتبعاً لكلّ التجارب لا تحكم إلّا بالتوازن، وهم يعتبرون أنّ فرنجية هو أحد ركيزتي التوازن ولذلك يتمسّكون بدعم ترشيحه أمس واليوم وغداً وبعد غد ... و"الأحد عشر كوكباً" كما يردّد رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وفي أيّ حال فإنّه بإقرار التمديد سنة لقائد الجيش يمكن القول أنّ تمديداً حصل للاستحقاق الرئاسي بالمدّة نفسها، أقلّه بالنسبة إلى الذين أيّدوه على خلفية تأييدهم ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بحيث أنّهم أعطوا لأنفسهم بهذا التمديد مهلة سنة علّهم يتمكّنون خلالها من كسح الألغام السياسية والدستورية التي تعارض وصوله إلى قصر بعبدا في مواجهة فرنجية الذي ما زال ترشيحه على حيويته رغم تشكيك البعض.

بإقرار التمديد سنة لقائد الجيش يمكن القول أنّ تمديداً حصل للاستحقاق الرئاسي بالمدّة نفسها

ومن الواضح أنّ أوّل "المنتصرين"، إذا جاز التعبير، في تمديد ولاية قائد الجيش هو المجموعة الخماسية العربية – الدولية التي كانت دفعت بموفدها جان ايف لودريان في زيارته الأخيرة للبنان ليثير للمرّة الأولى موضوع التمديد لعون، رابطة هذا الأمر بالمهمّة الأصلية للودريان الذي يحمل صفة "الموفد الرئاسي الفرنسي" والمتعلّقة بتقريب وجهات النّظر بين الأفرقاء السياسيين حول الاستحقاق الرئاسي، ولكنّه تجاوز هذا الأمر أيضاً إلى نقل رسائل إلى لبنان تحذّره من توسيع نطاق الحرب والتزام تنفيذ القرار الدولي 1701 في الجنوب، الذي يشهد مواجهات يوميّة بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال الإسرائيلي منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، غداة حصول عملية "طوفان الاقصى" وما تلاها منذ ذلك الحين إلى اليوم من حرب تدميرية تشنّها إسرائيل على قطاع غزة.

ويقول أحد المطّلعين في معرض تفسيره لقانون التمديد لقائد الجيش أنّ هذا الأمر الذي اختلف حوله الأميركيون بين مؤيّد ومعارض (البيت الأبيض والبنتاغون) وكاد خلافهم يطيحه نهائياً، قد تبدّلت في الآونة الاخيرة المعطيات في شأنه لتتقاطع على المصلحة في تنفيذ القرار 1701 كحلّ للوضع المتفجّر على الجبهة الجنوبية اللبنانية، وقد سوّق البعض هذا التمديد على أساس أنّه سيكون من عدّة العمل لتنفيذ القرار 1701، وأنّه في حال لم يتّفق على الأفكار المطروحة لطريقة تنفيذه، يتحوّل التمديد لعون تمديداً تقنياً لا مفاعيل سياسية له يمكن الاستثمار عليها لدعم ترشيحه لرئاسة الجمهورية.

"الديل" والمفاعيل

لكنّ هؤلاء المطّلعين يتوقّفون عند "الديل" الذي حصل بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران قبيل حصول "طوفان الأقصى" وما تزال مفاعيله مستمرّة، بحيث أنّه حال ولا يزال يحول دون توسّع "حرب غزة" إلى جبهات أخرى بدليل أنّ المواجهات الحاصلة على جبهة لبنان الجنوبية كانت ولا تزال محكومة بقواعد الاشتباك المعمول بها بموجب القرار 1701، ويتوقّع المطّلعون أن يؤسّس هذا الديل الإيراني - الأميركي لتوافقات أو تسويات في المنطقة يفترض أن تشكّل بمجملها غطاء لحل القضية الفلسطينية، بدأت ملامحه تظهر من خلال وقائع حرب غزّة والفشل الإسرائيلي المتمادي في محاولات تل أبيب القضاء على حركة "حماس" بالحدّ الأدنى، والإجهاز على القضية الفلسطينية في الحدّ الاقصى، فالإسرائيلي يحاول من خلال حرب غزة الهروب من "حلّ الدولتين"، (وهو يتهرّب منه منذ اتفاق اوسلو)، إذا استطاع سحق حركة "حماس" وأخواتها وتهجير سكّان القطاع إلى مصر وغيرها بالتزامن مع تهجير سكّان الضفة الغربية إلى الأردن وربما فلسطينيي الجليل إلى لبنان وسوريا، ولكنّه عند الفشل سينصاع لـ"حلّ الدولتين" إن بقي متماسكاً ولم يضع نظامه وكيانه على طريق الزوال، لتقوم على أرض فلسطين التاريخية دولة متعدّدة الديانات على غرار لبنان، كما كانت قبل نشوء الكيان الاسرائيلي.

وأكثر من ذلك، يعتبر المطّلعون أنّ التمديد سنة لقائد الجيش ولكلّ الضباط من رتبة لواء، يعني أنّ كلّ العواصم والجهات التي وقفت خلف هذا التمديد أعطت مهلة سنة لتنفيذ القرار 1701، فإذا نفّذ يمكن عندها البحث في ترشيح عون لرئاسة الجمهورية.

إلّا أنّ ثمّة من يقول أن حزب الله فضّل التماهي في شأن القرار 1701 مع "الديل" الإيراني - الأميركي وما يحوط به من تطوّر في العلاقات بين إيران وجيرانها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي أخذها ذلك "الديل" في الاعتبار في ضؤ الاتفاق الموقّع بينها وبين طهران منذ العاشر من آذار الماضي. علماً أن "الحزب" أبلغ إلى المعنيين أنّه لن يكون في وارد البحث في أيّ ترتيبات تتعلّق بالقرار 1701 إذا لم تتوقّف الحرب الإسرائيلية على غزّة.

برودة أميركية

ويروي سياسي مطّلع على الموقف الأميركي للدلالة على حيوية ذلك الديل الإيراني - الأميركي أنّ بعض السياسيين اللبنانيين الذين زاروا واشنطن في الآونة الأخيرة وأكّدوا للمسؤولين الأميركيين موقفهم الرافض التفاوض مع الطرف الذي يضع سلاحه على الطاولة، قاصدين بذلك حزب الله، قوبلوا ببرودة شديدة في التعاطي الأميركي مع طروحاتهم. وتأسيساً على هذا المعطى يؤكّد هذا السياسي أنّه لا يستبعد احتمال حصول حوار ما بين حزب الله و"القوات اللبنانية" وأنّ المسألة ربما تكون قد أصبحت "مسألة وقت". ولكن عندما قيل لهذا السياسي أنّه لم يصدر عن أيّ من الجانبين أيّ إشارات في هذا الاتّجاه حتّى الآن، قال أنّ مفاعيل "الديل" الأميركي - الإيراني معطوفة على مفاعيل الاتفاق السعودي - الإيراني الذي تجدّد التأكيد عليه في بكين قبل أيام لم تصل بكليّاتها إلى الساحة اللبنانية بعد، وأن المسألة أيضا هنا هي "مسألة وقت".

ويعتقد هذا المصدر أنّ رؤية موضوع التمديد لقائد الجيش بمنظار المصلحة الوطنية تدفع إلى الاعتقاد بأنّه سيفتح لاحقاً الباب لتفاهمات وتحالفات سياسية جديدة على الساحة اللبنانية، ومنها باب انفراج وانفتاح كبيرين بين بكركي وحزب الله، إذ فيما كان البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي يستقبل قبل أيام السفير السعودي وليد البخاري الذي شدّد على التمديد لقائد الجيش، كان حزب الله "يسير مداورة" بهذا التمديد ولو أنّ نوّابه انسحبوا من الجلسة النيابية قبيل التصويت عليه. ويسأل المصدر في هذا السياق هل أنّ زيارة الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي الاخيرة للرياض خلال انعقاد القمة العربية – الإسلامية في 11 تشرين الثاني الماضي أثمرت في اللقاءات التي حصلت على هامشها بينه وبين المسؤولين السعوديين اتفاقاً على تسهيل الحلول للاستحقاقات اللبنانية وفي مقدّمها الاستحقاق الرئاسي؟

ويذهب هذا المصدر إلى القول أنّه في ضوء هذه التطوّرات لم يعد لمواقف رئيس "التيار الوطني الحر " أي قيمة استراتيجية، خصوصاً بعد الاتفاق السعودي - الإيراني، وأنّ المطروح هو أنّ القرار 1701 سينفّذ مقروناً بـ"ضمانات أمنية" سيقدّمها الأميركيون والإيرانيون على حدّ سواء. ولذلك باتت مواقف باسيل، تشبه المواقف التي عبّر عنها زوار واشنطن اللبنانيين، فالموقف في شباط 2006 أيام إقرار تفاهم مار مخايل بين التيار وحزب الله كان يصلح لتلك الحقبة، ولكنّها باتت لا تصلح للعام 2023 لأنّ الأوضاع تغيّرت وكذلك المعطيات بوجهيها الداخلي والخارجي. إلّا أنّ موقفه من الاستحقاق الرئاسي كان ولا يزال "بيضة القبّان".