يُعتبر سجن الكاتراز الذي يحتوي على 378 زنزانة عاديّة و42 منفردة، واحداً من أكثر السجون شهرةً في التاريخ الأميركي والعالمي، ليس فقط بسبب الحراسة الأمنية المشدّدة، ولكن أيضاً بسبب موقعه الفريد وسمعته كأسطورة في عالم العقاب والانضباط.

يقع هذا السجن فوق جزيرة صغيرة في خليج سان فرانسيسكو، كان يُعرَف بأنه مأوى للمجرمين الذين لا يُصلحهم أي سجن آخر، ومنهم، آل كابوني زعيم المافيا الإيطالية في أميركا وروبرت ستراود القاتل المدان والذي سُجن ٥٤ عاماً في غالبية السجون الأميركية، كان آخرها في الكاتراز.

لكن من بين الإجراءات الغريبة التي أثارت تساؤلات كثيرة على مرّ العقود، كانت، لماذا أُجبِرَ النزلاء على الاستحمام بالمياه الساخنة دون خيار المياه الباردة، وما هو الهدف من هذا القرار؟

افتُتِح السجن الفيدرالي الكاتراز عام 1934، بعد أن تمّ تحويل الجزيرة من موقع عسكري إلى مُنشأة لعزل أخطر المجرمين، وقد اكتسب شهرة كونه لا يُمكن الهروب منه، حيث تَبعُد الجزيرة عن اليابسة مسافة حوالي 2 كلم، محاطة بمياه باردة شبه متجمّدة وتيارات بَحريّة قويّة.

لهذا كان أمْن السجن لا يقتصر فقط على القضبان والأسوار، بل كانت مياه المحيط نفسها جزءاً من منظومة الحراسة المشدّدة، وهذا ما سيقودنا إلى سرّ الاستحمام بالمياه الساخنة.

خلافاً لمعظم السجون في العالم في تلك الحَقَبة التي تجعل النزلاء يستحمون بمياه باردة، فرضت إدارة سجن الكاتراز نظام استحمام إلزامي بمياه ساخنة فقط، وكان ذلك لسبب أمنيّ بحت، وهو:

"منع النزلاء من التأقلم على برودة مياه خليج سان فرانسيسكو"، وبالتالي، تقليل احتمالية محاولات الهروب عبر السباحة، كون المياه المحيطة بجزيرة الكاتراز تتراوح درجات حرارتها غالباً بين 8 إلى 12 درجة مئوية فقط، أي انها يمكن أن تسبّب تشنجات عضلية بنسبة عالية جداً تمنع الهارب من الحراك، أو يمكن ان تسبّب له توقّف عن التنفس لدقائق تجعله عرضة للموت، بالإضافة إلى وجود تيّارات مائية قويّة لا تساعد أبداً على الهروب.

ومن خلال منع النزلاء من التعوّد على المياه الباردة، سَعت إدارة السجن أيضاً الى بثّ الخوف في نفوسهم والترويج لأكاذيب واهية بأن التيارات المائية القويّة في المحيط استطاعت قلب زوارق صغيرة، لم يستطع أحدٌ من طواقمها النجاة نظراً لشدّة برودة المياه.

بالرغم من الإجراءات المشدّدة، حاولَ عدد من النزلاء الهرب. ومن أشهر هذه المحاولات، تلك التي حدثت عام 1962، عندما قام ثلاثة نزلاء بتنفيذ خطّة مدروسة بإتقان من أجل الهروب، وعمدوا الى صناعة واستخدام رؤوس مزيّفة. لكن، وحتى اليوم، لا يُعرَف ما إذا كانوا قد غرقوا أو نجحوا في عملية الهروب، حيث أكدّ المحقّقون آنذاك أن الاحتمال الأكبر هو وفاتهم بسبب برودة المياه الشديدة والتيّارات القويّة، وهذا ما يؤكد فعاليّة سياسة "الاستحمام بالمياه الساخنة" كإجراء وقائي ساعدَ على تمتين منظومة الحراسة التي كانت معتمدة حينها.

تم إغلاق سجن الكاتراز نهائياً عام 1963 سنة وفاة روبرت ستراود "القاتل المدان" بعد تقارير كثيرة عن التكلفة المرتفعة للصيانة وظروف الحياة القاسية. أما اليوم، لقد أصبحت الجزيرة موقعاً سياحياً شهيراً يقصده الزوّار من مختلف أنحاء العالم لاستكشاف أسرار السجن وتاريخه الغامض.

في عالم السجون، لا يُترَك شيء للصدفة، وسجن الكاتراز هو المِثال الأوضح على أن كيف لتفصيلٍ صغيرٍ مثل اعتماد درجة حرارة لاستحمام للنزلاء، أن يتحوّل إلى عنصر أمني حاسم في منظومة الحراسة والردع والسيطرة.

هكذا تَحوّل "الاستحمام بمياه ساخنة" من روتين يومي إلى سلاح غير مرئي في معركة مستمرّة لمنع الهروب من الكاتراز لمدّة 29 عاماً.