عقدت القمّة تحت شعار "الشباب يبتكرون نهضة أفريقية بلا حدود"، لإتاحة منصّة للشباب لاكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لتنمية أعمالهم...

في ظلّ تصاعد التنافس بين كتلة الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وكتلة الدول الأوراسية بقيادة الصين وروسيا على النّفوذ في أفريقيا، فإنّ الدول الأفريقية تسعى لتشكيل كتلة متراصّة تقف بين المتنافسين، وتمنع تحويل القارّة إلى ميدان للتنافس، وذلك عبر إطلاق صيغ تكاملية بين دول القارّة السمراء. وفي هذا الإطار تمّ عقد قمة "يوث كونيكت افريكا" في العاصمة الكينية نيروبي.

الرئيس الكيني يدعو إلى التكامل الأفريقي

دعا الرئيس الكيني وليام روتو إلى القضاء على العقبات التي تبطئ نموّ الشركات التي يطلقها الشباب في أفريقيا، ممّا يؤدي إلى تفاقم الفقر والبطالة. كلام الرئيس الكيني جاء في خطاب ألقاه في حفل الافتتاح الرسمي لـ "يوث كونيكت افريكا" في العاصمة الكينية نيروبي، حيث شدّد على أنّ إلغاء السياسات والقوانين القديمة، وتسريع التكامل بين الدول الأفريقية هو الأمر الذي سيشكّل عاملاً رئيسياً لتحفيز نموّ الشركات الناشئة المملوكة للشباب. وأكّد أنّه "يجب على الحكومات تبسيط لوائح الأعمال، وتسهيل الوصول إلى رأس المال وتعزيز التكامل الإقليمي لضمان ازدهار الشركات التي يقودها الشباب وخلق الفرص". وأشار روتو إلى أنّ إنشاء منطقة التجارة الحرّة القارّية الأفريقية سيفتح فرصًا جديدة لشباب رواد الأعمال للمساعدة في حلّ أزمة البطالة. وأضاف إنّ إصلاحات السياسات إلى جانب المقارنة مع أفضل الممارسات الدولية تعدّ أمرًا أساسيًا لإطلاق العنان للابتكارات التي يقودها الشباب وتنشيط المشاريع عبر الحدود في القارّة.

والجدير ذكره أنّ كينيا استضافت قمة "يوث كونيكت افريكا" بين 8 و12 كانون الأول بحضور أكثر من 20 ألف مشارك من الشباب وصانعي السياسات وقادة الصناعة والجهات المانحة لمناقشة موضوعات متنوّعة، بما في ذلك الرقمنة والتمويل الأخضر والصناعة الإبداعية والتجارة بلا حدود، وكيف يمكنهم إطلاق العنان للفرص لشباب القارّة السمراء من أجل التنمية. وعقدت القمّة تحت شعار "الشباب يبتكرون نهضة أفريقية بلا حدود"، لإتاحة منصّة للشباب لاكتساب المهارات والمعرفة اللازمة لتنمية أعمالهم.

التنافس بين الشرق والغرب

وأتت القمة في وقت تتصاعد فيه المنافسة بين كتلة دول شمال الأطلسي بزعامة الولايات المتحدة من جهة مع كتلة الدول الأوراسية بزعامة روسيا والصين من جهة أخرى على النفوذ في أفريقيا. فالولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية وعلى رأسها فرنسا يتمتعون بنفوذ واسع في القارّة السمراء منذ استقلال بلدانها عن الاستعمار القديم في الستينات من القرن الماضي. وقد تعزّز هذ النفوذ بعد انهيار الاتّحاد السوفياتي في العام 1991 ووقوع معظم الدول المعادية للهيمنة الغربية ضحية انقلابات أطاحت بأنظمتها الوطنية لصالح أنظمة موالية للغرب.

أفريقيا ستكون ساحة المواجهة الرئيسية بين الغرب والشرق، خلال القرن الحادي والعشرين

لكنّ صعود القوّة لاقتصادية الصينية خلال العقود الثلاثة الماضية، واستعادة روسيا عافيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية خلال العقدين الماضيين، إضافة إلى تشكيلهما مع دول أخرى لمنظمة شنغهاي للتعاون في العام 2001، ومن ثمّ إطلاق منظومة دول بريكس بالتعاون مع الهند وجنوب أفريقيا والبرازيل في العام 2009، أعاد التوازن إلى النظام الدولي، وأوجد كتلة دول تواجه الهيمنة الغربية. ولقد كان مقدّراً لمنظومة دول بريكس وعلى رأسها لصين وروسيا أن تنظرا إلى تعميق علاقاتهما بالدول الأفريقية. فبالنّسبة للصين تشكّل أفريقيا سوقاً كبيرة إضافة إلى غناها بالموارد الطبيعية والمواد الأولية التي تحتاجها الصين لصناعاتها. كذلك فإنّ أفريقيا هي ذات قيمة اقتصادية، ولكن بالدرجة الأولى سياسية بالنّسبة لروسيا.

هذا جعل الخبراء يرون أنّ أفريقيا هي التي ستكون ساحة المواجهة الرئيسية بين كتلة الدول الغربية من جهة وكتلة الدول الشرقية من جهة أخرى، خلال القرن الحادي والعشرين. وقد تجلّى هذا مؤخّراً بقمة بريكس التي عقدت قبل أشهر قليلة في جنوب أفريقيا، كما تجلّت بطلب عدد كبير من الدول الأفريقية الانضمام إلى منظومة بريكس. بالتوازي مع ذلك حصلت عدّة انقلابات في دول الساحل الأفريقي مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وغينيا بيساو وحتّى الغابون، علماً أنّ هذه المنطقة تعتبر واحدة من دوائر النّفوذ الفرنسية التقليدية. وقد سارعت فرنسا إلى اتّهام موسكو بالوقوف خلف هذه الانقلابات التي أعلنت رفضها للهيمنة الفرنسية.

"يوث كونيكت افريكا" كمنصّة تكاملية

في ظلّ هذا التنافس بين الغرب والشرق ظهرت دعاوى للتكامل الأفريقي عبر عقد قمم وإطلاق منصّات تهدف إلى خلق كتلة أفريقية. من هنا فإنّ عقد قمة "يوث كونيكت افريكا" يأتي في هذا الإطار. وتسعى الدول الأفريقية إلى سدّ الفجوة الرقمية من أجل تعزيز مشاركة الشباب في التجارة الإلكترونية المتنامية والوظائف الافتراضية في القارّة. كما تسعى للاستفادة من الطاقات الشبابية لتسريع عملية الرقمنة التي تعد بالحيوية الاقتصادية وخلق فرص العمل. وهي تراهن على أنّ الشركات التي يقودها الشباب ستسرّع من تحقيق أجندة التكامل الإفريقي إلى جانب تعزيز السلام والاستقرار والتماسك.

لذلك فإن "يوث كونيكت افريكا" هي حلّ أفريقي تمّ وضعه لتقديم الحلول ذات الصلة لجنوب العالم، ودعم تنفيذ المبادرات ذات الصلة لتمكين الشباب. وهي تعمل كمنصّة أفريقية ذات رؤية تتمثّل في ربط الشباب الأفريقي من أجل التحوّل الاجتماعي والاقتصادي. وتسعى المنصّة إلى تمكين الشباب من خلال تعزيز معارفهم وخبراتهم ومهاراتهم والاستثمار في أفكارهم وابتكاراتهم ومبادراتهم حتى تحقّق أفريقيا تقدمًا في تسخير مكاسبها الديموغرافية بحلول عام 2030.

كذلك هي تهدف إلى خلق 10 ملايين فرصة عمل بحلول عام 2025 في بيئات العمل المستدامة في الصناعات الناشئة، إضافة الى خلق 25 مليون فرصة من خلال التدريب والتسجيل في أماكن العمل، وتحديد ورعاية وتنمية مليون قائد يقدّمون الحلول ويشاركون في تطوير مبادرات وسياسات مستدامة تقلّل من عدم المساواة بين الجنسين في التعليم والوظائف والتكنولوجيا والقيادة، وتشكّل "مركزاً للمحاور" لتأمين الوصول إلى الأسواق ورأس المال الصديق للابتكار من الشركاء وفرص الشراكة مع أقرانهم في جميع أنحاء القارّة السمراء.