يأتي انقلاب الغابون لينقل سلسلة الانقلابات من منطقة الساحل الإفريقي إلى منطقة إفريقيا الوسطى، بعد التشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر.

في الوقت الذي كانت فرنسا تلوّح بالتدخّل العسكري في النيجر، وترفض إخراج سفيرها وعائلته من نيامي بناءً على طلب قادة الانقلاب، إذا بانقلاب آخر يحصل في دولة أخرى تدور في الفلك الفرنسي وهي الغابون.

فبعد ساعات من إعلانه فوزه بالانتخابات الرئاسية وبولاية جديدة، إذا بالرئيس علي بونغو اونديمبا يواجه انقلاباً بعد اتّهامات له من المعارضة بتزوير الانتخابات والتلاعب بنتائجها. وقد نزل الغابونيون إلى الشوارع للاحتفال بالاطاحة بعلي بونغو الذي تولّى رئاسة البلاد قبل 14 عاماً خلفاً لأبيه عمر بونغو الذي حكم الغابون منذ العام 1967 وحتى وفاته في العام 2009 وكان معروفا عنه ولاؤه لفرنسا. وقد سارع قادة الانقلاب إلى اعتقال الرئيس المخلوع، ووضعه قيد الإقامة الجبرية إضافة إلى اعتقال ابنه نور الدين بونغو فالنتان وستة من أعوانه بتهمة الخيانة العظمى. كذلك سارع قادة الانقلاب إلى تعيين الجنرال برايس اوليغوي نغويما رئيساً انتقالياً للبلاد، علماً أنّ نغويما كان الحارس الشخصي لعمر بونغو، والد الرئيس المخلوع.

وقد تعهّد المتحدّث باسم المجلس العسكري الذي قاد الانقلاب بإعادة تفعيل المحكمة الدستورية في البلاد، واستئناف الرحلات الجوية الدّاخلية وإقامة مؤسسات انتقالية واحترام التزامات الغابون الدولية. من جهتهم سارع قادة المعارضة الرئيسيون للترحيب بالانقلاب إلّا أنّهم طالبوا باستئناف العملية الانتخابية، واستكمال فرز الأصوات وإعلان فوز مرشّح المعارضة بالرئاسة وهو ما لم يعلّق عليه قادة الانقلاب.

الأسباب الدّاخلية للانقلاب

والجدير ذكره أنّ عائلة بونغو حكمت الغابون بيد من حديد منذ العام 1967. وقد بدأ علي بونغو حياته السياسية عام 1981، حيث شغل منصب وزير الخارجية وعضو الكونجرس ووزير الدفاع قبل أن يصبح رئيسًا في عام 2009. وعلى الرّغم من الثروات الكبيرة التي تتمتّع بها الغابون إلّا أنّ معظم الشعب يعيش في فقر مدقع.

ووفقاً للبنك الدولي فالغابون هي رابع أكبر منتج للنّفط في منطقة جنوب الصحراء، وخلال العقد الماضي حقّقت نموّاً اقتصادياً قويّاً بالاعتماد على مبيعات النّفط والمنغنيز في الأسواق العالمية، علماً أنّ قطاع النفط يشكّل نحو أربعين بالمئة من النّاتج المحلّي الإجمالي و70.5 بالمئة من الصادرات. وقد قدّرت نسبة النموّ قبل جائحة كوفيد بنحو 2 بالمئة سنوياً، إلّا أنّ الجائحة أثّرت سلباً على هذه النسبة. وفي العام 2019 أنتجت الغابون نحو 200 ألف برميل من النفط يوميًا. وتمتلك البلاد مخزونات كبيرة من المنغنيز واليورانيوم والذهب وخام الحديد، علماً أنّها تعدّ من أكبر خمس منتجين للمنغنيز في العالم. كذلك فهي غنيّة بغابات الأخشاب الصلبة الاستوائية، حيث تقدّر مساحتها بـ 22 مليون هكتار من الغطاء الحرجي.

وقد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلّي الإجمالي نحو 8 آلاف دولار سنوياً، وهو رابع أعلى مستوى في إفريقيا، لكن هذ لا يعكس الحالة التي يعيش فيها معظم الشعب الغابوني، حيث يوجد استقطاب كبير في الثروة، إذ يمتلك 20 بالمئة من السكّان 90 بالمئة من موارد البلاد، ما يجعل معظم الشعب يعيش في فقر مدقع، مع ما يقرب من نصف مليون نسمة يعيشون في حالة مزرية من دون القدرة على تأمين عمل أو تأمين قوتهم اليومي. كذلك فإنّه على الرّغم من ثرائها إلّا أنّ الغابون تفتقر إلى البنى التحتية الأساسية خصوصاً في المناطق الريفية حيث معظم الطرقات غير معبّدة، وتصبح غير صالحة للتنقّل خلال فصل الشتاء. كذلك فإنّ النظام البريدي والاتصالات في حالة مزرية. وفي السنوات الأخيرة تأثّرت الغابون سلباً بجائحة كورونا وتقلّبات أسعار النّفط العالمية نتيجة الحرب الأوكرانية، إضافة إلى التضخّم العالمي الذي أدى إلى وتائر تضخّم عالية في البلاد. وهذا أدّى إلى أن تواجه الأسر الغابونية ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية منذ بداية عام 2022 حيث وصل معدّل التضخّم إلى 4.3 بالمئة سنوياً.

لكنّ الغابون بدأت تشهد تعافياً خلال العام الماضي، حيث بلغت نسبة النموّ 3.1 بالمئة إضافة إلى تحقيق فائض مالي بنسبة 3 بالمئة من النّاتج المحلّي القائم، وهذا ما ساعد في انخفاض الدّين العام ليصل إلى 52 بالمئة من النّاتج المحلّي القائم. على الرّغم من ذلك فإنّ هذا لم ينعكس تحسّناً في مستوى معيشة الشعب الغابوني نتيجة الاستقطاب الحادّ في الثّروة والفروقات الاجتماعية الكبيرة بين أقلّيّة موسرة لا تتجاوز 20 بالمئة من الشعب و80 بالمئة  يعيشون في الفقر. هذا أدّى إلى تصعيد النّقد الموجّه لأسرة بونغو الحاكمة، خصوصاً بعد كشف السلطات الفرنسية عن ممتلكات العائلة في فرنسا، والتي تتكون من 39 عقاراً في أغلى المناطق في فرنسا، إضافة إلى سبعين حسابا مصرفياً في البنوك الفرنسية و9 سيارات فاخرة بقيمة 1.5 مليون يورو.

خلافاً لما كان عليه ردّ فعلها على انقلاب النّيجر، فإنّ فرنسا كانت حذرة في ردّ فعلها تجاه ما جرى في الغابون.


الأبعاد الخارجية للانقلاب

يأتي انقلاب الغابون لينقل سلسلة الانقلابات من منطقة الساحل الإفريقي إلى منطقة إفريقيا الوسطى، بعد التشاد ومالي وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر. وإن كان الجامع بين هذه الانقلابات هو أنّها ردّ فعل على انتشار الفقر والفساد والرّشوة واستئثار قلّة حاكمة بالثروة، إلّا أنّ اللوم يوجّه من قبل شعوب هذه الدول إلى فرنسا، التي تعاونت مع النّخب الحاكمة في بلدان غرب إفريقيا بعد استقلالها عن الاستعمار في استغلال موارد هذه البلاد، ما أبقى شعوبها في فقر مدقع.

لكن خلافاً لما كان عليه ردّ فعلها على انقلاب النّيجر، فإنّ فرنسا كانت حذرة في ردّ فعلها تجاه ما جرى في الغابون. فلقد أعلنت رئيسة الوزراء الفرنسية ليزبيت بورن أنّ باريس تراقب ما يجري في الغابون بحذر. وقد فسّر بعض المراقبين هذا بأنّ فرنسا قد تكون هي وراء الانقلاب الذي حدث في الغابون، خصوصاً أنّ الرئيس لمؤقت الذي تمّ تعيينه كان مقرّباً من بونغو الأب، وبالتالي لم يكن بعيداً عن دائرة النفوذ الفرنسي. ويفسّر هؤلاء الأمر بغضب المعارضة الغابونية على علي بونغو الذي ارتكب مخالفات كبيرة سبق الإشارة إليها، ما جعل باريس تخشى من أن يحصل انقلاب بأيّ حال من الأحوال في الغابون. وبالتّالي فهي فضّلت أن تدعم انقلاباً لقادة مقرّبين منها، على أن يحصل انقلاب يخرج البلاد الغنيّة بالموارد من دائرة النّفوذ الفرنسي.

لكنّ مراقبين آخرين يفيدون بأنّ فرنسا آثرت التريّث في حالة الغابون، لأنّها لا تريد توسيع دائرة العداء التي تنتتشر ضدّها في غرب إفريقيا إلى ليبرفيل، مراهنة أن يرتضي قادة الانقلاب بإعادة الحياة الدستورية إلى البلاد سريعاً، وبالتّالي تسليم الحكم إلى معارضة قد لا تكون بعيدة عن دائرة النفوذ الفرنسي، خصوصاً في ظلّ ضعف الحضور الصيني والرّوسي في إفريقيا الوسطى حتّى الآن.

وقد أدان الاتّحاد الإفريقي الانقلاب، وجمّد عضوية الغابون حتى استعادة الحياة الدستورية في البلاد. كما أدانت المجموعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا "ايكاس" الانقلاب، ودعت إلى عودة البلاد إلى الحكم المدني. كذلك أدان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الانقلاب وأعرب عن قلقه إزاء "التقارير التي تحدّثت عن انتهاكات خطيرة للحرّيّات الأساسية ارتكبت خلال الانتخابات." أمّا المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميللر فأعلن أنّ الولايات المتّحدة "تعارض بشدة الاستيلاء العسكري على الحكم أو النّقل غير الدستوري للسلطة"، وحثّ قادة الانقلاب على "الحفاظ على الحكم المدني".

وقال كبير دبلوماسيي الاتّحاد الأوروبي جوزف بوري أنّ الاتحاد يدين الانقلاب على الرّغم من تحفّظه على الطريقة التي أجريت فيها الانتخابات الرئاسية، وهو ما شاركته فيه كلّ من المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا.

خلاصة

وتخشى فرنسا ومن خلفها الولايات المتّحدة والدول الغربية أن تستغلّ القوى الأوراسية وعلى رأسها روسيا الانقلاب، لتوسيع نفوذها إلى الغابون عبر مجموعة فاغنر العسكرية الخاصة، خصوصاً بعدما عزّزت هذه المجموعة التي تُعتبر ذراعاً للدولة الروسية حضورها في شمال وغرب إفريقيا في دول مثل ليبيا والسودان وإفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو وغينيا، في وقت يتآكل فيه النّفوذ الغربي في إفريقيا المرشّحة لأن تصبح ساحة الصراع الرئيسية بين الغرب بزعامة الولايات المتّحدة من جهة والقوى الأوراسية بزعامة روسيا والصين من جهة أخرى.