الحرب في غزة "ثبّتت" موقع حزب الله في لبنان ودوره في الحلّ، فالمفاوضات على قواعد الاشتباك ستجري معه، والتقارب السعودي - الإيراني سيلطّف الوضع اللبناني الداخلي...

تتناقض التوقّعات حول النهاية التي ستؤول إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، فالولايات المتحدة الاميركية مع حلفائها الغربيين وغيرهم يتوقّعون أن تنتهي بـسحق حركة "حماس" و"انتصار" إسرائيل، فيما "محور المقاومة" مع حلفائه يتوقّعون "انتصار " حركة "حماس" وأخواتها وهزيمة إسرائيل، أمّا لبنان فينفرد عن الجميع في أنّه سيتلقى تداعيات أيّ من النتيجتين عليه، وهو المنغمس في الحرب على جبهته الجنوبية تحت عنوان "إسناد" المقاومة في القطاع.

متوقّعو الانتصار

المتوقّعون انتصار حماس يبنون توقّعاتهم على أنهّا كانت وما زالت هي "المنتصرة" على رغم سقوط عشرات الألوف من الشهداء وغالبيتهم من النّساء والأطفال والكهل وعشرات الألوف من الجرحى وغالبيتهم أيضا من النساء والاطفال والكهل، وكذلك على رغم من الدمار الهائل في المساكن والبنى التحتية. كذلك يبني هؤلاء توقّعاتهم على استمرار حماس في امتلاك القدرة على التحكّم والسيطرة، فضلاً عن امتلاك القدرات العسكرية البشرية والمادّية التي تؤهّلها خوض معركة طويلة الأمد لا تستطيع إسرائيل تحمّلها وهي المعروف عنها في تاريخ النزاع العربي - الإسرائيلي أنّها لا تستطيع تحمّل معارك طويلة، خصوصاً وأنّ المقاومين بدأوا يخوضون ضدّ جيشها الغازي معارك شوارع وحرب عصابات، يصطادون خلالها ضباطها وجنودها وآلياتها التي فقدت منها أكثر من 400 آلية حتّى الآن. فضلاً عن أنّ استمرار الحرب أو توقّفها سيؤدّي بنحو أو آخر إلى سقوط المنظومة الحاكمة في إسرائيل وإلى انحلال للكيان الإسرائيلي بما يضعه على طريق التفكّك والزوال، لأنّ أسطورة الدولة المنتصرة والمتفوّقة والتي تملك الجيش الذي لا يقهر قد سقطت وفقدت قدرة الرّدع في عملية "طوفان الأقصى" وقبلها في حرب 2006 في لبنان. ناهيك بتبدّل موقف الرأي العام العالمي منها وانحيازه إلى تأييد القضية الفلسطينية نتيجة المجازر والتدمير الهائل الذي تلحقه بالشعب الفلسطيني في غزّة. فكلّ هذا يشير، في رأي هؤلاء، أنّ إسرائيل باتت إلى زوال على طريق العودة إلى قيام دولة فلسطين ضمن حدودها التاريخية كما كانت قبل نشوء الكيان الإسرائيلي عام 1948.

متوقّعو الهزيمة

أمّا المتوقّعون هزيمة "حماس" يبنون توقعهم على أنّ إسرائيل لا يمكنها أن توقف الحرب، وأنّها "محكومة" بالانتصار فيها لأنّها تخوض "حرباً وجودية" حسب قول سياسي قريب من الموقف الأميركي، يضيف أنّ هزيمة حماس هي مأخوذة بالحسبان لدى الولايات المتحدة وحلفائها الذين يدعمون إسرائيل بكلّ قوة لتحقيق "الانتصار" الموعود...

الإسرائيليون، يقول السياسي المطّلع بشدّة على الموقف الأميركي، يصرّحون بأنّهم يريدون "سحق" حماس واجتثاثها من قطاع غزّة، وهم انطلقوا في حربهم لتحقيق هذا الهدف، أمّا بالنّسبة إلى حزب الله الذي يستنزفهم على "الجبهة الشمالية" فإنّهم متردّدون في خوض حرب ضدّه، لأنّهم يعتبرونه "عدواً منضبطاً" ولم يخرج على قواعد الاشتباك المتّفق عليها في إطار القرار 1701 وخارجه.

ويعتبر الإسرائيليون أنّ حماس "طعنتهم بالظهر" إذا أنهم كانوا يشغّلون 20 ألف فلسطيني من غزة في إسرائيل (في غلاف غزة وغيره) ويقدّمون لها مبالغ كبيرة من المال "الكاش القطري"(33 مليون دولار شهرياً) وكانوا يتوقّعون أن يتفقوا معها على قواعد اشتباك على غرار القواعد القائمة بينهم وبين "حزب الله" ولكنّها "غدرت " بهم، حسب قول هذا السياسي.

والإسرائيليون، يضيف السياسي إياه، يعتبرون أنّ حزب الله مختلف تماماً عن "حماس"، ولذلك لم يعلنوا أنّهم يريدون القضاء عليه ولم يهدّدوا أحداً من قياداته وإنّما هدّدوا في المطلق، ويطرحون إعادة التفاهم على قواعد الاشتباك مع لبنان، ولذلك ما هو مطلوب هو "إعادة هيكلة لقواعد الاشتباك بين الجانبين". إسرائيل "تريد فقط" انسحاب "قوّة الرضوان" التابعة للحزب إلى شمال الليطاني ولا تطلب انسحابه كلّياً من جنوب الليطاني، حيث ينتشر الجيش اللبناني وقوات "اليونيفيل".

وحسب السياسي القريب من الموقف الأميركي أيضاً فإنّ الإسرائيليين لا يعتبرون أنّ لديهم مشكلة مع الحزب من شمال الليطاني إلى النهر الكبير على حدود لبنان الشمالية، إذ إنهم والأميركيين يرون أنّ لبنان لا يمكن لأحد أن يمسكه إلّا حزب الله، لأنّ بقيّة القوى متناحرة ومتناقضة المصالح والمشاريع السياسية ويمكنها أن تأخذه في أي وقت إلى الفوضى والحرب الأهلية والفدرالية.

الاتفاق السعودي-الايراني "الخاسر الأكبر "فيه هو الجانب الفلسطيني

وفي السياق، يلفت السياسي إلى أنّه بعد عملية "طوفان الأقصى" لم يحصل أي هجوم أميركي على حزب الله، في الوقت الذي لم تنطلق أيّ تظاهرة كبرى ضد الولايات المتحدة باستثناء التظاهرة إلى السفارة الأميركية في عوكر والتي لم يكن الحزب مشاركاً فيها ولو ظاهرياً.

ويذهب هذا المطّلع على الموقف الأميركي إلى القول القصّة هي أكبر من تظاهرات أو تحرّكات من هنا وهناك وإنّما هي أكبر من ذلك وترتقي إلى معادلة: "تنسحب عسكرياً من جنوب الليطاني تأخذ سياسياً في شمال الليطاني". ويقول: أهمّ اتفاق حصل هو الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل الذي أعطى الاميركي دور الخصم والحكم، وهو الذي يدمّر غزة بقنابله الآن. لذلك لبنان ليس غزّة وعندما تنهار حماس في غزّة وتنتهي المعركة ليس معنى ذلك أنّ حزب الله سينكسر وإنما سيترسّخ وضعه ونفوذ إيران في لبنان إلى أجل غير مسمّى، ولن يكون هناك من نفوذ لإسرائيل والأردن والسعودية.

وبعد أن يلفت السياسي عينه إلى "غياب الزخم الايراني" في دعم المعارضة في البحرين، يتوقّف طويلاً عند الاتفاق الذي حصل بين السعودية وإيران في مطلع آذار الماضي برعاية الصين والذي أدخلهما في علاقات مهمّة ويقول إن "الخاسر الأكبر "فيه هو الجانب الفلسطيني، فالحرب في غزة "ثبّتت" موقع حزب الله في لبنان ودوره في الحلّ، فالمفاوضات على قواعد الاشتباك ستجري معه، والتقارب السعودي - الإيراني سيلطّف الوضع اللبناني الداخلي، بحيث أنّ "التيار الوطني الحر" سيكون الخائف من "تفاهم سيحصل" بين أكبر حزب مسيحي هو "القوات اللبنانية" وبين حزب الله وبات مسألة وقت"، حسب تعبيره.

ويعود هذا السياسي اللصيق بالموقف الأميركي إلى القول أنّ الحرب في غزّة ليس لديها بديل، فلا اتفاق سياسياً مع حركة "حماس". ويذكّر في هذا السياق بكلام للديبلوماسي الأميركي دنيس روس قال فيه "إنّ غزّة لا تختلف عن الموصل أو الرقّة، فكلاهما دمرتهما الولايات المتحدة الأميركية". ولكن هذا الوضع لا ينطبق على لبنان، يقول السياسي، فهناك اتفاق الهدنة للعام 1949 وهناك القرار 425 وهناك1701 وهناك الاتّفاق على ترسيم الحدود البحرية. ولذلك يتّجه الوضع إلى إعادة هيكلة قواعد الاشتباك بالطريقة التي ترضي الطرفين، وفي هذا السياق يناور الفرنسي ويفاوض لإيجاد قواعد مشتركة وهناك إمكانية لأن ينجح، ولكن المفاوضات تجري مع حزب الله وليس مع أيّ طرف آخر. ويشير إلى أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري توصّل سابقاً إلى اتّفاق حول الحدود البحرية مع الموفد الأميركي السابق ديفيد شنكر وقد خوّنه كثيرون فيه من أنّه أضاع مساحة 1500 كيلومتر بحري على لبنان قبل أن يعودوا ويقبلوا بهذا الاتفاق. وقد رتّب هذا الأمر ديناً لبرّي ومن يمثّل "سيصرف في مكان ما".

على أنّ السياسي المطّلع على الموقف الأميركي يؤكّد أن اهتمام المجموعة الخماسية العربية - الدولية بتمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، والذي يربطه البعض باحتمال أن يكون الأمر دعماً لترشيحه لرئاسة الجمهورية، إنّما يرتبط بموضوع تنفيذ القرار 1701 في الجنوب الذي يبدو الاهتمام الفرنسي به هذه الأيام ملفتاً. ولكن مع ذلك ما زال موضوع التمديد وتأخير التسريح المطروح في أنّ قائد الجيش الذي تنتهي ولايته في العاشر من كانون الثاني المقبل ما زال غير محسوم، إذ يلمّح هذا السياسي إلى أنّ بعض كبار القوم لم يقولوا كلمتهم الفيصل في هذا الأمر بعد.